الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • تجاهل دولي.. "داعش" يتسلّل إلى البادية من مخيّمات الشمال السوري

تجاهل دولي..
مخيم الهول

ليفانت - نور مارتيني


في عموم أنحاء سوريا، تتفاقم الأوضاع الإنسانية سوءاً، ومع تحكّم روسيا بمنافذ المساعدات الإنسانية، من خلال حق "الفيتو" الذي تمتلكه بصفتها دولةً دائمة العضوية في الأمم المتحدّة، إلى جانب شريكها الاستراتيجي الصيني، باتت هذه المساعدات وسيلتها للهيمنة على القرار السياسي. ونظراً لتسيّد روسيا للمشهد السوري، كونها همزة وصل بين جميع الأطراف المتناحرة، حيث استطاعت من خلال إيجاد محور أستانة أن تكون حاضرةً في مناطق النفوذ التركي، تماماً كحضورها في مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية، التي أقصت هي الأخرى النظام السوري، وأفقدته نفوذه على أرضه، تحوّلت المساعدات إلى "وسيلة حرب" حقيقية ضدّ المدنيين.


وسط هذه التركيبة المعقّدة يبرز المشهد الأكثر غموضاً شرق سوريا، وهو ملفّ مخيمي روج والهول، اللذين يؤويان عائلات تنظيم داعش، ممن تمّ إيداعهم في المخيم إلى حين النظر في أمرهم؛ إذ يقيم في مخيّم الهول الذي تشكّل غالبيته النساء والأطفال، عائلات أسر تنظيم "داعش"، من حملة الجنسيتين السورية والعراقية، والذين أودعوا فيه بعد عملية "الباغوز" عام 2019، ولاحقاً مقتل البغدادي.



القسم الآخر من المخيّم يحوي أسر الدواعش الأجانب، ممن انضموا إلى التنظيم إلى حين البتّ في مصيرهم من قبل دولهم التي ينحدرون منها، ويحملون جنسيّاتها.


لطالما خبر العراقيون ظروف مخيم الهول الذي أنشئ عام 1991 ليؤوي العراقيين الفارّين من جحيم حرب الخليج الثانية، حيث أعيد افتتاحه عام 2003 لاستقبال اللاجئين العراقيين إبّان غزو العراق، واجتثاث نظام "صدّام حسين".


الفئة الجديدة التي جاءت إلى المخيّم، والتي قادها إليها - في الأغلب- حظّها العاثر، في الدول الأوروبية، فهي على الأغلب تنتمي إلى طبقاتٍ مهمّشة اجتماعياًً، متقوقعة على نفسها في الدول التي تقيم فيها، إلى جانب التضليل الذي مورس من خلال عملية "غسيل الأدمغة" التي خضع لها هؤلاء على أيدي خبراء التنظيم التقنيين، الذين استغلّوا وسائل التواصل الاجتماعي، للترويج للتنظيم، وإظهاره على أنّه "الجمهورية الفاضلة" لأتباع الديانة الإسلامية!


اليوم بات المخيّم، نتيجة حالة التجميع الإيديولوجي الانتقائية، وظروف الحياة القاسية في الصحراء، إضافةً إلى غياب جدول زمني لتسوية أوضاع لاجئي المخيم، بالإضافة إلى تحكّم روسيا بملفّ المساعدات الإنسانية، بؤرة توتّر حقيقية، يخشى من أن تكون منطلقاً لعودة التنظيم إلى الواجهة مجدّداً.


ومع الحوادث الأخيرة، من احتراق خيام، وارتفاع أعداد القتلى، وصولاً إلى استهداف الكوادر الإنسانية والطبية، مضافاً إليها عمليات التمرّد في سجون الإدارة الذاتية، والتي تحتجز منتسبي التنظيم، باتت التهديدات أكثر جديّة.



قوائم عار.. ومناشدات دولية لاستعادة الرعايا من مخيمات الشمال السوري



خلال شهر كانون الثاني/ يناير المنصرم، أقرّت "الإدارة الذاتية" لشمال وشرق سوريا بحصول تدهور أمني في مخيم الهول بمحافظة الحسكة، مشيرة إلى أنها حذّرت مراراً الأمم المتحدة والمنظمات المعنية مما يحصل في هذا المخيم الضخم، الذي يؤوي عشرات آلاف الأشخاص وبعضهم من أفراد عائلات تنظيم "داعش".


وجاء موقف "الإدارة الذاتية" كردٍّ على دعوة أصدرتها الأمم المتحدة أمس وشددت فيها على ضمان سلامة قاطني المخيم وموظفي الإغاثة فيه.



في حين دعا خبراء بمجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في وقت سابق من الشهر الماضي، 57 دولة إلى استعادة نحو 10 آلاف من رعاياها، بينهم نساء وأطفال على صلة بمقاتلي تنظيم داعش، يعيشون في مخيمات بشمال شرق سوريا في ظروف "غير إنسانية" دون غطاء قانوني.


واعتبرت فيونولا ني أولين مقررة الأمم المتحدة، المعنية بحماية حقوق الإنسان فيما يخصّ الإرهاب، في إفادة صحافية، جاءت بعد بيان مشترك للخبراء المستقلين بالمنظمة الدولية: "هذا الأمر ملح للغاية".


وعلّقت على الظروف التي تعيشها النسوة والأطفال قائلة: "هؤلاء النساء والأطفال يعيشون في ظروف لا توصف إلا بأنها مروعة وغير إنسانية. الأوضاع في هذه المخيمات ربما تصل لحد التعذيب والمعاملة غير الآدمية والمهينة وفق القانون الدولي"، مشيرةً إلى أنّ بعض النساء تم "تزويجهن عبر الإنترنت" كعرائس لمقاتلي تنظيم داعش، أما الأطفال "فلا حيلة لهم في قدومهم إلى هنا".


حيث وصفت القائمة التي تضم 57 دولة من بينها بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا الاتحادية والولايات المتحدة "بقائمة العار"، كما ندّدت "بنهج التجريد من الجنسية"، مشيرةً إلى أنه أمر غير قانوني ترك الإنسان بدون جنسية.



استهداف موظفي المخيم وكوادره الطبية



شهد مخيم الهول، خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، تنفيذ 13 جريمة قتل، على يد خلايا داعش، سواء من قبل نساء متشددات أو رجال.


وتشير المصادر إلى أنّ القتلى هم: 9 من اللاجئين العراقيين بينهم طفل و3 نساء، و3 من حملة الجنسية السورية بينهم امرأة و"رئيس المجلس السوري" في المخيم، وعنصر من شرطة الإدارة الذاتية (أسايش).

وفي السياق ذاته، قتل مسلح من الخلايا المسؤولة عن عمليات القتل، بعد تفجير قنبلة أثناء ملاحقته من قبل دورية تابعة للأسايش.


اقرأ المزيد: "أطباء بلا حدود" تعلن مقتل أحد كوادرها في"الهول"


فضلاً عن ذلك، أفادت منظمة أطباء بلا حدود يوم أمس الثلاثاء، إن أحد موظفيها قُتل الأسبوع الماضي في مخيم الهول للاجئين شمال شرقي سوريا، في ظروف يكتنفها الغموض.



حيث قُتل الموظف في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء الماضي، في خيمة بالمخيم الذي كان يعيش فيه مع مجموعة من الأشخاص، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية. وقال المتحدث باسم المنظمة ويل تورنر "نحاول أن نفهم بشكل أفضل الوضع والظروف المحيطة بوفاتهم".


وكانت المنظمة قد أعلنت في بيان نشرته عبر موقعها، الثلاثاء، أن أحد أفرادها قتل في خيمته بالمخيم، في 24 فبراير/ شباط، وقال مدير الطوارئ للمنظمة في سوريا. ويل تيرنر: "زميلنا كان خارج ساعات الدوام عندما قتل مع عائلته". مضيفاً "نعمل على فهم ملابسات وفاته".


كما أشار تيرنر إلى أن "الناس يتعرضون للقتل بتفاوت مريع، بالأخص في خيمهم.. العديد من المغدورين خلّفوا أطفالاً لا يملكون أحدا يشرف على رعايتهم"، وأكّد أن السلطات لديها مسؤولية توفير السلامة والأمان في كافة الأوقات".



عودة لنشاط داعش



خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، قال الجنرال كينيث ماكنزي: "ما لم يجد المجتمع الدولي طريقة للعودة إلى الوطن، وإعادة الاندماج في المجتمعات المحلية، ودعم برامج المصالحة المزروعة محليا، فسوف نشهد على تلقين الجيل القادم لداعش عندما يصبح هؤلاء الأطفال متطرفين"، وأضاف "الفشل في معالجة هذا الآن يعني أن داعش لن يُهزم حقًا".


داعش


في حين أفاد مسؤولون في المجال الإنساني وباحثون أن مخيم الهول، الذي يضم حوالي 62 ألفًا معظمهم من النساء والأطفال، شهد ما لا يقل عن 18 جريمة قتل منذ بداية العام، بما في ذلك 12 في الأسبوعين الأولين من يناير/ كانون الثاني، وأوضح مركز معلومات روجافا، أن نصف عمليات القتل على الأقل كانت عمليات إعدام، قُطعت فيها رؤوس الضحايا، ويبدو أن العديد من الهجمات مرتبطة بداعش.


اقرأ المزيد: مخابرات الجيش اللبناني توقف عدداً من منتسبي"داعش"


فيما قال تشارلز فلين، الباحث في المركز الكردي: "لا شك أن لداعش تأثير كبير على المخيم"، وأضاف: "في إحدى الحالات، قطع عناصر التنظيم رأس شيخ عراقي علناً، بسبب عمله مع وقوات سوريا الديمقراطية التي تحمي المخيم"، مشيراً إلى أن عمليات القتل الأخرى "تبناها عناصر داعش النشطاء الذين يقيمون هناك".


كذلك، أثارت المعلومات الاستخبارية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مخاوف متزايدة بشأن مخيم الهول. وبحسب تقرير صدر الشهر الماضي، فإن "بعض المعتقلين يرون أن مخيم الهول هو البقايا الأخيرة من الخلافة".


وكان المسؤول الأممي قد لفت إلى أن الكثير من القادة والمشرعين السياسيين يخشون اتخاذ قرارات بشأن إعادة مواطنيهم، لأن ذلك قد يحملهم "تكلفة سياسية" تؤثر على مستقبلهم العملي، وبالمقابل ترى منظمة "هيومن راتيس ووتش" إن عدم إعادة أولئك الأطفال إلى بلدانهم سيؤدي إلى دفع العالم ثمناً باهظاً لأنهم قد يتحولون إلى متطرفين وإرهاببين.


وسط تحوّل منطقة شرق سوريا إلى ساحة للخراب، وتصفية للحسابات السياسية، تتفاقم المخاوف من ثقب أسود، بؤرته في مخيّمات الشمال السوري، في وقتٍ يصبح المشهد أكثر ضبابية، والأوضاع الإنسانية أكثر سوءاً، بما يسمح بشراء المزيد من الولاءات من قبل من يدفع ثمن لقمة الخبز.


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!