الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تأنيث العالم
مها حسن

بعد 780 عاماً من وفاة ابن عربي، صاحب أهم مقولة تُنصف المرأة "كل مكان لا يؤنّث، لا يعوّل عليه" يمكننا أن نتساءل، ونحن على أبواب الاحتفال بعيد المرأة العالمي، في القرن العشرين، عما تحقق للمرأة العربية خاصة، من مكانة وحقوق، وهل ثمة أمكنة مؤنثّة، تحكم فيها النساء، أم أن العالم لا يزال يُخضع المرأة ويُهينها، ويتسلّط فيه الرجال على النساء؟


يبدو من هذه المقدمة، أن الجواب يُتضمن في السؤال، أي أن العالم مكان مذكّر، يرفض التأنيث، ويرفض الاعتراف بندّية المرأة وتساويها مع الرجل، وبهذا يمكننا تلخيص نتائجه، بأنه عالم لا يُعوّل عليه، وفق مقولة شيخ الصوفية الأكبر، الذي اعترف بأهمية النساء في حياته، حيث تتلمذ على أيدي نساء صوفيات.


(فلتانة) هذه أسهل مفردة يمكن إطلاقها على المرأة الحرّة المستقلة، التي ترفض الخضوع لسلطة الرجال، و(الفلَتان) لغوياً، حسب لسان العرب هو الصلابة والتهذيب. أن نقول رجلاً فلتاناً يعني نشيطاً، وتأتي أيضاً بمعنى جريء، وكذلك المرأة الفلتانة، هي امرأة جريئة.  ليفانت


هذا يعني أن الفلتان في اللغة المعجمية هو أمر محمود، لكنه تحوّل في الاستخدام الدارج إلى شتيمة، كأن المرأة الفلتانة، خارجة عن حبل أو سلطة تربطها، ويبدو غريباً ارتباط الحرية التي هي عكس الربط أو القيد، باللاأخلاقية. ليفانت


أذكر أن زميلاً في الجامعة، قال لي مرة، مستغرباً من كلامي عن كتابات لروائية عربية: ولكن كيف تكتب هذه المرأة هذا الكلام، أليس لديها أهل؟ هذه امرأة فلتانة!


بدا كلام ذلك الشخص غبياً آنذاك، إذ لم أفكر في أن هناك سلطات اجتماعية قد تجعل إحدانا تفكر بأن الكتابة هي خروج عن الأخلاق والطاعة، وأنها قد تتطلب تدخل سلطة الأهل، لكنني، وبعد سنوات طويلة، التقيت فيها نساء عديدات، في سوريا، وهنا في أوروبا، نساء من أصل شرقي، تكتبن ولا تتجرأن على النشر "كرمى لأخوتهن الذكور!".


قالت لي إحدى السيدات: سأجلب العار لأخي إذا نشرت كتابي، لن أفعل.


وخطر في بالي فوراً، شهادات فيلم "الصرخة المكتومة" حيث تجرأت نساء على مواجهة العالم بحكاياتهن التي تعرَّضن فيها للاعتقال والاغتصاب..


هذا اليوم، أعتقد أن أحدَ أهم مطالبنا نحن النساء، ونصائحنا للنساء هو توجيه البوصلة. حيث تعزز لدى أغلب النساء، أن مطالباتهن بحقوقهن، وإدانتهن للاعتداءات على كرامتهن وأجسادهن، هي عبارة عن أخطاء، ستوقعهن، وعائلاتهن في باب التأثيم. الجهود اليوم يجب أن تتجه لتعديل الوجهة: المرأة التي وقعت عليها الاعتداءات هي ضحية، وتستحق الدعم والتقدير، وليس التأنيب.


كم أتمنى أن يقرأ ذلك الزميل هذا الكلام، ليعرف أن الكاتبة التي وصفها بالفلتانة، هي امرأة شجاعة، تستحق قُبلة على جبينها، وليست وصمة عار، لأنها تعبّر عن جرائم المجتمع وانتهاكاته بحق النساء.


لا نزال نحن النساء، عربيات وغربيات، نعاني من ذكورية العالم، كما يعاني منها الرجال الأنداد، الذين يدعمون قضايانا، ويؤمنون بندّيتنا وموازاتنا لهم. حتى اليوم، نسمع عن جرائم قتل النساء باسم الشرف، ونسمع من يدافع عن ذلك القتل. نسمع عن نساء يُقتلن بسبب العنف الزوجي أو العائلي، عن ممارسات متوحشة تمارَس على أجساد النساء، كالخِتان الرائج في بعض البلاد حتى اليوم، والرجم حتى الموت، وعقوبات لاتزال سارية، لأن النساء مملوكات للمجتمع الذكوري، مجتمع الرجال الذي يُقرر فيه كل شيء.


ما لم يأتِ هذا اليوم، حيث يتم تأنيث العالم فيه، لتكون المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، فسوف يظل هذا العالم ناقصاً، يعرج على يديه وقدميه، عاجزاً عن النهوض، والسير بقامة مرفوعة ورأس شامخ مستقيم.


 


كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!