-
بين القرار 2254 والعدالة التصالحية
لا لبس في إشارة القرار الأممي 2254 إلى بدء العملية الانتقالية في سورية خلال ستة أشهر من إقراره في ديسمبر من العام 2015، على أن تتولى هيئة الحكم الانتقالي، التي ستنبثق عن مفاوضات تنتهي خلال الأشهر الستة التالية اعتبارا من مطلع العام 2016، تشكيل هيئة دستورية تعمل على كتابة دستور جديد للبلاد.
ليس هذا وحسب، بل دعا كافة الأطراف لوقف الاقتتال ومهاجمة المدنيين، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال سنة ونصف برعاية وإشراف دولي لضمان نزاهتها.
بالعربي الفصيح، وبحسبة بسيطة، من المفروض أن حرب الأسد وروسيا وإيران وأذيالها على السوريين قد توقفت، وتم إنجاز هذه المقررات في منتصف عام 2017 وأنه لدى سورية منذ ذلك الحين رئيس جديد وبرلمان منتخب بشكل ديموقراطي، وانتهت حالة النزوح وعاد المهجرون إلى ديارهم بأمان في ظل سورية الجديدة نظريّا.
هذا ما كان يجب أن يكون، لكن ما هو كائن غير ذلك تماما، والسبب الأوحد في ذلك يعود للمجتمع الدولي الذي لا يريد في حقيقة الأمر حلّا في سورية، ولم يتبنّ هذا القرار ليضعه موضع التنفيذ بل ليرميه في وجه الرأي العام الدولي والمحلي، ومن ثم يسوق مبررات عدم تنفيذه فيتّهم روسيا أو النظام أو إيران أو المبعوث الأممي أو كلهم مع بعض بالفشل بتطبيقه، غير أنه، أي المجتمع الدولي هو الذي عرقل القرار وأوقفه، ولاحقا مسخه، وربما يسير باتجاه تصدير أسد جديد عبره.
استخدم المجتمع الدولي الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثيه إلى سورية كموظفين لتنفيذ القرار ظاهرا، أما في الحقيقة فقد كانت مهمتهم المماطلة فيه ونزع روحيته، فانشغلوا في مناقشات بعيدة عن مضمونه، وحوّلوا غايته من حكم انتقالي إلى ما دون ذلك بكثير، مع ما استهلكوه من وقت تجاوز السنوات الخمس حتى الآن، فيما الجرح السوري ينزف غزيرا بلا توقف.
شَعَّبَ ديمستورا القرار إلى أربع فرق، أسماها سلالا، عقد اجتماعات واجتماعات، يعمل على إعداد جداول أعمال الجلسات، هذا فقط، ونجح خليفته غير بيدرسون بإقرار جدول أعمال جلسة واحدة لسلة واحدة، وهذا هو الإنجاز الأممي الوحيد بعد خمس سنوات، هكذا الأمر بكل بساطة.
ماذا بقي من القرار المذكور، والذي لا يلبِّ أصلا طموحات السوريين، الذين يطالبون بمحاكمة المجرم على إجرامه ومجازره التي ارتكبها بكل الأسلحة بدءا من الذبح بالسكاكين إلى الخنق بالكيماوي، بقي من القرار ما تفتّقت عنه مؤخرا عبقرية بيدرسون وأسماها العدالة التصالحية، هل يذكر أحد أن في القرار شيء من هذا، وهل تضمن القرار إشارة إلى أن الغاية الوحيدة منه كتابة دستور جديد أو تعديل دستور بشار الأسد، وأين أصبحت الآن هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات من عمل هذا المبعوث اللاحق لمبعوث أشد منه مكرا ومماطلة وهروبا من مضمون القرار.
أليس المجتمع الدولي هو من أراد ذلك، بكل تأكيد، وهذا التأكيد لا يحتاج أدلة، ولو أراد غير ذلك كان يمكنه فرضه بقوة السلاح تحت البند السابع.
تفريغ القرار من مضمونه والمماطلة والتسويف حتى بأصغر جزئياته هي إرادة المجتمع الدولي، شاركته في هذا المعارضة السورية الممثلة بائتلافها العقيم وربما العميل، وكذلك هيئة التفاوض ومن بعدها اللجنة الدستورية، ومنحته الشرعية في التهرب من تنفيذ القرار.
إنها، أي المعارضة السورية، تسير في نسقه المتخاذل عن حقوق الشعب السوري، بل تسبقه بخطوات أحيانا، وليس مقترح وفد المجتمع المدني المطالب بالعدالة التصالحية سوى دليل ناصع عن سيره في منحى إعادة تسويق بشار الأسد، رغم أن هذا الوفد يضم عددا من الأشخاص المحسوبين على المعارضة، وقد يكون المقترح رغبة الوفد المحسوب على المعارضة، غير أنه ربما خجل من تقديمه بنفسه فرماه لوفد المجتمع المدني.
وليس أدلُّ على تلك الرغبة من قرار المعارضة السورية ممثلة رئيس ائتلافها نصر الحريري إنشاء هيئة انتخابات لمشاركة بشار في انتخاباته القادمة، ولم تلغِ القرار رغم الضغط الشعبي.
بين براثن الأسد وروسيا وإيران وتخاذل المجتمع الدولي وتخليّه عن إنسانيته، وانتفاعية المعارضة السوري وعمالتها المباشرة أو المموّهة، لا يزال الشعب السوري ينزف دما ونزوحا وبردا وجوعا.
عبد السلام حاج بكري
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!