الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بين العقوبات والدبلوماسية والغاز الروسي.. وقعت أوكرانيا في مخالب روسيا

بين العقوبات والدبلوماسية والغاز الروسي.. وقعت أوكرانيا في مخالب روسيا
رباب المالكي

ذكرت في مقالي السابق عن حال أوكرانيا بين طموح حلف شمال الأطلسي للتوسّع وبين الحذر الروسي من وجود حلف شمال الأطلسي على حدودها في حال انضمام أوكرانيا إلى الحلف. وسألت حينها هل تسمح روسيا بأن تنضم أوكرانيا كما انضمت قبلها بلغاريا ورومانيا ولاتفيا وأستونيا وليتوانيا؟

ولم يمضِ الكثير بعد تلك الاستفسارات حتى بدأت تتعاقب الأخبار وتتوالى، فبدأت روسيا بدعم وتأييد الانفصاليين في منطقتي دونستك ولوهانستك، وتلت ذلك بالاعتراف بهما بعيداً عن السيادة الأوكرانية. اعتقد الكثير أن طموح فلاديمير بوتين سيقف عند ذلك، ولكنه يطرق الباب ليسمع الجواب. حينها سمع جعجعة دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ولم يرَ رداً صارماً، ليصدر بعد ذلك الأمر لتحرك قواته لغزو أوكرانيا من ثلاث جبهات، القرم جنوباً، وبيلاروسيا شمالاً، وروسيا شرقاً.

نتيجة ذلك ارتفعت أسعار النفط والغاز حول العالم. وذلك يقودنا إلى السؤال الأهم، هل الغاز هو المحرك الرئيس لما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أم هنالك أسباب أخرى دعته إلى ذلك؟ ولكي نتأمل ذلك ونراجع الماضي القريب، فإن الدول الأوربية تتهم بشكل مباشر وغير مباشر فلاديمير بوتين بتقليل تدفق الغاز إلى دول الاتحاد الأوربي، وبالتالي ارتفعت الأسعار بشكل متسارع في الدول الأوربية، حيث إن تلك الدول تعتمد على الغاز الروسي بنسبة ٤٠٪،؜ وألمانيا الدولة الصناعية العظمى، تحديداً، تعتمد على الغاز الروسي بواقع ٦٠٪،؜ وذلك لأن ألمانيا لم تعد تعتمد على الطاقة النووية التي تم تفكيكها وتتجه إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة بحلول ٢٠٣٠. إذاً فالألمان، بشكل خاص، والأوربيون، بشكل عام، يعتمدون على الغاز الروسي ولايستطيعون أن يطلقوا النار على أقدامهم بالتدخل في الشأن الروسي الأوكراني، وبالتالي فإن روسيا ستتخذ إجراء قاسياً قد يصل إلى حدّ وقف إمدادات الطاقة الروسية لبلدانهم.

ولمعرفة أهمية أوكرانيا أيضاً، فعلينا إدراك أن تلك الإمدادات للطاقة تمر من خلال البحر الأسود وبيلاروسيا، التي تسيطر روسيا على قرارها، وكذلك أوكرانيا التي كانت تستعصي على روسيا وتلوح بورقة الانضمام لحلف شمال الأطلسي بين وقت وآخر، كما أن هنالك نورد ستريم، وهو الإمداد الذي تم الانتهاء من تنفيذه، ولم يتم ضخ الطاقة منه، حتى الآن، ويمر من خلال بحر البلطيق. فهل كان المحرك هو إمدادات الطاقة من خلال أوكرانيا أم أنّ فلاديمير بوتين لوح بملف الطاقة لكي يهدّد دول الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي باحتياجاتهم الأساسية للطاقة، فتارة يقلل من إمدادها، وتارة يلوح بإمكانية معاقبة أوربا إذا تدخلت في ملف أوكرانيا.

قد تكون إمدادات الطاقة أحد أسباب الغزو الروسي لأوكرانيا ولكن الحد من تمدد حلف شمال الأطلسي كان الهدف الرئيس لغزو أوكرانيا، فقبل أن يصل الحلف إلى أوكرانيا وضع الدب الروسي مخالبه في قلب أوكرانيا. لعله أيضاً حب التوسع وحب الإرث السوفيتي وأن تعود القوة السوفيتية إلى سابق عهدها، حلم يراود فلاديمير بوتين والثلاثي القوي المحيط بالرئيس الروسي، سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، ونيكولاي باتروشيف، رئيس المجلس الأمني القومي الروسي، وسيرغي نايشكين، رئيس الاستخبارات الروسية، وكل هؤلاء لديهم نفس طموحات الرئيس بوتين، باستعادة الأمجاد السوفيتية الاشتراكية ومعاداة الدول الغربية.

بين العقوبات والدبلوماسية وعين على إمدادات الطاقة، تقف الدول الغربية حائرة. حين يهدّد فلاديمير بوتين بأن الأوربيين سيجدون رداً قاسياً، فبالتأكيد لن تكون حرباً نووية، ولكن بالتأكيد إيقاف إمدادات الطاقة التي من شأنها شلّ أوربا بشكل كبير صناعياً، وستعيش ما تبقى من الشتاء كما عاشته في العصور الوسطى. اعتماد الدول الأوربية على الطاقة الروسية يجعلها صامتة أمام ما يحدث في أوكرانيا ولا يمكن أن تعبث أو أن تدافع عنها، بل تركوا أوكرانيا إلى مصيرها خوفاً من ردة فعل الدب الروسي. لا يستطيع أحد أن يتدخل لإنقاذ أوكرانيا ولا يمكن للأوربيين حتى نقاش ذلك على طاولة التفاوض، حيث إن النهج الذي اتخذته الدول الأوربية والاندفاع نحو الطاقة النظيفة أدى إلى الاعتماد العالي على الغاز الروسي.

يبقى السؤال المطروح، متى تعتمد دول الاتحاد الأوربي على مصادر طاقة بعيدة عن روسيا؟ حالياً لا صوت يعلو فوق صوت الدب الروسي واستخدام الطاقة للضغط على دول الاتحاد الأوربي سيستمر إلى أن تنتهي عملياته في أوكرانيا ويحقق أهدافه ويلتهم بالتالي الدب الروسي أوكرانيا ويسترد بوتين ورفاقه الأقوياء جزءاً من جمهوريات السوفييت المنهار ويضعوا حاجزاً بينهم وبين دول حلف شمال الأطلسي، وبالتالي يتم تقوية استراتيجية روسيا الدفاعية من خلال ذلك، وحالياً إمدادات الغاز التي تمر من خلال أوكرانيا تبقى ضمن السيطرة، كما أن روسيا لتحمي أمنها تهدد وتلوح باستخدام القوة مع فنلندا والسويد إذا فكرت يوماً بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

 

ليفانت - رباب المالكي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!