الوضع المظلم
الإثنين ٠٨ / يوليو / ٢٠٢٤
Logo
  • بيرقدار التركية.. من التباهي في ليبيا إلى التملص في أوكرانيا

بيرقدار التركية.. من التباهي في ليبيا إلى التملص في أوكرانيا
بيرقدار وروسيا \ ليفانت نيوز

(ما بين بين)، ذلك ما يمكن أن يوصف به الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية، والغزو الروسي لها، الذي بدأ في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، فبينما تزود تركيا الجانب الأوكراني بالطائرات المسيرة، تتملص من المسؤولية وتعتبر أن الطائرات مملوكة لشركة خاصة في البلاد، وهو موقف يتعارض مع التباهي التركي الدائم بتلك الطائرات، التي شاركت في كل صراعات تركيا بالمنطقة، إن عبر استخدام الجيش التركي المباشر لها في شمال سوريا وليبيا، أو عبر دعم أطراف موالية لأنقرة بها، كأذربيجان.

تركيا والتهديد بالمسيرات  

اعتاد المراقبون مشاهدة النظام التركي وهو يهدد محيطه بأسلحته التي يصنعها، ومنها في نهاية العام 2019، عندما هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإن بلاده سترسل المزيد من الطائرات المسيرة إلى ما تسمى "جمهورية شمال قبرص التركية"، "إذا تطلب الأمر"، في ظل التوترات التي كانت تشهدها المنطقة، وذلك عقب أن نفذت طائرة تركية بدون طيار من طراز "بيرقدار TB2"، أول مهمة لها شرقي البحر المتوسط.

اقرأ أيضاً: إدانة أمريكية لتجنيد موسكو "مرتزقة سوريين".. لغزو أوكرانيا

وتكرر الأمر في ليبيا، خلال العام 2020، حيث زودت تركيا ما سمي وقتها بـ"حكومة الوفاق" الإخوانية في غرب ليبيا بقيادة فايز السراج، بطائراتها المسيرة “بيرقدار”، وذلك على الرغم من الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة، على تزويد أطراف الحرب بالسلاح، فزودت تركيا كتائب الوفاق، بالمسيرة بيرقدار.

ولم يقتصر الأمر على ليبيا، بل استخدمت تركيا المسيرة بيرقدار، في عملية عسكرية بمحافظة إدلب السورية، في مارس 2020، والحقت خلالها خسـائر بالـغـة بقوات النظام السوري، الذي كان يسعى لاستعادة المحافظة، لكنه اضطر للتريث، نتيجة حشد أنقرة آلاف الآليات والجنود.

إرسال المسيرات لأوكرانيا

اشترت كييف، في العام 2019، عدداً من طائرات "بيرقدار تي لي 2"، بقيمة 69 مليون دولار، وفقاً لمعلومات غير رسمية، وفي نهاية مارس من العام 2021، أجرت القوات المسلحة الأوكرانية مناورات في أجواء البحر الأسود فوق سواحلها، تدربت فيها على استخدام طائرات "بيرقدار بي تي 2" المسيرة تركية الصنع، ليحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في الثاني عشر من أبريل العام 2021، أنقرة ودولاً أخرى من مغبة تشجيع "النزعة العسكرية" في أوكرانيا.

وقال لافروف: "نحث جميع الدول المسؤولة التي نتواصل معها، ومنها تركيا، على أن تقوم بتحليل الوضع والتصريحات النارية دائماً للنظام في كييف، ونحذرها من تشجيع النزعة العسكرية (في أوكرانيا)"، لكن التحذيرات الروسية لم تأتي أكلها، ففي الرابع من يوليو 2021، أكد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، أن بلاده ستستلم قريباً طائرات "بيرقدار" التركية بدون طيار، وسيتم تسليمها إلى القوات البحرية، ونوه إلى أن، "الطواقم الأوكرانية تستكمل بالفعل تدريباتها في تركيا".

اقرأ أيضاً: كييف تستعد للحصار وماريوبول بانتظار المساعدات.. إسرائيل تنفي ما طلبته من أوكرانيا

وفي الخامس عشر من ذات الشهر، أعلنت الحكومة الأوكرانية عن تسلم قواتها البحرية أول طائرة مسيرة هجومية من طراز "بيرقدار تي بي 2" من تركيا، وذكر وزير الدفاع الأوكراني أندريه تاران، أن كييف تجري الاختبارات النهائية للطائرة المسيرة التركية في قاعدة مرابطتها، وتابع بأن هذا السلاح سيتيح للجيش الأوكراني "المراقبة والغطاء لسواحل ومياه البحر الأسود وبحر آزوف والقدرة على ضرب أهداف بحرية سطحية وبرية للعدو بوسائل عالية الدقة".

ولا يمكن لأنقرة التهرب من المسؤولية أمام روسيا، فقد أعلنت كييف، جهاراً نهاراً، أن العقد الذي أبرمته مع أنقرة بشأن اقتناء تلك الطائرات المسيرة، يهدف إلى "ردع روسيا وحماية الأراضي الأوكرانية”، بينما صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بأن أنقرة تبيع تلك الطائرات المسيرة إلى أوكرانيا دون شروط مسبقة، زاعماً أن الصفقة ليست موجهة ضد روسيا.

تباهي تركي بالمسيرات

كما أنه من غير المجدي، إنكار أنقرة عدم مسؤوليتها عن بيع الطائرات المسيرة الحربية الهجومية إلى كييف، كونه لا يتعدى محاولة إعلامية لتبرئة ساحتها، أمام الروس، إذ يدرك القاصي والداني أن تحليق طائرة درون يزيد وزنها عن 250 غرام، يحتاج إلى موافقات أمنية في أغلب الدول، فكيف الأمر بدورن تحمل صواريخ وأسلحة موجهة، خاصة أن من يملك الشركة هو صهر أردوغان واسمه "سلجوق بيرقدار".

هذا إضافة إلى تباهي أعلى الهرم الحاكم في تركيا بها، وتشجيعه على تصنيع المزيد منها، وهو ما أكده أردوغان في نهاية أغسطس العام 2021، عندما أشار إلى تصميم إدارته على الارتقاء بالبلاد إلى مصاف الدول الرائدة في تكنولوجيا الطائرات الحربية بدون طيار، مصرحاً في كلمة خلال مراسم تسليم طراز جديد من مسيّرات "بيرقدار"، بأنه بالمسيرة الهجومية "أقينجي"، أصبحت تركيا بين ثلاث دول في العالم تمتلك هذه التكنولوجيا.

اقرأ أيضاً: روسيا تقصف في غرب أوكرانيا.. دفعة أسلحة أمريكية ستصل قريباً

وأضاف إن العديد من الدول تنتظر دورها للحصول على الطائرات المسيرة التركية، كما ذكر بنفسه، أن بلاده صدرت "بيرقدار تي بي 2" لأوكرانيا وقطر وأذربيجان، وتم إبرام اتفاقيات تصدير جديدة، وزاد أردوغان في شعر العجرفة العسكرية بيتاً، وقال إن من يرغب في تحريك حجر من مكانه، عليه الحصول على موافقة تركيا أولاً.

الإصرار على تسليح أوكرانيا بالمسيرات

ولم ينتهي الأمر بعدم استجابة أنقرة لمطالبات موسكو، بالتوقف عن تزويد كييف بالمسيرات، بل أخذت منحاً مختلف تماماً، كشف عنه مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في نهاية سبتمبر من العام 2021، عندما كشف عن إمضاء مذكرة مع شركة "بيرقدار" التركية، بغية إنشاء مركز مشترك لصيانة الطائرات المسيرة المنتجة من قبل الشركة التركية على أراضي أوكرانيا، حيث جرى توقيع المذكرة بين وزارة الدفاع الأوكرانية والشركة التركية بحضور الرئيس زيلينسكي، الذي أبدى شكره لنظيره التركي رجب طيب أردوغان عن دعمه لهذا المشروع.

وكان الهدف من تلك المذكرة، إنشاء مركز في أراض تابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية بالقرب من مدينة فاسيلكوف شمال أوكرانيا، بغية صيانة وتحديث الطائرات المسيرة من نوع "بيرقدار"، وتدريب الكوادر المختصين على استعمالها، بجانب تأكيد وزارة الدفاع الأوكرانية على خطط لصناعة الطائرات المسيرة بشكل مشترك مع تركيا، إذ خططت شركة "بيرقدار" للاستثمار في بناء مصنع للطائرات في أوكرانيا، كان من المفترض أن يعمل فيه خبراء أوكرانيون.

اقرأ أيضاً: وزير الخارجية القطري يزور موسكو لبحث الأزمة أوكرانيا ومحادثات فيينا النووية

ووقتها، أكد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن موسكو تعير اهتماماً لتعاون كييف وأنقرة في المجال العسكري، لأنها لا تريد أن يستخدم السلاح التركي لاستهداف سكان دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، قائلاً: "(هذا الموضوع) مهم، كما تعلمون، أوكرانيا بلد يشهد صراعات داخلية في مناطق جنوب شرقه، بالطبع، لا نريد أن يتم استخدام أنظمة أسلحة كهذه، من قبل "رؤوس حامية" لتوجيه الضربات على مواطني أوكرانيا نفسها".

أوكرانيا وأول استخدام عسكري للبيرقدار

وفي نهاية أكتوبر من العام 2021، أكدت هيئة الأركان الأوكرانية، أن "الجيش الأوكراني استخدم طائرة "بيرقدار" المسيّرة تركية الصنع لأول مرة في دونباس"، ما دفع رئيس لجنة الدفاع في مجلس "الدوما" الروسي أندريه كارتابولوف، للتأكيد على أن استعمال تلك الطائرات سيؤدي إلى مزيد من تصعيد الأزمة الأوكرانية، قائلاً إن "استخدام الجيش الأوكراني طائرة "بيرقدار" في دونباس باعتراف الأركان العامة الأوكرانية، سيؤدي إلى مزيد من التصعيد في أوكرانيا".

اقرأ أيضاً: صحفي أمريكي شهير يلقى مصرعه في أوكرانيا

فيما قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، إن كييف اشترت طائرات بدون طيار من تركيا “لاحتواء” روسيا وحماية أراضيها، في وقت لاحق"، بجانب كشف سيرغي شابتالا، رئيس الأركان العامة الأوكرانية، في بداية نوفمبر من العام 2021، أن قواته ستستعمل طائرات "بيرقدار" المسيّرة تركية الصنع، في "حال استشعارها أي خطر يهددها"، قائلاً: "نحن نستخدم طائرات "بيرقدار" في حال كانت هناك تهديدات على قواتنا، وهذه التهديدات بحاجة إلى أن يتم تحييدها من أجل إنقاذ أرواح جنودنا.. سيكون استخدام الطائرة المسيرة ظرفياً".

بوتين وأردوغان وجهاً لوجه

ومع إغفال تركيا للحساسية الروسية من استخدام طائراتها في أوكرانيا، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، في بداية ديسمبر من العام 2021، إلى أن كييف تستخدم المسيرات التركية "بيرقدار" في نزاع دونباس، وتتعمّد تعطيل اتفاقات مينسك للتسوية هناك، وفق ما جاء في بيان صدر عن الكرملين، قال إن "الرئيس الروسي أطلع نظيره التركي على كيفية استخدام طائرات "بيرقدار".

بينما صدر في أنقرة، بيان عن مديرية الاتصالات في الرئاسة التركية، جاء فيه أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان بحثا هاتفياً، جملة من الملفات الإقليمية الهامة، وخاصة الوضع في سوريا وليبيا وأوكرانيا"، وهو ما يعني بأن الحجج والذرائع التركية للتهرب من مسؤوليتها عن تسليح كييف بالمسيرات باطلة جملة وتفصيلاً، وإلا ما كان بوتين ناقش الأمر من أردوغان وبشكل شخصي.

اقرأ أيضاً: الرئيس الشيشاني يلتقي جنود بلاده في أوكرانيا

لكن الجانب التركي لم يأبه بالمطالبات الروسية، وأعلن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، في منتصف فبراير الماضي، أي قبل نحو أسبوع من بدء الغزو الروسي، أنه سيتم "قريباً" بناء مصنع لإنتاج الطائرات المسيرة الهجومية التركية "بيرقدار" في أوكرانيا، وقال: "سيكون هناك مزيد من الدعم، لأننا في حوار مستمر معهم".

وبعد بدء الغزو الروسي في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، استمرت تركيا بتزويد أوكرانيا بالمسيرات، حيث قال وزير الدفاع الأوكراني في الثاني من مارس الجاري، إن مجموعة جديدة من الطائرات التركية بدون طيار من طراز "بيرقدار" وصلت إلى أوكرانيا، وأضاف: "تم وضعها في الخدمة القتالية"، وبجانب ذلك، نشرت السفارة الأوكرانية في أنقرة على موقع تويتر، منذ بداية النزاع، العديد من الصور لانفجارات نسبتها لطائرات مسيرة تركية، استهدفت أرتال شاحنات ودبابات روسية مرفقة بوسم "بيرقدار- ما شاء الله تي بي 2 إس" مع وابل من عبارات المديح.

بيرقدار.. المسؤولية على مَن؟

مع إدراك أنقرة بأن تبعات بيع تلك المسيرات إلى أوكرانيا، قد ترتد عليها بشكل سلبي، خاصة في حال توسع الصراع إلى الناتو، بدأت أنقرة بمحاولة التهرب من مسؤولية بيعها، عن إطلاق جملة من التبريرات، وقد نقلت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية، في الثالث من مارس الجاري، عن نائب وزير الخارجية التركي، يافوز سليم كيران قوله إن "بيرقدار منتج لشركة خاصة"، زاعماً "إنها ليست مساعدة تركيا (لأوكرانيا)، وإنها منتجات اشترتها أوكرانيا من شركة تركية"، على حد وصفه.

اقرأ أيضاً: تنديد رسمي بمقتل الصحفي الأمريكي في أوكرانيا

لكن وعملياً، يدرك الروس يقيناً أن الطائرات المسيرة بيرقدار، وإن كانت تصنعها شركة خاصة، فإنها ما كانت لتتجرأ على بيعها لأوكرانيا، لولا قرار الحكومة التركية ورئيسها أردوغان، فليس من المنطقي أن تبيع شركة تصنع الأسلحة القاتلة لدولة تخاصم أو أقله لا تتوافق مع الدولة التي يجري انتاج الأسلحة فيها، ومعلوم أن مبيعات الأسلحة في أمريكا والدول الأوروبية، تخضع للكثير من المعايير التي تنظمها، وليست عملية التجاهل الروسي الحالي، لتلك المعطيات، إلا رغبة ربما في تقليل عدد الخصوم، دون أن تنسى تدوين ذلك في دفتر ديونها على تركيا، بانتظار الوقت المناسب لردها.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!