-
بوتين المُعقّد الذي أغرق شعبه بفخ الغزو
قد تكون بداية النهاية لبوتين، في أوحال أوكرانيا الذي لم يعرف أن يُنظف نفسه من دمائها، بل أغرق شعبهُ في مُستنقعها بعد استنزاف صبر جمهوره الروسي ببطء ناهيك عن وجود انشقاقات بين نخبتها، وكأنهُ مُغيبُ، ولعل القادة أمثاله، هم أكثر عرضة لارتكاب أخطاء في السياسة الخارجية، حتى قمعه الداخل الذي باعتقاله أطفالاً روسيين حملوا لافتات "لا للحرب"، وهو ما يعني "بداية نهايته".
فحوالي 100 % من قوات ثاني دولة نووية في أوكرانيا، وتسيطر بشكل كامل على المجال الجوي الأوكراني، ولم تتمكن حتى اليوم من أن تنفذ هالتها الإعلامية أو سلطويتها الدولية، وما زالت تُعاني من مشاكل لوجستية، بما في ذلك من نقص في الوقود والغذاء، فما بالك إذا دخلت حرباً مع دول أبعد من ذلك؟ وهو المُحتمل بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة، قراراً بأغلبية أصوات 141 دولة فيما عارضته 5 دول وامتنعت 35 عن التصويت، منها الصين، بين 193 دولة عضواً، تطالب روسيا بالتوقف فوراً عن استخدام القوة ضد أوكرانيا.
إنهما بُؤرتان خطيرتان، هما عصا الصراع الدموي القادم في حلبة مفتوحة، قد لا تحترم النُظم الدولية الأمنية والاقتصادية، بين الجبهة الأمريكية الغربية وحلفائها من الناتو، والجبهة الروسية الصينية، اللتين تجابهان عقوبات وضغوط دولية في أزمتي (أوكرانيا وتايوان)، فبعد البؤرة الصينية بتايوان، خرجت البؤرة الأوكرانية التي تُعارض روسيا بشدة توسع الناتو في نطاقها السوفياتي المنهار، ليستمر بوتين بعقلية الحرب الباردة، وتطويق أوكرانيا من حدودها الثلاثة. حيث دخل كلا الجبهتين بسلسلة من حروب الوكالة المحلية والإقليمية بهدف إثبات الوجود وإمكانيات كل منهما في تثبيت أنظمة موالية لكليهما، وانتقال ساحة المعركة دموياً بأماكن مُتفرقة من العالم، من جنوب شرق ووسط آسيا إلى إفريقيا، ونصف الكرة الغربي، إلى الشرق الأوسط (سوريا مثال)، وكأنهم واقعون لا محالة في فخ "ربيع غربي".
لكن العداوة والريبة المُتبادلتين بين روسيا والغرب لهما جذور قديمة للغاية، رغم كثرة المناقشات التي دارت بين الرئيسين الأمريكي والروسي وبين الأخير وقادة دول أوربا، إلا أن التوترات ما زالت مُلتهبة، ضحاياهم من أبرياء أوكرانيا، خاصة بعد تهديد الغزو الروسي بنشر الردع النووي، مما جعل التوجه العام لعُزلة روسيا دولياً، وقد حذّر برلماني رفيع المستوى من إستونيا من أن حرمان أوكرانيا من حق الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي يرقى إلى مستوى استرضاء بريطانيا لهتلر عام 1938.
لقد بلغ الشعور الأوروبي والعالمي بعدم الأمان ذروته، في ظلّ ظروف مُروّعة تُهدّد الجميع، خاصة بعد جائحة لم نفق منها، وتدميرها الاقتصاد الدولي وتعطش قوى العالم للهيمنة المناطقية جغرافياً. لقد أثبتت الحروب عدم جدواها بالاستقرار، لذا يجب أن تكون سيادة أوكرانيا وإرساء السلام في أوروبا والعالم أكبر همومنا، وليست الحروب المُباشرة أو الباردة أو بالوكالة ضرورة ناجحة، وعلى الجميع تفهُم الأمر، مهما كانت العقوبات التي فُرضت على روسيا وحظرها من نظام سويفت، وعلى البنك المركزي الروسي وبنوكه الست الكُبرى حتى تهاوت عملته لأكثر من 30%.
على روسيا الإذعان لصوت العقل لا صوت الفرد، فهل يرضى الروس بذلك إذا كانوا في مكان جيرانهم الأوكرانيين تحت نيران غازية، فماذا كانوا سيفعلون؟ عليهم التمعن وسحب قواتهم من أوكرانيا، وفضّ تعبئة قواتها المرابطة قرب حدودها، واحترام سيادة جاراتها، ليأتي الدور على احترام أوكرانيا لمصالح روسيا الأمنية، وهو اتفاق يصب في مصلحة الجانبين تجنباً لهلاك الحروب.
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!