-
بعد أن سرق البعث كل فرص المتعات الكبيرة في الحياة: حكاية المتعات الصغيرة عند السوريين
لعل وعسى تكون قصة حياة كل إنسان هي تاريخ أو سيرة متعاته الكبيرة والصغيرة، ولكن واقع الأمر والحقيقة غير ذلك، فالحياة هي مزيج غريب ومعقد من المتعات والخيبات والانتصارات والهزائم الفرحات والأحزان والآلام وملايين المنغصات والإزعاجات، مقابل لحظات من المبهجات.
والمتعات الكبيرات المعروفات جيداً مثل النجاح في الأسرة، المتعة التي لا توازيها متعة، والنجاح في العمل، وهذه أيضاً قصة كبيرة تترك أثرها الكبير والعميق على حياة وشخصية الإنسان، ومتعة المتعات الحب، عندما تجد الشريك الجميل الحنون اللطيف (الزكزك) المتفهم الداعم الرقيق الشهم النبيل الذي من أجله ومن أجل سعادته يمكن أن تفعل أي شيء، والعكس صحيح، هذا الحبيب الذي تجد نفسك تغني له كل صباح على قولة خالتنا فيروز:
يا حلو ….شو بخاف إني ضيعك
تمرق على الجسر العتيق
و تروح مني بهالطريق
وأبقى أنا ع الباب.. أنطر خايفة
…………
عملني متل خاتم دهب بإصبعك
اتركني حاكيك وإسمعك
خدني على قلبك معك
دخلك بخاف إني ضيعك
ويا حلوووووووووووو
…………………..
المتعات الكبيرة هي غالباً متشابهة عند كل البشر، في العمل، في الأسرة، في الحب، في الصداقات الجميلة بالعلاقة الطيبة مع الأهل بالسفر والإبداع والنجاحات الكبيرة بالحياة.
ولكن في حياتنا ما هو ليس أقل أهمية من كل هذه المتعات الكبيرة له تأثير سحري على حياتنا ويمكن أن يساهم كثيراً في صنع متعاتنا الكبيرة ألا وهو المتعات الصغيرة.
والذي يعني فنجان قهوتك في الصباح الباكر على شرفة بيتك (إن وجدت) وبالكاد كانت عصافير الصباح قد نفضت أجنحتها من ندي الفجر ومع سحبة سيجارة طويلة وجسمك يتنهنه معها، وروحك تفرد رويداً رويداً، تستقبل أولى لحظات الحياة ورائحة القهوة تملأ المكان في ذلك اليوم االصيفي، ونغمات موسيقى ناعمة تنبعث من عمق البيت تستنهض أهله لهجر أسرتهم، ومشاركتك الغزل مع بهاء الصباح.
أيضاً من المتع الصغيرة المحببة أن تجد الوقت والجاهزية للخروج مع العائلة المشوار الذي ينتظره الجميع منك منذ أيام وأنت عاجز عن التلبية بسبب زحمة انشغالاتك، لهفتك باستقبال صديق قديم في المطار غاب سنين وأيام.
ذهابك إلى السوق وحدك لتشتري أنواع الطعام التي تحبها ولا تقبل أن يشتريها لك غيرك، (زمطتك) من البيت أحياناً لتنضم إلى جلسة الشباب في المقهى على برتية المحبوسة أو المغربية وسط صياح الخاسرين وضحكات الشماتة من الرابحين.
سفرة صغيرة إلى قرية أصدقاء تغبّ فيها من الهواء النقي المحروم منه بالمدينة، وتملأ عينيك وروحك من الخضرة وألوان الطبيعة التي لا تلحظها طوال الوقت في المدينة على قلتها وقلة طعمتها. زيارة عائلة أصدقاء أعزاء إلى بيتك على عشاء بسيط وساعات من الاسترخاء والطمأنينة مع أناس تحبّهم ويحبونك، مشاهدتك لفيلم سينمائي بأجواء محترمة بصالة راقية.
من المتع الصغيرة أيضاً، أن تنزل من باص (الهوب هوب) بعد سفر ساعات وقوفاً متحرراً وأنت في طريقك الى أهلك في إجازة أثناء خدمتك العسكرية، أن تجد حمام المطعم (أي مطعم أو مقهى) غير مشغول عندما تحتاجه، أن تحصل على ربطات خبزك دون أن تنتظر طويلاً في الطابور في عزّ الصيف، أن تجد شرطي مرور واحد في سوريا غير مرتشٍ، أن تجد ممرضة واحدة في مشفى عام لا تقلب وجهها في وجهك مثل قفا الطنجرة المحروقة، أن تجد قاضياً واحداً بالمحاكم السورية غير بعثي، مع أنّ الشرط الأساسي لدخول سلك القضاء في كل بقاع الارض أن لا ينتمي القاضي المرشّح إلى أي حزب سياسي أو جمعيّة حتّى.
أن تكون معك الشمسيّة لمرة واحدة عندما تكبس المطرة، أن تسافر من مطار دمشق الدولي دون أن يرتفع ضغطك بإجبارك على أن تدفع رشوة للأمن العام أو يرتفع السكر بسبب إزعاجات المفرزة الأمنية، أن تصادف مناسبة وطنية مهمة جداً (على أساس) دون أن يطلب منك في العمل إقامة مسيرة جماهيرية أو يوم عمل طوعي، أن تدخل مركزاً ثقافياً واحداً في سوريا وتجد فيه ثقافة، أن تدخل نادي الصحفيين وتجد عدد الصحفيين أكثر من عدد المخبرين، وأن تدخل على مصرف وتحصل على نقودك، وليس إعلاناً مفاجئاً صارخاً عن تأجيل منح القروض إلى أجل غير مسمى، أن تدخل قسم شرطة بدمشق صاحب حق مشتكياً، ولا تخرج منه محقوقاً راكضاً تبغي تأمين مبلغ تدفعه رشوة لكي يطلقوا سراحك ولا تحال إلى المحكمة بتهمة خرافيّة، أن تركب تكسي ليلاً في دمشق ولا يكون السائق رقيباً أول بالأمن السياسي.
وهكذا، وبعد أن سرق البعث قائد الدولة والمجتمع كل فرص المتعات الكبيرة للمواطن السوري، منذ خمسين عاماً، أصبح كل سوري فناناً في اكتشاف المتعات الصغيرة والتمسك بها وابتكار كل الأساليب الذكية لعيشها وتزجية الوقت بها وممارستها بكل العناية والدقة.
ليفانت – رفيق قوشحة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!