الوضع المظلم
الجمعة ٢٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بشار الأسد في زيارة مكوكية إلى عفرين
شيار خليل

سيحلو للكثيرين من موالي الائتلاف الوطني السوري المعارض وتركيا، الدولة المحتلة لسوريا، إقامة الاحتفالات وحلقات الدبكة بذكرى احتلال مدينة عفرين، تحت عنوان "تحرير عفرين من العصابات الكردية"، مرددين شعارات الحرية والكرامة "المغتصبة" من وللسوريين. عفرين


كان ذلك واضحاً جداً في زيارة نصر الحريري رئيس الائتلاف الوطني السوري ونائبته، ربا حبوش، إلى عفرين، وعقد حلقات الدبكة وزيارة حقول الزيتون، ومحاولة نائبته إغاظة أهالي المنطقة ونشر صورة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما شبهه بعض العفرينيين بالزيارة البعثية والرمزية لأعضاء القيادة القطرية وللأسد، رئيس النظام السوري، للمنطقة، وبالتالي شرعنة الاحتلال التركي ومرتزقته للمدينة. 


ثلاثة أعوام مرّت على الاحتلال التركي لذلك الجيب الاقتصادي والجغرافي الحدودي، شمال سوريا، بمشاركة من مرتزقة سوريين سموا أنفسهم "الجيش الوطني السوري الحرّ" وبمباركة من الكتلة السياسية السورية، الائتلاف الوطني السوري، الذي بات ورقة تركية محضة، يلعب به النرد في كافة الصفقات السورية العسكرية والسياسية المتعلقة بتركيا. عفرين


خلال الأعوام الثلاثة هذه، سعت تلك الفصائل إلى بثّ الرعب والإرهاب بين المواطنين لدفعهم إلى الهرب والتهجير من المنطقة، وصولاً إلى غاية أنقرة المنشودة بتغيير الواقع الكردي في المدينة ديموغرافياً، وهو ما حصل ويحصل الآن، فمشاهد تلك الآلات التي قدمت لرفع الجرارات الزراعية من المدينة لنهبها، بجانب مجموعة من الماعز المحمل على ظهر إحدى السيارات العسكرية، "بحجة أنّها غنائم"، لم تفارق أذهان العفرينيين ولا السوريين، فقد تشير الإحصائيات أنّ نسبة السكان الأصليين في المدينة وقراها باتت حوالي 35% فقط، هرب أغلبهم إلى مناطق الإدارة الذاتية أو مناطق النظام السوري أو اضطروا للهروب عبر الأنهار والبحار إلى أوروبا خوفاً من بطش تلك المجموعات الإرهابية.


لم يكتفِ الائتلاف السوري ومرتزقته بضخّ تلك الميليشيات في القرى والمناطق هناك، بل سعى هذا الجسم، ومنذ أسابيع، قبل الذكرى الثالثة لاحتلال المدينة، برئاسة نصر الحريري، رئيس الائتلاف السوري، ونائبته، ربا حبوش، إلى جعل عفرين الساحة الرئيسة الوحيدة لكسب المزيد من الأنظار، دولياً ومحلياً، وشرعنة تمثيل الائتلاف للسوريين، من خلال تواجدهم على الأرض السورية. فكلنا نعلم أنّ الائتلاف بات جسماً مبتذلاً لا يمثّل متصدروه سوى الأجندات الإخوانية والتركية المتماشية مع سياسات أردوغان، والبعيدة كل البعد عن كرامة السوريين الساعين لتحرير البلاد من الأسد وإيران وكافة الميليشيات التي احتلت منازلهم وهويتهم.


سعى أردوغان من خلال هؤلاء إلى فرض سيطرته على المدينة الاستراتيجية التي تحقق له أطماعه بقطع الامتداد الكردي نحو البحر المتوسط، وبالتالي ربط مدينة جرابلس السورية، غربي الفرات، بعفرين، ضارباً بالحائط كافة القوانين الدولية، من احتلال جغرافية مجاورة لحدود تركيا، وارتكاب أفظع الانتهاكات والمجازر بحق أهاليها وسكانها الأصليين، لتعجّ المدينة بالمؤسسات الحكومية التركية ومراكز حفظ القرآن مع تغيير التعامل بالليرة السورية إلى الليرة التركية، وبالتزامن مع إخراج أوراق ثبوتية رسمية للنازحين تثبت انحدارهم من هذه المنطقة، وكل ذلك تحت راية العلم التركي وصورة السلطان العثماني الجديد، وبالتالي تحقيق الهدف المنشود لأردوغان بتبديل التركيبة السكانية للمنطقة وتهجير ما تبقى من الكرد منها.


إلا أنّ ما يثير الانتباه أكثر هو غياب التضامن الفعلي من قبل المؤسسات السورية الإعلامية والحقوقية عن المشهد في هذا المكان الجغرافي مقارنة بالتعامل مع المناطق الأخرى، ويعزو البعض ذلك بالخوف من آلة القمع التركية للمنظمات في تركيا، والبعض الآخر يقول إنّها نتيجة لممارسات الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا داخل المناطق غير الكردية المسيطرة عليها، إلا أنّ الخبراء الدوليين يعزون كل ذلك بغياب قرار دولي واضح حول غزو تركيا لعفرين ومصيرها، وبالتالي استبعاد الورقة التركية العفرينية من الملف السوري حالياً، والاستمرار بالمزيد من الانتهاكات والتهجير بحق المدنيين.


ضمن هذا الفراغ السياسي والعسكري المرتبط بمصير عفرين، تسعى تركيا من خلال أجهزتها الاستخباراتية بدفع الائتلاف الوطني السوري ومجموعة أشخاص، يسمون أنفسهم برابطة المستقلين الكرد السوريين، بنشر هيمنتهم على المنطقة، وجعل عفرين المنصّة الجغرافية الوحيدة لإقامة سهراتهم ومناسباتهم "الثورية" وتشويه الصورة الحقيقية للأرض المنهوبة والمسروقة، والابتعاد أكثر عن تأمين الأمن والأمان للسوريين، بشكل عام، بل زرع التفرقة والكراهية أكثر بين مكونات الشعب السوري. عفرين


ضمن كل هذه الفوضى السياسية والأخلاقية المحلية والدولية، لا يبدو أنّ موقف الحركة الكردية، بشكل عام، والأحزاب الكردية التي تمثل الكرد سياسياً أفضل، فهي لا حول ولا قوة، وبات الكرد السوريون مقتنعين أكثر بأن الأحزاب الكردية لم يعد لها القدرة على مواجهة كل هذا الكم من الغزو الفكري والثقافي والجغرافي، وأنّ قرار استرجاع عفرين والمناطق المحتلة من قبل تركيا هو قرار دولي سيبقى معلقاً إلى حين إيجاد حل سياسي شامل للقضية السورية، وبالتالي حلّ كافة الملفات العالقة مع تركيا باتفاق أمريكي روسي.


هي الحرب نعم، كما حال كل السوريين، حيث باتت السمة الأبرز في هذه الحرب التسلّق على دماء الناس واحتلال منازل الآخرين وطردهم، وتغيير الهوية السورية الأصلية، لفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة لكل المنطقة، إلا أنّ وقود كل هذا الدمار هم المدنيون الذين لم يبقَ لهم انتماء لأية شعارات وطنية وربما إنسانية، وبات همهم الأول والأخير السعي للنجاة من هذه المقتلة السورية، التي يغذيها كل من تركيا وروسيا وإيران، بمباركة أمريكية محضة. عفرين


شيار خليل


ليفانت - شيار خليل ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!