الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بسلاح الناتو.. حزب العدالة والتنمية يعزز حماية جداره من الداخل والخارج

بسلاح الناتو.. حزب العدالة والتنمية يعزز حماية جداره من الداخل والخارج
أنس ماماش 

شهدت جامعة (بوغاز إيجي)، وهي إحدى الجامعات المرموقة في تركيا، موجة احتجاجات طلابيّة ردّاً على تعيين رئيس الجامعة الجديد المكلّف من قبل حزب العدالة والتنمية، ونتيجة لتلك الاحتجاجات صدرت لوائح أمنية جديدة من قبل المخابرات الوطنية (MIT) وقوى الأمن التابعة للقوات المسلحة، تنصّ على الحرية المطلقة للتدخل القاسي للشرطة في الاحتجاجات.


وفقًا لهذه اللائحة، وبموافقة من الوزير، في حالات "الإرهاب والاحتجاجات"، يمكن نقل الأسلحة والمركبات التابعة للقوات المسلحة التركية (TSK) وجهاز المخابرات مباشرة للشرطة. وبحسب التعديل الجديد لللائحة الأمنية، تمّت إضافة مادة أخرى إليها حيث تنصّ على ما يلي: "المنقولات (الأسلحة والعتاد العسكري) التي سيتم توريدها للدول الصديقة أو الحليفة والمؤسسات والمنظمات الخاصة في هذه الدول، هي لغرض المساعدات من قبل وزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية التركية، حسب الاتفاقيات الدولية".


اللائحة الجديدة هي بوابة نقل أسلحة القوات المسلحة التركية، عن طريق شركة السادات إلى الجهاديين في سوريا وليبيا، ووفقاً لهذا التغيير سيتمكّن أردوغان من إرسال سلاح الجيش التركي (سلاح الناتو) إلى الجماعات التي يدعمها في دول، مثل ليبيا وسوريا، وسيحاول ضمان حماية نفسه ضد الاحتجاجات أيضاً. وبحسب المادة المعدّلة يمكن "منح المنقولات والخدمات للمؤسسات والمنظمات الخاصة كمساعدات"، هذا التعديل ليس إلا طريقة شرعيّة لتسهيل نقل الأسلحة العائدة للجيش التركي إلى شركات الأمن الخاصة (سادات) التي أنشأها أشخاص مقرّبون من أردوغان، ومنها إلى الدول السابقة الذكر، وبصفته الجيش السرّي الخاص لأردوغان، في الداخل والخارج، ووفقاً للامتيازات الحاصل عليها من الرئيس التركي، يمكنه استخدام أسلحة الناتو ضد الطبقة الديمقراطية في تركيا، وكذلك ضد نظام الأسد بسوريا وقوات حفتر في ليبيا، حيث أصبح من المعروف، في الآونة الأخيرة، أنّ سادات ينشط في سوريا وليبيا ويدّرب جماعات المعارضة التابعة له في هذه المناطق. ،وبهذه الطريقة  يمكن لـ"سادات"، المتّهم بتقديم جهاديين سوريين لأذربيجان، التي تقاتل جمهورية أرمينيا في ناغورنو كاراباخ، امتلاك أسلحة القوّات المسلحة التركية بصفة قانونية، وبالتالي سيكون من الممكن، من الآن فصاعداً، رؤية هذه الأسلحة التي يوفرها الناتو لتركيا في أيدي الجماعات الجهادية.


طغت الاحتجاجات الطلابيّة على الاتفاق المبرم بين القوات المسلحة والاستخبارات والشرطة، لقد تزامن هذا التغيير مع تعيين رئيس جامعة بوغاز إيجي من قبل حكومة العدالة، هذه الجامعة التي تم افتتاحها من خلال كلية روبرت في عام 1971، حيث اتجهت كل الأنظار إلى الوقفات الاحتجاجية التي تنظّمها طلبة الكليات، تاركة وراءها مناقشة التغييرات التي حصلت.


هناك من يقول إنّ أردوغان من أجل صرف وإبعاد الأنظار عن عرضه لأسلحة القوات المسلحة التركية التي يفتخر بها، لكونها أصلية ووطنية في الأسواق، مثلها مثل أي سلعة معروضة للبيع، قام بتهيىة بيئة لا تلفت الانتباه للتغييرات التي يقوم بها، من خلال تعيين رئيس جامعة من قبله، وبالتالي سيقوم الرأي العام بمناقشة الاحتجاجات وردّات الفعل لدى الطلاب، بينما هو يقوم بالتغييرات الملائمة لمصلحته بكل هدوء.


يجب أن لا يبقى هناك مكان شاغر في تركيا إلا ويشغله حزب العدالة، حيث اتّجهت إلى الجامعات التي ينبغي أن تكون مراكز علمية مستقلة، فحاولت ارتداء قميص ديني محافظ في جامعة مرموقة يهيمن عليها الطلاب الديمقراطيون والاشتراكيون والعلمانيون، مثل جامعة بوغاز إيجي، فلاقت احتجاجاً من الطلبة والأكاديميين، وبالتالي كان هذا القميص ضيقاً على حزب أردوغان.


حزب العدالة والتنمية الذي وصف الطلاب المشاركين في الاحتجاجات بأنّهم إرهابيون، لم يتدخل بقسوة في المظاهرات فحسب، بل حطم أبواب وجدران الطلاب، وقام بمداهمة المنازل، هذه الأحداث، وهذا التدخل بشكل غير مناسب للشرطة في تركيا، والقوات المسلحة والمديرية العامة للأمن وجهاز الاستخبارت ومديرية الممتلكات المنقولة، تحت ظلّ هذه السحابة الغبارية، قام بلفت الانتباه بهدوء إلى هذا التغيير.


هذا التغيير الذي أجراه أردوغان، يعني أيضاً تعزيزاً لسلطته، في أعقاب أحداث جيزي في عام 2013، حزب العدالة والتنمية الذي سرّع إنشاء جيش خاص وسرّي متعدّد الأغراض تابع لـه "سادات"، مهّد الطريق لاستخدام أسلحة القوات المسلحة التركية ضد الانتفاضات الشعبية، لا سيما بعد احتجاجات طلاب جامعة بوغاز إيجي، إنّ تغير التحسّن المستمر في جودة الاستراتيجية الدفاعيّة الجديدة لتركيا مرتبطة بعد بهذا التاريخ (1968).


بعد أحداث عام 1968، تمّت حماية استراتيجيّة الجيش التركي من الهجمات المحتملة من الداخل، في عام 1968 شهدت تركيا انتفاضة شبابيّة كادت أن تودي بها، مما اضطرها لإعادة النظر في الدفاع عن استرتيجيتها، ليس من الخارج فقط، بل قامت بتطويرها من الداخل، أيضاً، من خلال تعديل المواقف ضد التنظيمات اليساريّة التركية وحركة الاستقلال الكردية.


قبل تاريخ 1968، كانت القضية الأمنيّة ذات الأولوية الهامة لتركيا هي أمن الخارج، حيث اتبعت استراتيجية الدفاع الانطوائي خارجياً، ووضعت جنودها آنذاك في مواجهة الدول المجاورة، مثل اليونان، التي اعتبروها عدوّاً لتركيا، وبعد هذا التاريخ ونتيجة للأحداث التي شهدتها من الداخل، غيّرت خطوط دفاعها، لتبني خنادق دفاعيّة في الداخل التركي.


منذ عام 1968، كان الأعداء الجدد هم الطلاب والاشتراكيون والديمقراطيون والأكراد، فغيّرت تركيا وجهة بنادقها من اليونان، لتستدير بها إلى الداخل، ونتيجة لسمات النضال الوطني التي ظهرت على المستويات الكردية ضد قوات الجيش التركي في كامل تركيا، أصبحت مسألة الأمن الداخلي بالمقام الأول.


في هذا السياق، الاتفاق المبرم بين القوّات المسلّحة والشرطة ليس بالأمر الجديد، لقد وضعت تركيا بالفعل، ومنذ سنوات طويلة، استراتيجية دفاعية ضد التهديدت الداخلية التي قد تأتي بخطر أكبر من الخطر الخارجي، لذلك نجد أنّ استخدام قوات الشرطة لأسلحة القوات المسلحة التركية لها معنى آخر.


أردوغان لا يثق في القوّات المسلحة التركية، هذا التغيير الجديد بين الاستخبارات التركية والشرطة ينبع في الواقع من عدم ثقة حزب العدالة والتنمية في الجيش، على الرغم من أنّ حزب العدالة قد وضع أشخاصاً قريبين منه، من خلال التعيينات الجديدة والفصل في الجيش، لكن لا يمكننا القول إنّه تم تهيئة جوّ من الثقة الكاملة. يعتقد أردوغان في حال نشوب انتفاضة شعبية محتملة ضده أنّ الجيش التركي لن يدافع عنه، لهذا السبب، يحاول تأمين نفسه بقوات خاصة، مثل قوات الشرطة و"سادات"، التي يعتقد أنّ لديه سيطرة كاملة عليهم.


أسلحة القوات المسلحة التركية في عهد يايدن ستكون درع حماية لحزب العدالة والتنمية، يمكن أيضاً اعتبار هذا التغيير بمثابة تحضير لعصر بايدن، حيث تشير التقديرات إلى أنّ عهد جو بايدن، الذي فاز في الانتخابات في الولايات المتحدة، سيكون صعباً على حزب العدالة والتنمية. في واقع الأمر، ذكر بايدن وبوضوح أنّه سيدعم المعارضة، حيث قال إنّه يجب على أردوغان أن "يدفع ثمن ما فعله". يعتقد بايدن أنّه يمكن تعزيز المعارضة في تركيا ضد أردوغان، وبالتالي تحاول القيادة تعزيز جدار الحماية الخاص بها.


في واقع الأمر، إنّ الاتفاق الأخير بين القوّات المسلّحة والشرطة وجهاز الاستخبارات يتزامن مع فترة الاحتجاجات الطلابيّة، وبهذا المعنى، فإنّه يخلق فوضى صغيرة في البلاد ويمهد الطريق للتغييرات القانونية اللازمة من أجل مصلحة أردوغان الشخصية وبسلاح الناتو، في الداخل والخارج.



ليفانت - أنس ماماش

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!