الوضع المظلم
الإثنين ٢٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
برلين... تحطيم القيود
عبد العزيز مطر

كان من المتوقع لجميع الساسة والمراقبين والمعنيين بالقضايا الاستراتيجية والسياسة العالمية؛ أن يكون الاتحاد الأوروبي الذي يضم كبرى القوى الاقتصادية والعسكرية ذات التأثير على مجرى السياسة العالمي.. برلين


هو الند الطبيعي، أو بمعنى أدق؛ الشريك في قيادة هذا العالم مع القوة الأكبر في هذا العالم، أو لنقل إلى جانب قوى عالمية لها قرارها وتأثيرها فيما يدور على الساحة الدولية من قضايا واهتمامات دولية تخص مسألة الأمن والسلم العالميين. برلين


ولكن ماحدث خلال العقد المنصرم كان مفاجئا، وشهد انحسار متزايدا للدور الأوروبي على الصعيد الدولي، وابتعاده عن التأثير في مجريات الأحداث حتى في المجال الحيوي القريب من أوروبا كالشرق الأوسط والشمال الأفريقي.


وهذا الانحسار كانت نتيجته تعاظم وتنامي الدور الروسي والصيني وظهورهما بجانب القوة الأكبر.


وخلال الأعوام القليلة الماضية، تميزت سياسة الاتحاد الأوروبي بسمة التشاركية في القرار بين قطبي الاتحاد الأوربي الألماني والبريطاني، ومع خروج الشريك البريطاني من الاتحاد الأوروبي، بدا واضحاً للجميع أن برلين ستغدو هي المحرك الأساسي لهذا الاتحاد.. وضمان لاستمراريته بما تتمتع به من قوة اقتصادية ومساهمة فاعلة في سياسة وأداء الاتحاد الأوروبي على الصعيد السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي.


فخروج بريطانيا الشريك المنافس في الاتحاد الأوروبي كان مفصلاً هاماً؛ في متغيرات بدأت تشهدها الساحة الأوروبية على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي...


فمن جهة تحطمت القيود التي كان يفرضها الشريك البريطاني على الشريك الألماني في رسم وتنفيذ سياسة الاتحاد الأوروبي ورؤيته من القضايا التي تهم دول الاتحاد.

ومن جهة ثانية كان خروج هذا الشريك عبئاً ثقيلاً على الدور الألماني الذي بدأ يتحمل مسؤولياته الكاملة في زعامة هذا الاتحاد، بما يكفل تحقيق أهدافه وسياسيته القادمة، وفق مبادئ ثابتة تجسد قيم الديمقراطية الأوروبة، وأخرى تتعلق بالمصالح الحيوية لدول الاتحاد الأوروبي، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد حاليا كثيراً من الأزمات والقضايا التي كان الاتحاد الأوروبي فيما مضى غائبا عنها، ولم يرقى دوره فيها لحجم وثقل القوة الأوروبية.


وحجم مشاركتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في حلول القضايا العالمية كمسائل البطالة والفقر والطاقة والأزمات الإنسانية من لجوء وغيرها، وأتى اجتماع برلين بخصوص القضية والصراع في ليبيا؛ لتُوجّه السياسة الأوربية -بزعامة برلين- رسالة لجميع الأطراف الدولية والإقليمية، أن أوروبا موجودة، وأن مايحدث في ليبيا يعنيها بشكل مباشر؛ كون مايحدث يقع في المجال الحيوي لأوروبا وفي الحديقة الخلفية للبيت الأوروبي.


وأنها معنية بما يحدث فيه بشكل مباشر، وهذا ماحذا بقيادة الاتحاد الأوروبي الجديدة للإسراع جاهدةً للحد من التدخلات في مجالها الحيوي، وقامت بتنظيم هذا المؤتمر الذي بدا واضحاً أنه خطوة كبيرة لإعادة أوروبا للعب دورٍ رئيسي في القضايا المهمة، بعد تعاظم الدور الألماني وتوجيهه للسياسة الأوروبية الجديده.

المؤتمر كان أصغر من خطوة كبيرة لهذه السياسة.


ولكن هي للأمام وفي الاتجاه الصحيح، وهذه الخطوة هامة وصحيحة بالرغم من العوامل التي تحيط بهذا المؤتمر (الخطوة) ..

من خلال هشاشة السلم هناك، والانقسامات الكبيرة بين الدول صاحبة النفوذ لدى أطراف الصراع، فكانت مطالب أوروبا واضحة؛ وهي وقف النزاع في ليبيا وإعادة تفعيل وقف تصدير الأسلحة للأطراف المتنازعة، والعودة لطاولة المفاوضات وفق القرارات ذات الصلة بخصوص المسألة الليبية، واستطاعت الدبلوماسية الألمانية في هذا المؤتمر كممثلة للسياسة الأوربية؛ الحصول على التزام بحظر الأسلحة إلى ليبيا وعدم التدخل في الشؤون الليبية، وهذه خطوة كبيرة إلى الأمام لإحلال السلام في ليبيا.


ونجاح هذا المؤتمر بالتأكيد بشكل أكبر، مرتبط إلى حدٍ كبير بتنفيذ ماتم التوافق عليه.

ولم يتوقف هذا التوجه بخصوص ليبيا، بل بدأت السياسة الأوروبية حركة مكثفة مدفوعة بالتوجه الألماني الجديد، وحركة نشيطة بخصوص المسألة السورية، فدعت لعقد اجتماع رباعي من الطرفين الروسي والتركي؛ للتأكيد على وجهة نظر أوروبا من هذه الكارثة، والمشاركة الفعالة في إيجاد حلول لمسألة الصراع الدائر، ومسألة اللاجئين التي تتصدر ألمانيا بلا منازع قائمة الدول التي تعنى بالشأن الإنساني في سوريا؛ لتمتد هذه العناية وتكون المدخل للعب دور سياسي وفق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤.

وإعادة تفعيل هذا القرار، وهذا بالتاكيد سيكون تحولاً جديداً وكبيراً في طريقة تعاطي السياسة الأوروبية الجديدة مع الملف السوري عن طريق الإسراع في إيجاد حلٍ سياسي وفق القرارات ذات الصلة، وإيجاد حل لمآساة النزوح والهجرة إلى اوروبا.


وعلى صعيد البيت الداخلي الأوروبي، بدأ التوجه واضحا للحد من صعود اليمين المتطرف في أوروبا، والتوجه العنصري لبعض هذه الحركات من خلال البحث في أسبابها ومعالجة هذه الظاهرة التي تستمد قوتها من انتشار مراكز قوى اقتصادية وثقافية للإسلام السياسي في أوروبا مدفوعة من قبل بعض الدول التي تدعم هذا التوجه في أوروبا عن طريق إقامة مراكز اقتصادية وأنشطةً تعزز من قوة الإسلام السياسي، الذي يعتبر مع حركات التطرف اليميني في أوروبا قوتين تعيشان وتستمدان قوتهما كل من الآخر، ووجود إحدهما مرهون ببقاء الآخر.


إن مسألة إدارة السياسة الأوروبية، مسألة معقدة جداً في ظل التوجه الجديد لإعادة السياسة الأوروبية لمكانتها، وأعتقد جازما أن قيادة برلين ومن خلفها باريس لهذه السياسة الجديدة سينعكس إيجابيا على الكثير من القضايا الإقليمية والدولية التي تعنينا قبل الجميع كعرب وكسوريين.

فإعادة الدبلوماسية الأوروبية لوضعها الطبيعي على الساحة العالمية، سيجعل من الأمن والسلم العالميين أولوية، وسيكون بالتاكيد عاملا كبير في انحسار موجة الإرهاب والتطرف والعنف المتزايد في عدة بقاع من العالم.


وأقول للأنظمة الديكتاتورية التي يرتبط بقائها إلى حد كبير بالحاجة المصلحية لها على حساب الشعوب، هذا مايرفضه التوجه الأوروبي الجديد وسياسته القادمه عهد جديد.. لأوروبا أقوى بالتأكيد .


ليفانت - عبد العزيز مطر


النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!