-
بايدن وبوتين.. والتطبيع المعتمد على تطابق المصالح القصوى
شهد العقد الأخير، مجموعةً من الحروب المستعرة في الشرق الأوسط، لتتغير معها جملة من المفاهيم، مشكلةً صحوة لدى الكثير من المتضررين والمتابعين في المنطقة والعالم، خاصة أن عواقب تلك الحروب لم تقتصر على المناطق الساخنة، بل طالت بلاداً تبعد عنها آلاف الكيلومترات، في أوروبا، وعليه أدرك العالم بأسره، بأن أي صراعات كبيرة جديدة لن تجلب إلا المزيد من الكوارث التي لم تعد البشرية بقادرة على تحملها.
ولعل ذلك ما قد يدفع بالكثيرين إلى التأمل بوصول القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، إلى توافقات مقبولة، قد تعيد بعض السكينة إلى دول أكلتها الحروب ومزقتها الصراعات، كما هو الحال في سوريا وليبيا وأوكرانيا بدرجة أقل، فيما يعتبر لقاء الرئيسين الأمريكي والروسي الثلاثاء\السابع من ديسمبر، فرصة هامة لتحقيق ذلك.
لقاء بايدن وبوتين
إذ قد عقدت الثلاثاء، قمة ثنائية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن، في اتصال مرئي عبر خط مغلق تم إطلاقه بين موسكو وواشنطن في عهد الإدارات السابقة في البلدين.
اقرأ أيضاً: الصين والانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. ترتيب أولويات أكثر من مؤامرة
وحول اللقاء، أشار الكرملين إلى أن التوتر حول أوكرانيا، وتقدم الناتو نحو حدود روسيا، ومبادرة الرئيس الروسي للضمانات الأمنية، ستكون أبرز القضايا التي ستناقشها القمة، بالإضافة إلى "أزمة الحوار" بين البلدين والعلاقات الثنائية التي "لا تزال في حالة مؤسفة"، فيما أشار من جانبه، البيت الأبيض إلى أن القمة ستتمحور على الأزمة الأوكرانية، وجملة من قضايا العلاقات الأمريكية الروسية، بما فيها الاستقرار الاستراتيجي والأمن السيبراني، كما ستتطرق إلى القضايا الإقليمية والملف النووي الإيراني.
التطبيع لأجل المصالح القصوى
وليس اللقاء بمستغرب، فقد سبقه جملة من المحفزات على الرغم من العقبات، فأكدت وزارة الخارجية الأمريكية، في الأول من أكتوبر الماضي، أن الولايات المتحدة وروسيا متفقتان على ضرورة حل المشاكل في المجالات التي يمكن فيها ذلك، وقد زارت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، موسكو منتصف أكتوبر، فيما أعلن الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن الاتصالات معها ضرورية وتجري في الوقت المناسب، بينما أكدت نولاند، أن محادثاتها مع ممثلي إدارة الرئيس الروسي كانت "مثمرة".
اقرأ أيضاً: الليرة التركية.. عندما يدفع الشعب ثمن عدوانية السلطة
أما نائب رئيس إدارة الكرملين، دميتري كوزاك، فقد أفاد بأن موسكو وواشنطن اتفقتا على مواصلة المشاورات حول تسوية الوضع في شرق أوكرانيا، اعتماداً على الموقف المشترك من الوضع الخاص لدونباس، وقد أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعلاقات بينه ونظيره الأمريكي جو بايدن، مرجحاً إمكانية تطبيع العلاقات بين الدولتين بسبب تطابق مصالحهما بشأن المسائل ذات الأولوية القصوى، في مجالات الأمن واستقرار أسواق الطاقة والقضاء على الملاذات الضريبية.
الحوار العسكري
ولم تقتصر دعوات التفاهم على الساسة، بل انتقلت إلى الميدان العسكري، فاعتبر نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، الجنرال جون هايتن، في الثامن والعشرين من أكتوبر، أن على بلاده توسيع الحوار في المجال العسكري مع روسيا، وتابع: "عندما نجري مفاوضات، ونحن الآن نخوض مفاوضات مع روسيا، أشعر نفسي أسعد بكثير، وأعتقد أن علينا توسيعها... العالم يصبح أفضل حينما يتفاوض الخصوم المحتملون".
اقرأ أيضاً: تجنيد القصّر بمناطق “الإدارة الذاتية”.. المُعضلة المُنفّرة والمُبررات المُفرّغَة
وبالتوازي، صرحت وزارة الخارجية الأمريكية، عقبها بيوم، إن الحكومة الروسية وافقت على طلبات شركات طيران أمريكية باستخدام مجالها الجوي، ليعلن عقبها في الواحد والثلاثين من أكتوبر، وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنه أجرى لقاءً مفيداً مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بحثا فيه ترتيب الاتصالات الثنائية بين البلدين.
نموذج لفوائد التعاون الأمريكي الروسي
ولعل إحدى أهم الميادين التي استفادت أخيراً من التوافق الأمريكي الروسي، كانت منطقة شمال سوريا، التي ساهم ثبات الموقف لكل من واشنطن وموسكو، في سد الطريق أمام تنفيذ تركيا عملاً عسكرياً جديداً، لاحتلال المزيد من الأراضي السورية، وقد أكد المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، بداية بنوفمبر الماضي، أن واشنطن تحرص على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع موسكو في سوريا.
اقرأ أيضاً: واشنطن والضاحية الجنوبية.. مواجهة متعددة الأوجه مع المدّ الإيراني
وجاء حديث “البنتاغون” حول التنسيق الأمريكي مع روسيا في سوريا عقب هبوط طائرة روسية في 28 أكتوبر الماضي، لأول مرة في مطار “القامشلي” شرقي البلاد، القريب من القاعدة الأمريكية في المنطقة، والذي تستعمله الشرطة العسكرية الروسية كقاعدة عسكرية، فيما كانت تروج وسائل إعلام معارضة لعمليات غزو جديدة قد تشنها أنقرة في شمال سوريا، برفقة مليشيات ما تسمى "الجيش الوطني السوري" ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، مستندةً على تهديدات أطلقها الرئيس التركي في 31 أكتوبر.
وقد ذهب المبعوث الدَّوْليّ إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى شيء مماثل عندما قال في السادس عشر من نوفمبر الماضي، إن حل الأزمة السورية يحتاج إلى تعاون جاد بين واشنطن وموسكو.
إجراءات بناء الثقة
لكن في العموم، ليست الطريق ممهدة أمام الطرفين، ويحتجان إلى المزيد من إجراءات بناء الثقة، وهو ما يدركه الجانب الأمريكي أكثر، فأطلق في ذلك السياق، جملة تصريحات لطمئنة موسكو، فقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الثالث من ديسمبر الجاري، بأن الرئيس جو بايدن سيؤكد لنظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصالهما، على سعي واشنطن لعلاقات مستقرة مع روسيا.
اقرأ أيضاً: أنقرة ومساعي المحاصصة مع دمشق.. زمن المقايضات التي ولّت
كذلك، وصفت الخارجية الأمريكية، مباحثات نظمت بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي أنتوني بلينكن في ستوكهولم، بأنها كانت "صريحة ومهنية".. وفي الرابع من ديسمبر، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه سيجري "نقاشاً طويلاً" مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، مشدداً على أنه لن يقبل أي "خطوط حمراء" بشأن تلك الأزمة، وذكر بايدن أنه يعمل على وضع "حزمة شاملة وذات مغزى من المبادرات" من شأنها أن تجعل "من الصعب جداً" على الرئيس الروسي "غزو أوكرانيا".
أما الآن، وقد جرى اللقاء الأخير بين بايدن وبوتين، فإن آمال الاستقرار في مناطق الالتهاب في العالم سواء بالشرق الأوسط أو شرق أوروبا، ترتفع، والاتجاه صوب السلام يزداد، ما قد يغلق الباب أمام التنظيمات الإرهابية والأنظمة القمعية التوسعية التي تستغل الاضطرابات لتمرير أجنداتها، وزيادة مناطق نفوذها، وبيع الكثير من أسلحتها، حيث تعتاش تلك الجهات كـ"الفطريات" على القتل وأدواته.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!