الوضع المظلم
الثلاثاء ١٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • اليونان وتركيا ما بين “الناتو الميت” وفرنسا القادمة بـ”حلف أوروبي”

اليونان وتركيا ما بين “الناتو الميت” وفرنسا القادمة بـ”حلف أوروبي”
الناتو

تضرب أنقرة خصومها وتسبقهم للشكوى وتقديم معاريض التظلّم لدى الرأي العام العالمي، فتظهر في تصريحات ساستها نمراً حيناً، وحملاً وديعاً في أحيان أخرى، وفق ما تتعرّض له من ضغوط، لكن الثابت في السياسة الخارجية التركية، هو السير بالبلاد نحو المزيد من الأزمات، إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي.


وبدلاً من توجهها نحو الداخل، وتفعيل الحلول السياسية التي قد تضمن سكينة تركيا من الداخل، لا ينفك حكام أنقرة عن زيادة خصومهم في الإقليم، خاصة ممن يعتبرهم الأتراك أعداء تاريخيين، كاليونان، فما أن خفتت أنقرة من خناقها وعدوانيتها بحق سكان شمال سوريا، حتى بدأتها على المنقلب الآخر في الحدود، في الجهة الغربية منها، فبدء النزاع مع أثينا وقبرص بغية الاستيلاء على ما تسميها بوطنها الأزرق، وكأنّ تركيا وحدها من لها وطن أزرق، ويحق لها أن ترسمه كما تشاء تخيلات جنرالاتها، الذين تغافلوا وجود دول أخرى في المنطقة، لها وزنها وشأنها.


إنكار التوسّع في كل حين


نزاعٌ رافقته أنقرة باستعراض العضلات كثير من المرات، محاولة ترهيب الدول المجاورة، ومتناسية أنّه تواجههم في البحر المتوسط، دول ذات سيادة، وليس مجتمعات تُحاول تنظيم صفوفها كما في شمال سوريا، فاعترضت في السابع والعشرين من أغسطس الماضي، مقاتلات تركية 6 طائرات حربية يونانية من نوع “F-16”، فيما زعم وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنّ بلاده باتت فاعلاً حقيقياً على الساحة الدولية، وأنّ على الكل أن يدرك ذلك، مدّعياً أنّ “تركيا لا تطمع بأراضي وبحار أي دولة”، وهي ادعاءات بدأت أنقرة تلجأ إليه كثيراً في الآونة الأخيرة، ما قد يفسرها البعض بأنّها إفصاح عملي عما تضمره، عبر مُحاولة تفنيده إعلامياً، ومواصلة تطبيقه عملياً.


 


وفي السياق، ادّعى رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، في التاسع والعشرين من أغسطس، أنّ السلطات اليونانية تسعى لتصعيد الأوضاع في شرق البحر المتوسط، دون أن تأخذ في الحسبان مقدراتها، وزعم أنّ أنقرة سجلت في صفحات تاريخها انتصارات كبيرة، وأردف أنّ اليونان وقبرص تعملان على تصعيد التوتر في المنطقة، ووفق شنطوب فإنّ تركيا لا تدّعي الحقوق في مناطق صلاحية دول أخرى، وادعى أنّ تركيا لم تعد كما كانت في السابق، حيث مكّنت قدراتها الاقتصادية والعسكرية لتحمي مصالحها.


وبالتزامن، عرضت وزارة الدفاع التركية، مقطعاً مصوراً، عشية ما يسميه الأتراك بـ”عيد النصر”، بغية تذكير أثينا بالتاريخ وبهزيمتها، وزعمت أنّ “الأناضول سيبقى لتركيا التي أثبتت أنّها قوية”، حيث تطرّق الفيديو إلى معارك حصلت بين منطقتي “ملازغريت” و”دملوبينار”، فازت فيها تركيا واستولت على إزمير من اليونانيين، حين سقط نصف جنود الجيش اليوناني بين قتيل وجريح وأسير، كما جرى الاستيلاء على غالبية المعدّات القتالية التابعة له.


تهديد ووعيد ولغة حرب.. تصطدم بالخشية من فرنسا


ولكن، ونتيجة القوة التي أضافتها فرنسا إلى موقف اليونان، وترجيحها لكفة القوة لصالح أثينا، بدأ أكار بمحاولة الظهور بمظهر الدبلوماسي، فقال إنّ حل المشاكل العالقة بين تركيا واليونان يكون عبر اللقاء والحوار، وليس باللجوء إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي.


بيد أنّ النوايا التركية الأقرب إلى الواقع، وفق ما تقوم به من أعمال عسكرية متواصلة بجانب عمليات المسح والتنقيب بالمتوسط، فقد أماط اللثام عنها موقع greek city times اليوناني، في السابع والعشرين من أغسطس، عندما عرض تقريراً أشار معدّه إلى تغريدة لـ”متين كولونك”، وهو منظر لأردوغان وعضو في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومن المقاطعة نفسها التي يعيش فيها والدا أردوغان، أعلن من خلالها المطالبة بـ”تركيا الكبرى.


 


ووفق التقرير، فقد طالب كولونك في سلسلة من التغريدات إلى “تركيا الكبرى”، التي تتضمن مناطق واسعة من شمال اليونان وجزر بحر إيجة الشرقية، ونصف بلغاريا وقبرص وأرمينيا بكاملها، ومناطق واسعة من جورجيا والعراق وسوريا، حيث أثنى كولونك في تغريداته بانتصار السلاجقة على الإمبراطورية البيزنطية في مانزكرت عام 1071، الذي سمح للأتراك الآسيويين بدخول الأناضول لأول مرة في التاريخ، وقال: “دخلت تركيا القرن الحادي والعشرين بخطوات كبيرة بروح عام 1071، وهي تتقدّم بخطوات كبيرة، واليوم، يعود سبب عودة”، وبيّن الموقع اليوناني أنّه من خلال “روح 1071″، أقرّ كولونك فعلياً بأنّ تركيا تسعى إلى غزو سوريا والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا عسكرياً والسيطرة عليها.


في السباق إلى الشكوى


ومع إدراك أنقرة أنّ الظروف الإقليمية ليست في صالحها، نتيجة وجود تحشيد عسكري ضدها في المنطقة، عقب سنوات من الإضرار التركي بمصالح دول المنطقة الأوروبية والعربية، بدأت القيادة التركية بالسباق إلى تقديم الشكوى، لتبرير مواقفها العدوانية داخلياً وخارجياً، فقد اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الأول من سبتمبر، أنّ محاولات الاستيلاء على ثروات البحر الأبيض المتوسط، “تعدّ وجهاً جديداً من وجوه الاستعمار الحديث، ومحاولة للاستيلاء على كامل ثروات البحر المتوسط​، التي هي حق لكل بلد يطلّ عليه” (في إشارة إلى الدور الفرنسي).


 


لكن الغريب أنّ الرئيس التركي الذي يتحدّث عن الاستعمار، تحدّث وبكل ارتياح عن تواجد جيشه “في سوريا وليبيا وأماكن أخرى”، وبرر لنفسه ذلك التواجد، بالقول إنّه “في كل هذه المواقع نسعى لتحقيق العدالة والحق”، وبالتالي فقد حسم الرئيس التركي قضية جهوده التوسعية بأنّها لتحقيق العدالة، دون أي ينتظر الرجل أي شرعية دولية يستند عليها، رغم علمه بأنّه يخرق كل الأعراف والقوانين الإنسانية والسماوية، عبر التعدّي على جواره، ومحاولة سلبهم ما ليس له بالقوة والترهيب ليس إلا، والأنكى أنّ “عمر تشيليك” الناطق باسم حزب “العدالة والتنمية” الإخواني التركي، اتهم اليونان بالتزامن، بأنّها “باتت دولة قرصنة في شرق المتوسط وتهدف لأمور أكبر من حجمها”.


وعليه، يبدو أنّ الأمور ستراوح مكانها في المدى المنظور إن لم تتوجه نحو التصعيد، فالمساعي التي يبذلها حلف شمال الأطلسي لحلحة النزاع، تتجاهل أنّه يتعامل مع الحلف الأوروبي المتشكل مؤخراً بقيادة فرنسا، والتي ما كانت لتأخذ ذلك الدور، لولا إدراكها أنّ الناتو قد أضحى ميتاً دماغياً كما قال ماكرون قبل شهور، ولعل أفعال أنقرة قد نجحت في إثبات صحة رؤية الرجل، ودفعته للبحث عن بديل، وقد وجده.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!