الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
النيل.. اللغز والسر الوجودي
شامان حامد

النيل اتخذ مساره الحالي قبل 31 مليون سنة، هكذا كشفت دراسة حديثة في دورية "نيتشر جيوساينس"، دور حركة التضاريس الديناميكية في الحفاظ على مسار نهر النيل، رغم أنّ الطبيعة التقليدية للأنهار القديمة تغير مسارها بمرور الوقت، إلا أنّ المسار الثابت للنيل شكَّل لغزًا جيولوجيًّا، قد يكون سرهُ في وشاح أرضي بين قلب الأرض الكثيف شديد الحرارة وطبقتها الرقيقة الخارجية المعروفة بالقشرة، سُمكهُ حوالي 2900 كيلو متر تقريباً، ويشكل ما يعادل 84٪ من إجمالي حجم الأرض. النيل


تتدفق معظم مياه نهر النيل عبر منطقة مستقرة جيولوجيًّا، غير أن مصدر النهر ينتمي إلى منطقة تلاقي الصفيحتين التكتونيتين للبحرين الأحمر والميت، وبالقرب من الكثير من الصدوع والفوالق، وتساءلت الدراسة أنه ما تزال هناك العديد من الأمور التي نحتاج إلى فهمها، مثل: متى ولماذا شكَّل النيل الانحناء العظيم (قاصدًا ما يُعرف بـ"ثنية قنا" في مصر)؟ والمسارات التي أدت إلى تشكُّل النيل قبل 30 مليون سنة، فهو ليس كغيره من الأنهار الأخرى بالدنيا، فقد تشكلت على ضفافه واحدة من أهم الحضارات الإنسانية وأقدمها، الحضارة المصرية القديمة، لتكون "مصر هبة النيل"! التي عاشها المؤرخ والرحالة الكبير هيرودوتوس في القرن الـ5 ق.م، ونظم الشاعر الروماني تيبولوس في القرن الأول ق.م، قصيدة تبجل النيل قال فيها "الأرض التي ترويها لا تطالب السماء بالماء، والعشب الذي جف لا يتضرع إلى جوبيتير ليوزع مياه الأمطار". النيل


إن حجم المياه الخضراء (الأمطار) الحبشية أكثر من 950 مليار م 3/ سنوياً، وفى مصر مليار يعنى 1 إلى 900، ولذا فأراضي أثيوبيا 94٪ خضراء، ومصر 6٪ فقط، وتستهلك إثيوبيا 84 مليار متر مكعب، لتتعدّى حصة مصر والسودان مجتمعين، إذاً حصة إثيوبيا من المياه الزرقاء (الجارية بالنهر) تصل لحوالي 150 مليار متر مكعب، منها: "55 مليار في بحيرة تانا، و10 مليار في سد تاكيزى، و3 مليارات في سد تانا بالس، و5 مليار في سدود فنشا وشارشارا، ومجموعة سدود صغيرة، بخلاف 74 ملياراً في سد النهضة"، علماً بأنّ إثيوبيا تسحب من بحيرة تانا للزراعة دون حساب، إضافة لإمكانيات المياه الجوفية في إثيوبيا بإجمالي 40 مليار متر مكعب، وتقع على أعماق من 5-6 متر فقط من سطح الأرض، كمياه متجددة، فى حين تعتبر المياه الجوفية في صحارى مصر مياهاً غير متجددة، وتقع على عمق 1000 م، لذا فمن حق مصر والسودان وفق الاتفاقيات الدولية التي وقفت معهما الدول حتى مجلس الأمن أخيراً. النيل


فمن المنطق العقلي أن يُطالبا بحقهما درءاً للمخاطر التي قد تقع حال انهيار سد النهضة لكل الأطراف، حيث تعمل إثيوبيا فردياً دون الرجوع لمنطق عملي، فمثلاً مشروع الممر الملاحي التنموي لربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط يوضح الفرق بين مشروع أحادي ومشروع جماعي، هناك دول حبيسة في حوض النيل مثل جنوب السودان ورواندا وبوروندي وأوغندا وإثيوبيا، عندما يتم عمل منفذ لها على البحر من خلال النهر سيغير الكثير، وبالتالي تكون هناك تجارة بينية (ممر ملاحي وطريق سريع وخط سكك حديدية ونقل كهرباء وخط سريع لنقل المعلومات) وهو ما يحقق التنمية الشاملة، فكيف سيكون شكل الجدول بعد التنفيذ، ونحن عندما نفكر في التنمية نفكر في جميع دول الحوض وليس استئثار بنفسنا، وليس عملاً أحادياً أنانياً قد يُدمرنا ويجلب اللاسلام للمنطقة.


وقفة: إنّ هذه النعمة التي تروي مصر منذ آلاف السنين مهددة اليوم، فعندما نفكر في مشروع لابد وأن نُفكر في صالح الآخرين فعلاً لا أقوال، وهناك إجماع من الدول على المشاركة في مشروع الممر الملاحي، حتى إثيوبيا نفسها طلبت الاشتراك فيه، فهل يتعلم أبي أحمد ألا يجُرّ بلاد النجاشي العادل لنيران الفراعنة؟. النيل


شامان حامد


ليفانت - شامان حامد ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!