الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • النفط باعتباره أداة سياسية.. آفاق الحل ومسارات الأزمة الليبية

النفط باعتباره أداة سياسية.. آفاق الحل ومسارات الأزمة الليبية
 رامي شفيق

تُبرز تناقضات الأوضاع، في ليبيا، التوتر الحاد والارتباك الحاصل في العديد من الملفات المتشابكة، دولياً وسياسياً وميدانياً، يتبدّى ذلك من خلال الصراع العسكري الروسي الأوكراني الذي يرتبط بأكثر من مسرح إقليمي للأحداث المتفاقمة، فضلاً عن تعقّد وتأزّم الأوضاع السياسية في نقاط جغرافية ممتدة دولياً وإقليمياً.

لم يعد من المعقول الحديث عن أزمة، أي أزمة، بعيداً عن مسبباتها ونتائجها التي تبدو واقعة وحاضرة ومشتبكة مع الأحداث من خلال توظيف عناصرها وآلياتها، أو التعامل معها باعتبارها شيفرة الخروج الآمن من نفقها المعتم.

ومن الصعوبة بمكان تصور حالة القوة القاهرة في قطاع النفط الليبي بعيداً عن ذلك الإطار الملزم عبر مستوى الأزمة الدولية الراهنة، بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وروسيا، خاصة مع أزمة الطاقة العالمية وأسعار برميل البترول واضطرار واشنطن وإدارة الرئيس جو بايدن استخدام الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الصخري واللجوء إلى ورقة النفط الليبي، ومن ثم، تعطيل مضخات الإنتاج والضغط بقوة على الطرف الغربي بغية لفت الانتباه إلى تأزّم الأوضاع السياسية في ليبيا وضرورة فرز الالتزامات بين القوى الفاعلة على الأرض، وفضّ الاشتباكات فيما بينهم على النحو الذي يبين مسار كل منها حالياً ومستقبلاً.

مسرحان واقعان وثالث في الخيال السياسي على تخوم السياسة الدولية. الأول عسكري وسياسي على الأراضي الأوكرانية. والثاني اقتصادي ويتموضع أثره وتداعياته على كافة أرجاء المعمورة. والثالث والأخير يتشكل بالقرب أو البعد من مدى انفجار البارود واتساع مدى النيران التي يتخوف الجميع من خطرها على السلم والأمن الدوليين.

الشهور الماضية لم تحسم القوى الدولية والإقليمية موقفها المعلن من حكومة الاستقرار المكلفة برئاسة فتحي باشاغا بينما لم تمنحها شرعية الحضور التام في الواقع الليبي. وفي نفس الوقت لم ترفع الغطاء الكامل عن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، واكتفت بالقبض على مفاعيل القوة المؤثرة في السلطة من خلال أطراف النفط وعوائده. الأمر الذي دفع إلى أن تكون آليات التنبيه من خلال ذلك، حيث وقف إمدادات الإنتاج من النفط الليبي في اللحظة التي يعيش فيها العالم أصعب لحظاته في هذا السياق الذي شهد ارتفاعات غير مسبوقة في سعر برميل البترول.

قطاع النفط الليبي يمثّل النافذة الرئيسة في ليبيا. إذ يوفر أكثر من ٩٧٪ من إجمالي الدخل القومي للبلاد، حيث وصل إنتاج ليبيا من النفط الخام في العام ٢٠١٠ لحوالي 1.65 مليون برميل يومياً. بينما الآن وبسبب ارتباك الأحداث خلال السنوات التي تلت أحداث شباط/ فبراير 2011 يتمحور إنتاج النفط في ليبيا لحدود 1.3 مليون برميل يومياً، رغم القدرة على مضاعفة الإنتاج بعيداً عن هذا الرقم.

رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، الذي أدّى اليمين الدستورية من مجلس النواب في طبرق شرق البلاد، مطلع آذار/ مارس الماضي، والذي يسعى حتى اللحظة نحو العمل من خلال طرابلس العاصمة، يواجه رفض الدبيبة الذي فشل في إجراء الاستحقاق الانتخابي مما دفعه لطرح مبادرة للتواصل بين كافة القوى السياسية الليبية فضلاً عن الإعلان، مساء الثلاثاء، العاشر من أيار/ مايو الجاري، إعادة فتح موانئ وحقول النفط المغلقة منذ شهور مضت.

جاء إعلان المؤسسة الوطنية الليبية للنفط القوة القاهرة على خلفية توقف البلاد لتصدير النفط والذي يعكس ضعف الدولة أمام العالم الخارجي، وفقدانها لجدية التعاقد والمحافظة على أمن الاستثمارات الأجنبية وسلامة الأفراد العاملين بها وضمان استمرار الإنتاج. جدية هذا الإعلان وخطورته تتحقق مع واقع أن شركات النفط العاملة في الأراضي الليبية تعد من أكبر وأقوى شركات العالم في صناعة النفط والأكثر تأثيراً في دائرة صناعة القرار العالمي. كما أنها تقترب من زاوية أخرى كونها دول عظمى من الجانب الاقتصادي وكذا مؤثرة في السياسة الدولية.

السفير الأمريكي، ريتشارد نورلاند، حذّر إبان لقائه مع الصديق الكبير محافظ البنك المركزي الليبي، خلال نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي، من خطورة استخدام النفط في المجال السياسي، وتوظيف عائداته من أجل تحقيق مكاسب سياسية. نورلاند التقى، مساء الأحد الماضي، الثامن من شهر أيار/ مايو الجاري، مع المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي في العاصمة المصرية، القاهرة، وتناول اللقاء مستجدات الأوضاع في ليبيا وعدداً من الملفات؛ كان من أهمها إغلاق الحقول والموانئ النفطية والميزانية العامة للدولة للعام 2022، وعمل الحكومة المكلفة من مدينة سرت.

وأكد السيد رئيس مجلس النواب على أنه سيتم فتح الحقول والموانئ النفطية بعد تثبيت آلية توزيع عوائد النفط بشكل عادل على كافة الأقاليم، مؤكداً أنه سيسعى جاهداً لحلحلة أزمة إغلاق الحقول والموانئ النفطية. وأشار السيد رئيس مجلس النواب، خلال اللقاء، إلى أن جلسة مجلس النواب القادمة سوف تدرس مشروع قانون الميزانية العامة للدولة للعام 2022 المقدم من الحكومة الليبية. كما أشار السيد رئيس مجلس النواب على أن عمل الحكومة من مدينة سرت سوف يمكنها من العمل بحرية تامة ولن تقع ضحية لابتزاز الميليشيات أو غيرها مؤكداً بأنه عندما اقترح مدينة سرت كمقر مؤقت للمجلس الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال منتهية الولاية لاقى المقترح ترحيباً محلياً ودولياً واسعاً.

من خلال ذلك اللقاء والتصريحات الرسمية التي تعكس ثقل قطاع النفط الليبي، سواء في حسم الأمر سياسياً لصالح أي من الفاعلين في الداخل، وأثر ذلك على القرار الدولي، نجد الأمر في قلب المشاورات التي دارت بين السفير الأمريكي ورئيس مجلس النواب الليبي.

ذلك لم يكن بعيداً عن اللقاء الذي جمع المبعوث الأمريكي برئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، في القاهرة، تمهيداً للاجتماع الذي يضم اللجنة المشتركة بين مجلس النواب والأعلى للدولة، منتصف الشهر الجاري، لمناقشة القاعدة الدستورية التي من خلالها تمر الأزمة الليبية نحو الاستحقاق الانتخابي.

نحو ذلك لا ينبغي التفريط في أهمية عنصر الأمن وعسكرة الفصائل المسلحة التي تسيطر على مسرح الأحداث في الداخل الليبي، سيما في الغرب الليبي ومدى أثر ذلك على تطور الأوضاع، وتقدم نسق الاستقرار على كافة المستويات واستغلال بعض الأطراف لتلك الميلشيات لتوسيع هامش المناورة على امتداد مصالحها التكتيكية في تلك المرحلة.

من خلال ذلك؛ تتحرّك واشنطن نحو تمهيد الأرض وحرثها للاستحقاق الانتخابي عبر آليات محددة. بيد أن تحديات الوصول إلى تلك اللحظة والمرور منها بأمان لا يمكن تحققه عبر القوى الدولية فقط، بل لا يمكن تصور ترميم هذا المشهد دون أن تدرك القوى الليبية حرج اللحظة الحالية ومدى خطورتها.
 

ليفانت – رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!