الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الموقف الأمريكي من الثورة السورية
كمال اللبواني

لم يتغير موقف أمريكا من الثورة السورية كثيراً منذ بدايتها وحتى الآن رغم تغير الإدارات والأحداث، فهي متمسكة بما نصّ عليه قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وقبله بيان جنيف واحد، أي دعم إرادة الشعب السوري في اختيار السلطة التي يريد، وتمكينه من حقوقه التي نصّت عليها الشرعة الدولية، والحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها، ومعاقبة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. 


لكنها أبداً لم تتوعد ولم تفكر جدياً بالتدخل العسكري بعد تجربتها الكارثية في العراق، فهي لن تتدخل لتغيير نظام الحكم أو لفرض نظام معين، كما لن تساعد أي نظام لا يحترم قيم المجتمع الدولي وحقوق الإنسان، بعد كارثة العراق حصرت تدخلها ضمن مسؤولياتها الدولية وضمن النظام الدولي، الذي عطله الفيتو الروسي الصيني ١٦ مرة حتى الآن فيما يخص سوريا.


فالعقدة إذاً ليست عدم قدرة أمريكا أو عدم إرادتها، بل القيود التي قيدت بها نفسها بعد خسارة العراق وتدميره، وإصرارها على تفعيل المسؤولية الدولية وفق النظام العالمي الذي ساهمت في صنعه منذ مشاركتها الحرب العالمية الثانية (من وجهة نظرها) يجب أن تشجع احترام هذا النظام، ومعاقبة الدول المارقة، ولا يجوز لها أن تتصرف خارجه كدولة مارقة تشجع الآخرين.


وهذا ما يعتبره البعض تحايلاً وتنصلاً من المسؤولية، بعد أن تدخلت بشكل سافر في أفغانستان والعراق ومن دون تفويض دولي، رافضين تفهم الندم الأمريكي، وحجم الرفض الشعبي لأي تدخل عسكري خارجي غير ضروري، فأمريكا لم تعد تعتبر نفسها شرطي العالم والمسؤولة عن الشعوب، بعد أن بدأت المنافسة الاقتصادية تقوّض اقتصادها وهيمنتها وتقييدها داخل حدودها بل تقتحم بنياتها.


أمريكا تدخلت كما هي العادة لمحاربة الإرهاب الذي يطالها ويهددها، وسبق له وضربها في عقر دارها، ولم تتدخل لمحاربة مجرمي الحرب والإرهابيين الذين يقتلون الشعب السوري لكنهم لا يهددوها هي، بينما دعمت دول إقليمية هذا الإرهاب وحاولت إلصاقه بالثورة السورية، ونجحت إلى حد كبير بسبب قابلية المعارضة السورية التي يهيمن عليها الإخوان، والدول الداعمة لهم، والاستعداد الطبيعي للحاضنة الشعبية للسقوط في هذه الحفرة التي حفرها النظام السوري بمساعدة دول وأنظمة حليفة، عندما هيمنت داعش على معظم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ثم أكملت النصرة وأخواتها على البقية، وقضت بشكل تام على الثورة والثوار، وأخضعتهم لسلطتها، وهكذا تنصّلت أمريكا من أي دعم للثورة ووقفت موقف المتفرج على صراع الخصوم فوق أرض سوريا.


ضغط المسألة الإنسانية لم يكن كافياً لتحريك الآلة العسكرية الأمريكية، لكنها استخدمت وسائل الضغط الاقتصادي والقانوني والديبلوماسي، وما تزال، والذي لن يعطي نتائجه بالسرعة اللازمة التي يجب أن تعالج بها مسألة جرائم الحرب، هذه البلادة الأمريكية تعطي النظام السوري وإيران وحلفائهما الوقت الكافي لتحقيق انتصار المجرمين وضياع حقوق الضحايا، من وجهة نظر الشعب السوري، يمكن توصيف هذه البلادة بالتآمر ضد الشعب، وهو ما تستفيد منه المنظمات الجهادية التي لا ترى مخرجاً قبل هزيمة المشركين المتعاونين معاً على قتال الإسلام والقضاء عليه.. ليست هذه النتيجة السلبية الوحيدة لتلك السياسة البليدة، بل أيضا تقارب وتفاهم ثم تحالف طرفي التطرّف الإسلامي الشيعي والسني معاً، والذين راهنت أمريكا وأوروبا على استنزافهم ببعضهم، فاتفقوا معاً رغم خلافاتهم على عداء الغرب وأمريكا ونشر الإرهاب في العالم.. فهل تصحو أمريكا وتفهم أن تأجيل العدالة يخدم فقط استمرار وشيوع الجريمة، وأنّ العدالة ليست كالسياسة ذات نفس طويل؟.


كمال البواني


ليفانت - د. كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!