الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الملتقى العالمي للتصوف بالمغرب يتبنى دور البعد الأخلاقي والروحي في التنمية

الملتقى العالمي للتصوف بالمغرب يتبنى دور البعد الأخلاقي والروحي في التنمية
مدير الملتقى الدكتور منير القادري بودشيش

حل ببلدة مداغ، شمال شرق المغرب، الأسبوع المنصرم وفوداً علمية من القارات الخمس، جاءت للمشاركة في الملتقى العالمي للتصوف الذي نظمته الطريقة القادرية البودشيشية بتعاون مع مؤسسة الملتقى والمركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في إطار الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، نسخة هذه السنة جرت تحت شعار " التصوف والتنمية.. دور البعد الروحي و الأخلاقي في صناعة الرجال". وذلك من 06 الى 10 نونبر 2019.




ويهدف المشاركون في الملتقى إلى بحث “التحدي الحقيقي الذي يواجه التنمية اليوم أي العنصر البشري الذي بصلاحه تصلح الأمم وتتألق على جميع المستويات : دينياً، وروحياً، وثقافياً، واجتماعياً”، مبرزين أن “النموذج النبوي خير شاهد على إبراز أهمية العنصر البشري وجعله النواة الأساسية للإصلاح والنهوض بالأمة”.


وبيّن مدير الملتقى الدكتور منير القادري بودشيش، في مداخلته، أهمية الأخلاق لتحقيق التنمية، مضيفاً إن أي مشروع تنموي يفتقر إلى البعد الأخلاقي والروحي مآله التعثر والفشل. ومن تجليات ذلك حسب القادري ما تعانيه المجتمعات المعاصرة من أزمات نفسية، إضافة إلى تدمير النظام الأيكولوجي والبيئي نتيجة الاستغلال المفرط للثروات. ونبّه إلى أن ما يعاب على النهضة التنموية المعاصرة، هو تركيزها على الأبعاد المادية وإهمال الجانب الأخلاقي.


ثم أبرز دور شيوخ التصوف في بناء رجال أسوياء نفعوا مجتمعاتهم، حيث قدموا خطاباً مبنياً على الأخلاق والإحسان والرحمة مستشهداً بقول حسن البصري "الاحسان أن تعم ولا تخص كالشمس والريح والغيث" تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتق الله حيثما كنت واتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".




وأكد القادري أن المكون الصوفي يعد من أكثر المكونات الدينية ارتباطاً بالجانب الإنمائي والبنائي والتأهيلي للفرد، وإعداده وجعله فاعلاً تنموياً إيجابياً صالحاً ومصلحاً لنفسه ولأسرته ولمجتمعه وعصره، وتحقيق أمنه الروحي، مبرزاً أن القيم الإنسانية تعتبر ركيزة أساسية لبناء المجتمعات التي تقوم على العيش المشترك والسلام والتعاون.


واستنتج أن التربية على التصوف تفتح أفقاً واعداً للتنمية، وتقدم قيمة مضافة في بناء وتشييد الحضارة الإنسانية المشتركة على أساس من التعاون والتكامل المنتج.


وأكد مفتي استراليا الدكتور سليم علوان الحسيني في كلمته، أن التصوف الصحيح تمسك بالشريعة ظاهراً وباطناً، وعلم وعمل ومساهمة في بناء المجتمعات وليس كسلاً وخمولاً. وبين فضيلة المفتي خصال الصوفي الحقيقي المتمثلة في صفاء السريرة وحسن المعاملة، والتواضع، ومحبة الخير للغير.

وأضاف أن التصوف دعوة إلى الوسطية والاعتدال، ووقاية من التطرف والعنف والإرهاب حيث أن التصوف حسب الحسيني ضمانة لحفظ البلاد، وسبب لتنميتها، وتنشأة أجيال الغد، على الدعوة غلى الخير والهدى والرحمة.




بدوره أبرز الدكتور الأردني ربيع صبحي العائدي، المتخصص في الفلسفة والعقيدة، دور البعد الروحي والأخلاقي في حل الأزمات والصراعات التي تعيشها المجتمعات المعاصرة.




وبيّن الأكاديمي العائدي أهمية التربية الروحية في تطهير الإنسان من أمراضه النفسية كالكبر، واحتقار الآخرين، وتؤدي إلى قبول المخالف مهما كان شكله أو لونه أو دينه. وتعد حصناً من الانحرافات والتطرف والإرهاب.


وأبرز العائدي دور الصوفية في نشر السلام في العالم كما هو حال منطقة شمال شرق آسيا التي انتشر فيها الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة، وذلك بجهود الطرق الصوفية التي تركز على احترام الانسان بعيداً عن أي تعصب، فاستطاعوا نشر الإسلام بأخلاقهم.




وأشار الأستاذ المحاضر الى أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قام بثورة أخلاقية متكاملة في مكة، من خلال نشر التزكية الروحية التي أخرجت المجتمع المكي من حضيض الأحقاد إلى سمو الأخلاق، ونشر العدل والتسامح، والمساواة.


بعد ذلك تحدث الأكاديمي العائدي عن أهمية الجانب الأخلاقي والروحي في التنمية، ضارباً المثل بدولتي الروم وفارس اللتان سقطتا رغم امتلاكهما القوة العسكرية، لأنهما فشلتا في الجانب الأخلاقي. وأكد أن نشر الإسلام لا يأتي عبر السلاح والعنف، إنما وسيلته القناعة والحوار والعقل. وقد خسرت كل المنظمات الإرهابية التي أرادت أن تستعيض بالقتل عن العقل، وبالإجبار عن الحوار.


وأبرز الدكتور ربيع العائدي أبعاد الهجرة إلى الحبشة التي أظهرت المشترك بين البشر رغم الإختلاف في الدين، بل وزيادة على ذلك مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملك الحبشة وأنصفه وقد كان ملكاً مسيحياً بقوله لأصحابه : ( إن فيها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد). وكان هذا أول لقاء يجمع بين المسيحية والإسلام، فاحتضنت المسيحية الإسلام بعلاقات وطيدة، وقد ذكرت لنا كتب السير أن المسلمين هناك كانوا عنصراً فاعلاً لنشر الأمن والسلام في المجتمع، وفي هذا السياق دعا العائدي الجاليات الإسلامية في الغرب، الى إبراز أخلاق الاسلام الراقية، كالتسامح، ومعاونة الضعيف، والمشاركة في الأعمال التطوعية، مضيفاً أن المجاميع الإرهابية تستفيد إلى يومنا هذا من أرضية التخلف والبعد عن القيم الروحية في المجتمعات، لتستقطب شبابنا نحو القتل والتدمير.




وختم الدكتور ربيع العائدي مداخلته بتأكيد حاجة مجتمعاتنا المعاصرة إلى التربية الروحية، وشدد على دور الطريقة القادرية البودشيشية التي تقوم بدور نوراني في المغرب، وهي بعملها تخرج التصوف من دوره التقليدي، وتقييده في الزوايا، ليصير ممارسة حياتية بين جميع الناس، من خلال نشر الطمأنينة في المجتمعات كلهاّ. وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه.


وأبرز مفتي أوكرانيا الدكتور أحمد تميم، في مداخلته، دور الطرق الصوفیة الحقة في التأليف بين شعوب المسلمین بمختلف ثقافاتھم، وتكوين بیئة واحدة أنتجت سلوكیات رفیعة أضحت تقالید وأعرافًا استمرت عبر الأزمان، وحافظت على مكانة الإسلام في المجتمعات، مشيراً إلى استمرار وظیفة الصوفیة الأخلاقیة، مما أثمر حسب الدكتور تميم نھجاً يتسم بالتعایش والأمن لأبناء المجتمعات ومن خلال الدعوة إلى العدل ونشر الخیر. ونقول بكل مسؤولیة أن صورة الوسطیة والاعتدال كانت ومازالت دومًا في البقاع التي انتشرت في ربوعھا الصوفیة الحقة.




توصيات الملتقى :


اختتم الملتقى العالمي للتصوف مساء الأحد 10 نونبر 2019، وقد خرج العلماء والباحثون المشاركون بعدة توصيات نذكر منها:


- تفعيل الانفتاح التواصلي أكثر وتوسيع سبله مع دول العالم، وعلى مختلف مجالات الحياة بما في ذلك مكونات المجال الثقافي والفني والمجال الإعلامي، نشراً لغنى التصوف ومبادئه المنهجية والروحية.

- تشكيل منتدى الطريقة القادرية البودشيشية للباحثين الشباب في التصوف، وتكوين فروع له في جهات الوطن وخارجه، مهمتها الأساس مدارسة التصوف تراثاً وسلوكاً ومنهجاً، وبحث سبل التنزيل في تفاعل مع الواقع قائماً وممكناً.

- مراعاة لما بلغه الملتقى العالمي للتصوف من رقي علمي وتنظيمي واتساع إشعاعي ندعوا إلى انفتاح المؤسسات العلمية الأكاديمية ارتباطاً بموضوع التصوف وما يتصل بها من خلال تنظيم ندوات مشتركة خاصة في ظل الشراكات المبرمة مع بعض الجامعات داخل وخارج الوطن.

-إدراج مادة الأخلاق في التعليم بجميع مستوياته من خلال إحداث مقررات تراعي ذلك نظرا لضرورته الملحة.



صحفي و كاتب مغربي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!