الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الملالي بوصفهم قادة ميليشيا مسلحة
غسان المفلح

مصطلح الميليشيا ظهر في الأدبيات السياسية إبان حكومة فيشي الفرنسية العميلة خلال الحرب العالمية الثانية، وهو التنظيم السياسي والعسكري المرعب والمقيت الذي أنشئ في الأربعينات بالتعاون مع ألغستابو الألماني، لاصطياد مناضلي المقاومة الفرنسية، سواء بقتلهم أو تسليمهم إلى المحتل، وقد تميزت هذه الميليشيات بارتدائها لوناً خاصاً، وسميت وقتها بميليشيا "الرداء الأسود".


كما وتعرف الميليشيات بأنّها مجاميع مسلحة ومنظمة ومدربة ومدعومة، وتمتلك هيكلتها الخاصة لتحقيق مصلحة حزبية معينة وخاضعة لسلطة مركزية. إضافة إلى ذلك يمكن للقارئ الكريم التعرّف على التجربة الميليشياوية ذات الأبعاد الإيجابية في تطور التجربة الديمقراطية السويسرية. مع ذلك بقي تعريف الميليشيا يأخذ دلالته مع كل تجربة جديدة.


وبحسب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، يقدّر وجود قرابة 150 ألف شخص ضمن الحرس الثوري. كما يمكن للقوة أيضاً دعم الجيش الإيراني الاعتيادي، الذي يمتلك قرابة 350 ألف جندي، بأنظمة دفاع خارجية. قوات الباسيج التابعة للمجموعة كانت متورّطة في حملة أمنية على متظاهرين بعد انتخابات إيران عام 2009، كما أنّ فيلق القدس كان مشاركاً في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2011، وتدخل الفيلق كان لصالح نظام الأسد، وتضمّن غارات صاروخيّة على ما يزعم أنّها قواعد لداعش. هذه المنظمة أسّسها آية الله الخميني مع محسن سزيغارا في شهر أيار 1979، أي بعيد انتصار الخمينية. هذه المنظمة -الميليشيا- كان الغاية من تأسيسها حماية نظام ما سمي بالثورة الإسلامية، وتبقى مهمة الجيش الإيراني هي حماية حدود البلاد.


هذه الميليشيا قائدها الفعلي، هو مرشد الثورة الإسلامية، لا تأخذ الأوامر إلا منه شخصياً. لا تتبع للتسلسل الهرمي للجيش. كما أنّ مواردها المالية لا تتبع لوزارة الدفاع. غالبية عناصرها من المحترفين، الذين تطوعوا لحماية النظام الإيراني. هذه التجربة استقاها الخميني من تجربة سرايا الدفاع في سوريا، التي أسسها نظام الشباطيين البعثي باقتراح من حافظ الأسد، عندما كان وزيراً لدفاع هذا النظام الانقلابي 1966، وسلم قياداتها لأخيه رفعت، تحت حجة سرايا الدفاع عن النظام والعاصمة. لكن بعد انقلاب التصحيح 1970، تحولت إلى قوة ميليشياوية مستقلة لا تتبع لقيادة الجيش، وأكثر من 80% من عناصرها من الطائفة العلوية. كذلك فعل الخميني في إيران بالنسبة للحرس الثوري، رغم أنّ الحرس الثوري يتمتع دستورياً باستقلالية أعلى عن الجيش من سرايا الدفاع. بعد خلاف الأخوين، تحوّل الدور والوظيفة لقوات الحرس الجمهوري بقيادة ماهر الأسد أيضاً، وأعيدت السرايا على الجيش.


الحرس الثوري هو صاحب الكلمة العليا داخلياً، حتى إنّه تتبع له أفرع مخابراتية خاصة، وسيادته هذه من سيادة المرشد نفسه. دولة إلى جانب الدولة، أو جزء من السلطة العميقة للملالي، الحرس الثوري الذي يتبع له فيلق القدس. بالمناسبة، قاسم سليماني قبل أن يقتله الأمريكان، كان يتبع عملياً ومباشرة للمرشد الخامنئي وليس لقائد الحرس الثوري.


هذه الهرميّة الميليشياوية اعتمدت على تعبئة دينية طائفية، لا وجود حتى لدولة إيران في رؤيتها، لأنّ دولة إيران مجرد قاعدة للميليشيا، رؤيتها مستمدة ممارسة وتأسيساً على نظرية ولاية الفقيه، وتصدير ثورته الإسلاميّة. كل القوى المسلحة بالتالي تأخذ شكلاً وممارسة نموذج فيلق القدس. النموذج الذي تم تعميمه على بلدان شرق أوسطية. لبنان أولاً، ثم العراق ثانياً، واليمن ثالثاً، وسوريا رابعاً، وفشلت المحاولة في البحرين. وزّعت إيران ميليشياتها التي تقاد من طهران ببشر من بلدان أخرى، بدوافع طائفية ودينية. إنّها ولاية الفقيه. الولي الفقيه هو القائد الفعلي لهذه الجاهزية الميليشياوية في العالم، وهو المرجع الشيعي الأعلى عملياً. هذه المرحلة تمّت تحت أعين كل الدول المتحضرة بالعالم، وعلى رأسها أمريكا.


ميليشيا حسن نصر الله في لبنان، الذي صرّح عدة مرات "بأنّهم كحزب الله جنود في ولاية الفقيه". لم يقتصر الوضع على دعم وتمويل ميليشيات شيعية، بل تعدّاه لتنظيمات إسلامية سنيّة في بلدان أخرى. حركة حماس والجهاد في غزة، وبعض فروع القاعدة في أفغانستان وفي العراق وسوريا. الولي الفقيه "قائد ثورة" لم تنتصر بعد. من الصعب على الجيش الإيراني أن يحتلّ كل هذه الدول. على فرض أنّه مسموح له ذلك دولياً، لكن من السهل تشكيل ميليشيات محليّة من أبناء كل بلد، معتمدين على وجود سلطات فاشلة وقمعية ودموية.


في العراق، تشكلت الميليشيات العراقية بغالبيتها في إيران زمن صدام حسين، وفيما بعد تقاسمت إيران عبر هذه الميليشيات الحكم في العراق مع الأمريكان. في لبنان تحوّل حزب الله إلى نظام غير شرعي يتفاوض نيابة عن الدولة اللبنانية مع فرنسا ودول أخرى بقوة سلاحه خارج الدولة اللبنانية.


في سوريا تبقى القضية أعقد، لأنّ إيران تعاملت مع نظام الأسد بعد الثورة بوصفه ميليشيا، لهذا أرسلت له ميليشيات أخرى لتساعده على قتل السوريين. وتصرّح عبر مسؤوليها أنّه لولاها لسقط الأسد. هذا التصريح يؤكد ضمناً أنّها تتعامل مع الأسد كميليشيا، لكن بسبب تعقيدات الوضع الدولي في سوريا، إيران تبقى غير ضامنة للأسد. لهذا أرست حيزاً ميليشياوياً غير سوري أو سوري خارج الميليشيا الأسدية. برعاية أمريكية روسية إسرائيلية. تماماً كما كرّست مع الدول الكبرى حزب الله كمفاوض لبناني يمثّل إيران. فهل الأسد يمكن أن يكون مفاوضاً إيرانياً في سوريا؟ هذا ما لا تريده إسرائيل وأمريكا ودول أخرى. والأسد يحاول أن يلعب على هذا التناقض، خاصة مع وجود روسيا على الأرض، لكن إلى متى؟


هذه الميليشيات المنتشرة تتبع للميليشيا الأم، والتي هي الحرس الثوري الإيراني بقيادة خامنئي، بوصفه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. إنه قائد ميليشيا وليس قائد دولة، وعلى أساس هذه التوليفة يصدر الخراب لبلدان ذات سلطات فاشلة عبر التطييف والتديين والمال ورضا القوى الدولية الكبرى.


من الواضح أنّ هذه التوليفة الميليشياوية ما زالت تحوز على شرعيّة من دول الفيتو في مجلس الأمن الدولي، واستمرارها هو استمرار للإبادة والخراب.

غسان المفلح


ليفانت _ غسان المفلح

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!