الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المصالح الإيرانية الروسية في سوريا بين التجاذب والتناحر

المصالح الإيرانية الروسية في سوريا بين التجاذب والتناحر
المصالح الإيرانية الروسية في سوريا بين التجاذب والتناحر

حسن اليونس - كاتب




لا شك في أن أي مفاوضات جادة لإنهاء الحرب في سورية بين قوى المعارضة السورية والنظام لن تكون سهلة، بل ستكون مفاوضات صعبة وشاقة وماراثونية كما تنبأ بذلك السيد ديمستورا المبعوث الأممي السابق الخاص إلى سورية، حيث تتشابك المصالح الدولية فوق الجغرافية السورية وعليها لدرجة التقارب والتماهي حيناً ولدرجة التناقض والتناحر حيناً آخر مشكّلة مع إجرام النظام وأدواته القطب الثاني للرحى التي تسحق الشعب السوري المكلوم منذ أكثر من ثماني سنوات .




وتعتبر المصالح الروسية والإيرانية الأكثر حضوراً على الأرض السورية، ولا شك أنها ستكون الأكثر حضوراً كذلك على طاولة المفاوضات في الحل النهائي للأزمة خاصة، بعد تغلغل هاتين الدولتين بأدواتهما المختلفة في الدولة السورية وسيطرتها على مراكز صنع القرار في النظام، حتى أصبح لا يعدو أن يكون مجرد دمية عجماء أو (كركوز) تحركه كل دولة بالاتجاه الذي تراه يناسب مصالحها .




أيضاً المعارضة ستكون الطرف الأضعف في أي مفاوضات مقبلة في ظل غياب موقف أمريكي جاد ورغبة في وضع حد للمأساة السورية، وهذا يضعها في موقف المستجدي من حلفائها المزعومين من أجل الضغط على النظام وحلفائه لتقديم بعض التنازلات التي لا يمكن لأي عملية سياسية ناجحة في سورية أن تتم بدونها، وأعنى بذلك المرحلة الانتقالية ورحيل الأسد.




اذاً المفاوضات سوف تكون صعبة ومعقّدة وليس مرد ذلك بالتأكيد مطالب الشعب السوري الذي يمثله وفد المعارضة، ولكن تشابك المصالح الدولية على الأرض السورية وخاصة روسيا وإيران سوف يدخل هذه المفاوضات في مخاض عسير لا أحد يستطيع التكهن بنهايته، ومدى نجاح أوفشل هذه المفاوضات مرهون بالدرجة الأولى بقدرة النظام على تقديم بعض التنازلات بعيداً عن تأثير حليفه الروسي والايراني، في حين أن المعارضة ليس لديها ما تتنازل عنه الا اللهم التخلي عن مطالبتها بمحاكمة الأسد ورموز حكمه الذين أجرموا بحق السوريين.




إن ما يجمع الموقفين الإيراني والروسي من سوريا هي المصالح الجيوسياسية، لكن المصالح الاقتصادية الى حد ما هي متباينة، كما أن شكل العلاقة يأخذ طابعاً مختلفاً، فالروس يبنون علاقتهم مع النظام بناء على العلاقة السابقة مع مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية، في حين يبني الإيرانيون علاقتهم مع النظام من منطلق ديني مذهبي خدمة لاستراتيجية محددة موجودة في اذهان ملالي طهران.




قد يبدو الروس أكثر جدية في البحث عن مخرج للأزمة السورية من الإيرانيين لأنهم يريدون إنهاءها وهم منتشين بانتصاراتهم المزعومة على الأرض، ولأنها المفتاح لحل أزمات أخرى تعصف بروسيا مثل الأزمة الأوكرانية التي عكّرت صفو العلاقة مع الغرب وأعادت أجواء الحرب الباردة إلى شطري أوروبا، ولأن العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليهم بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم قد أثقلت كاهلهم، بالإضافة الى تكلفة الحرب في سورية التي شكلت لهم عبئاً إضافياً على اقتصادهم الهش الذي يعاني بالأساس من مشكلات كثيرة، إلا أنهم يريدون أن يظهروا بمظهر المنقذ الذي حارب الإرهاب وأعاد الأمان والاستقرار إلى سورية، وهذا ما تحرص الولايات المتحدة على عدم حدوثه .




أما الإيرانيون فإنهم سوف يواصلون مقاومة أي تسوية سياسية، لأنهم يدركون جيداً أن أي تسوية شاملة للأزمة السورية سوف تعني خسارة المصالح السياسية والأمنية في سوريا ولبنان، التي تعتبر بالنسبة لحكام طهران أكثر أهمية من المصالح الاقتصادية التي يمكن مراعاتها بسهولة رغم أنها ليست بالقليلة لذلك فهي تدعم مقولة (الأسد أو نحرق البلد) الذي أطلقها شبيحة النظام في بداية الحراك الثوري، لأنها تعلم جيداً أنه لن يكون هناك نظام في سوريا مهما بلغ من السوء والتبعية يخدم مصالحها كما يفعل نظام الأسد.




ونظراً للأهمية الكبيرة التي توليها إيران لسورية وصعوبة إيجاد نظام بديل – كما أسلفنا– يقبل الوجود الإيراني على الأرض السورية خاصة بعد أن استعدت ايران الشعب السوري، ودعمت نظام الأسد بكل إمكاناتها واستخدمت الورقة الطائفية لتعزيز وجودها في سورية، فاستجلبت المقاتلين الشيعة من كل اصقاع الأرض لتقاتل مع النظام،  وبما أن سوريا لا تزال ممراً اجبارياً للسلاح المتجه الى حزب الله في لبنان ذراعها الأهم في المنطقة الذي تريد إيران بقاء وضمان استمرار إمداده بالسلاح على المدى البعيد، ليبقى وصياً على لبنان ومهيمناً عليه بالنيابة عن طهران، فقد بدأت بالفعل بمحاولة خلق وضع ديمغرافي جديد في مناطق معينة من سورية وخاصة على الحدود اللبنانية وذلك لضمان التواصل مع حزب الله، كما قامت بتأسيس حزب الله السوري على غرار حزب الله اللبناني والعراقي كذراع عسكرية لها في سورية يمكن أن يكون أداة في المستقبل للتأثير على الحياة السياسية السورية، في حال فشل محاولاتها للإبقاء على الأسد في السلطة.




بالإضافة للمصالح الجيوسياسية والأمنية فقد ربطت طهران نفسها مع النظام بعقود اقتصادية طويلة الأجل لشركات إيرانية كبيرة في مجال الصناعة والنفط والكهرباء، كما قدّمت قروض للنظام مقابل رهونات عقارية لاستيراد المواد الأساسية بشرط بأن تكون معظم هذه المواد من السوق الإيرانية، كما أنها ترتبط مع النظام والعراق بعقد لإنشاء خط لنقل الغاز الإيراني إلى البحر المتوسط الذي توقف تنفيذه عام 2011 بعد اندلاع الثورة في سورية، كما أن إيران لا بد أن تحاول ضمان حصتها من إعادة الإعمار بعد الحرب خاصة أن لديها فائض كبير من الاسمنت والحديد ومواد البناء .




بينما روسيا تريد أن يكون لها نفوذ قوي في سورية المستقبل من أجل تأكيد وجودها العسكري القوي على البحر المتوسط والتأكيد على أنها لا زالت لاعباً دولياً في الأزمات ولا تتخلى عن حلفائها التقليديين، ولعل الحالة الليبية حاضرة في ذهن القادة الروس حيث تعتبر روسيا أن الغرب خدعها عندما تدخل لإسقاط نظام القذافي، فهي لا تريد أن تقع في نفس الحفرة مرتين، كما أن روسيا ترتبط بعقود طويلة الأجل مع النظام لاستخراج النفط والغاز وخاصة في الساحل السوري، كما أنها تريد ضمان عدم السماح في المستقبل بمد أنابيب الغاز الخليجي إلى البحر المتوسط وذلك حفاظاً على مصالحها الحيوية في أوروبا.




بدون مراعاة هذه المصالح لن يجرؤ النظام على تقديم أي تنازل فيما يخص المرحلة الانتقالية، وسوف تحاول إيران جاهدة كسب الوقت وخاصة أنها اشتهرت بنفسها الطويل في المفاوضات، وقد ظهر هذا جلياً في المفاوضات على ملفها النووي، وسوف تحاول الالتفاف على أي تسوية تؤدي إلى رحيل الأسد ولذلك ستكون مصالح هذه الدول حاضرة _ مع الأسف _ بقوة أكثر من مصالح الشعب السوري صاحب القضية الأساسية، إلا إذا تبدل الموقف الأمريكي وأخذ شكلاً أكثر جدية فيما يخص الأزمة السورية بحيث يكون حاسماً من جهة إنهاء الصراع القائم في سوريا منذ أكثر من ثماني سنوات، ومن جهة إنهاء الوجود الإيراني في سورية، خاصة أن لإسرائيل الحليف الاستراتيجي الأهم لأمريكا مصلحة في ذلك .


المصالح الإيرانية الروسية في سوريا بين التجاذب والتناحر


المصالح الإيرانية الروسية في سوريا بين التجاذب والتناحر


المصالح الإيرانية الروسية في سوريا بين التجاذب والتناحر

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!