-
مرسوم منتظر مغمس بالوقاحة.. بضعة مئات من حافة القبر إلى الحرية
ليفانت نيوز _ رصد سوشيال ميديا
ليست المرة الأولى بتاريخ نظام البعث الأسدي مخلياً سبيل معتقلين على خلفية التظاهرات ضده أو ممن اعتُقل بتهمٍ تتعلق بما وصفه أعمالاً إرهابية. في كل مرة ينتظر فيها السوريين شمول العفو المعتقلين السياسيين أو أولئك الناشطين الإعلاميين والميدانيين والإغاثيين لكن يبقى متحفظاً عليهم فذهب كثر أن لا بقية بعد هؤلاء لديه والكل قتل تحت التعذيب ولاقى مصير ضحايا التضامن. فلم يُخلى سبيل أحد ولا ثلة قليلة. إذاً إنه تأكيد في سياق دعاية مضللة بأنه لم يعتقل هؤلاء الناشطين السلميين والسياسيين أبداً.
هوذا يُفرج عن "إرهابيين" ما سيجلب عليه نقداً وتململاً في بيئته الحاضنة كما كل مرة وهو كافٍ له أن لا يعود ترند مجرزة التضامن حاضراً في أذهانهم وسيتبعه تسريح جديد للعسكر وفق مرسوم جديد ليتابع التضليل وتشتيت الانتباه لجمهور الداخل على هذا النحو من الثقةً! إنه مرسوم مغمس بالوقاحة يا صديقي. نعم إن السلطة أصبحت تأخذ بعين الاعتبار تحركات الشارع بالداخل، فالأسد يقدم نفسه حليفاً لبوتين والضغوط على موسكو ليست هينة.
وحده الأمل ما تبقى للسوريين، فاحتمال موت هذه الفئة من المضطهدين في معتقلاته أو دفنهم في مقابر جماعية كتلك التي كُشف عنها مؤخراً في التضامن بتاريخ 27 أبريل عبر صحيفة "الغارديان" و"نيولاين ماغ" وارد جداً، لكن يمكننا القول أن للنظام حساباته التي تبدو عشوائية في اختياراته من يموت ومن يعيش.
إضافة إلى قدرة أهل كل فرد على حِدَةٍ أن يصل إلى ابنه دافعاً أموال كثيرة ليبقيه حيّاً يُرزَق، بنقله إلى سجن صيدنايا أو معتقلات وسجون لا يحصل فيها إعدامات بهذه البساطة مع إمكانية لمن هو ميسور الحال ويستطيع أن يعرف أين ابنه فيدفع المال دورياً لضابط عامل في مكان الاعتقال. أيما سخرية! لنقل معتقلات الخمس نجوم حيث يتأكد فيها أهل المعتقل أنه سيبقى حيّاً والتعذيب يكون مضبوطا!
عمت فرحة لامست الجميع، فليس كل المطلق سراحهم مجرمين أو مرتكبي انتهاكات. هناك حملة سلاح وأناس اتهموا بإرهاب مدن لأنهم دافعوا عن مناطقهم أو انخرطوا في صفوف ميلشييات شعبية، وهناك أيضا من يمكن أن يتهم بمسؤولية ما في تدمير منشآت عامة أو خاصة أو خاض اشتباكات وهناك ربما مجرمين وإسلاميين أوصوليين.
إلا إن المهم بعيداً عن تفصيل وتشريح، هناك أحياء خرجوا من مسالخ النظام البعثي العربي الأسدي على قيد الحياة، نعم ستشاهد صوراً للناجين كأنهم أشباح، بعض اللحم رُمي على هياكل عظمية. بل إن الأهل سيعانون حتى يتعرفوا إلى أولادهم. لقد جاؤوا من بعد آخر كون آخر!، نعم السوريون سيتذكرون الآن صوراً كثيرة.
هذه وقاحة الأسد ونظامه، تعال معي نستعرض الأمر، إذا ما أراد رأس النظام التوجيه إلى هذا المرسوم ليصدر بأسرع وقت بعد فضيحة مجزرة التضامن، فلم يكن لديه الوقت الكافي ليطعم المُطلق سراحهم ليظهروا على نحو أفضل من ذلك حتى لو حشوهم غصباً وأخذوا مكملات غذائية، الوقت كان قاتلاً بعد زخم التفاعل حول مجزرة التضامن.
أيضاً جرى تداول بعض الأخبار غير المؤكدة أن النظام سيزفّت الشارع مكان جريمة التضامن، على ما فعل كعادته عند كشف أي جريمة أو الاقتراب من ذلك لطمس معالمها، كما فعل عندما كشف الناشط والحقوقي والصحفي نزار نيوف عندما كشف مجزرة تدمر في 15 آب 2001 التي ارتكبها رفعت الأسد وجماعته عام 1981. ففور بث المقابلة معه على قناة الجزيرة، جرفت المخابرات العسكرية المقابر في "جبل عويمر" شمال غرب مدينة تدمر، المعروف أيضاً باسم "جبل عنتر"، بواسطة البلدوزرات لتعيد طحن رفاتهم ونشره في البادية السورية على ما ذكر في أحد إضاءاته على صفحته على موقع الفيسبوك قبل إغلاقه لها.
مع ذلك وفي صور منتشرة لبعض من أخلي سبيلهم في عفو ماضٍ على سوء حالتهم كانوا أحسن حالاً من الخارجين الجدد. نعم للمرسوم وقع كبير في فضاءات السوشيال ميديا، لن يغطي على مجزرة التضامن، لكن النظام يبني دائماً على الوقت والتراكم، حيث تدفن التفاصيل الزخم الحاصل في التفاعل هذه الأوقات بعد نشر الغارديان لتحقيق المجزرة، متزامناً مع ضغط على الحاضنة الشعبية البادئة بالتفاعل والتنديد بجريمة التضامن. مئات وربما آلاف من أهالي ريف دمشق ودمشق يتجمهرون في منطقة البرامكة وعند جسر الرئيس وصولاً إلى بلدة صيدنايا ينتظرون أولادهم لكن المطلق سراحه لا يتعدى بضعة مئات فذكّر البعض بتكرار مأساة سجن التوبة عندما تحضر آلاف الناس للقاء أولادهم فلم يجدوا أحداً بعد وعود من نظام الأسد بوجودهم على ما يقول الناشط عمار صالح، بينما يُذكّر الناشط والصحفي المحامي عروة السوسي بأن خروج هؤلاء المعتقلين يؤكد كذب الأسد لعدم وجودهم:
لم تدن الدول الأوروبية مجدداً حتى الآن نظام الأسد الابن لارتكابه هذه المجزرة، وأيضاً الأنظمة العربية، ورصدت ليفانت نيوز موجة واسعة من الترحيب والانتقادات لهذا المرسوم، ليصبح لدينا مثل كل مرة جدل سيكون فيه لمؤيدين نظام الأسد الابن أو الكتلة الحيادية إلى شريحة من المعارضة مواقف صارخة ومنتقدة تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، أو في إشارة إلى الحالة الصحية والنفسية للناجين بعفو رئاسي إجباري خرج بغصة لدعم حرب التضليل والتمييع. نعم سنتفق أن هذه السلطة تعرت واتخم العالم بقراءة التوصيفات عنها ونشر فضائحها، فلم يعد الخراء بحاجة لكتابة وصف عن رائحته! بيد إن الفترة الماضية كانت تجري على قدم وساق حملة تلميع لصورة النظام على الساحة العربية والدولية يبدو حسب مراقبين أن النظام يدفع عليها في أروقة الإعلام العالمي ومكاتب العلاقات العامة عشرات ملايين الدولارات. ستلاحظ هيجان إعلامه البديل لتصدير هذا العفو كخطوة مهمة وإنجاز على درب المصالحة الوطنية الشاملة على المقاييس الأسدية.
سنقرأ عند بعض الأوساط الإعلامية المحسوبة على الإعلام الحكومي أو الرديفة له أو المتحالفة معه تبريكات وحفاوة وترحيب. كلهم أمل بمستقبل مشرق قريب بقيادة القائد الرئيس الحالي بشار حافظ الأسد بعد هذا الإجراء نحو مصالحة وطنية كبرى لتنتهي العشرية السوداء كما وصفها الصحفي السوري صدام حسين.
آخرون أعادوا التذكير بالمعتقلين السياسيين، وأشاروا لمراسيم سابقة أطلقت حسب وصفهم المجرمين والإسلاميين المتشددين ونست من يستحق العفو فعلا؛ فكانوا سبباً إضافياً لتسليح الثورة السلمية وفرط تماسكها كتنسيقيات شبابية لمصلحة فصائل وكتائب إسلامية على رأسها المطلق سراحهم في مرسوم 2011 من أمثال زهران علوش قائد جيش الإسلام في دمشق المقتول في 25 ديسمبر 2015 بغارة روسية. يعيد الآن كثر من مؤيدين ومعارضين التذكير بهذه المفارقة، وأخرى تتعلق بتسريح عشرات الآلاف من الجنود المحتفظ بهم أو الاحتياط وأمضوا أكثر من 7 سنوات في الخدمة العسكرية.
بينما يذكر آخرون على نحو ساخر متسائلين حول مصير أولئك المنتقدين للسلطة على وسائل التواصل الاجتماعي والمطلوبين لكل أفرع الأمن. كما هو معلوم، صدر قانون الجريمة الإلكترونية في سوريا وفق مرسوم أصدره رأس النظام بشار الابن يقضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012.
يهدف القانون رقم 20 لعام 2022، حسب وكالة "سانا" الحكومية إلى "مكافحة الجريمة المعلوماتية بما يتوافق مع التطور التقني الحاصل وارتفاع نسبة انتشارها في المجتمع، وحماية للمصالح القانونية وتنظيم الحريات في العالم الافتراضي والحد من إساءة استعمال الوسائل التقنية".
في سياق أكثر تفصيلاً حول القانون، فهو يعيد "التأطير القانوني لمفهوم الجريمة المعلوماتية ليشمل العديد من صور وأشكال السلوك الإجرامي وفيها الاحتيال المعلوماتي وانتهاك الخصوصية والذم والقدح والتحقير الإلكتروني، وجرائم المساس بالحشمة أو الحياء، والجرائم الواقعة على الدستور والنيل من هيبة الدولة أو مكانتها المالية، إضافة إلى نشر تسجيلات صوتية أو مرئية غير مشروعة من دون رضا صاحبها، والجرائم المتعلقة بالبطاقة الإلكترونية وسرقة المعلومات".
على هذا المنوال تساءل متهكماً المحامي والناشط المعارض فراس عابدين حول الأمر في سياق المرسوم الأخير، بخصوص المعتقلين، شارك رأيه الفنان التشكيلي علي نيوف على صفحته على فيسبوك.
لكن يحذّر المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس الجمهور إلى عدم الانجرار إلى دعايات وتضليل النظام، إذ إن المرسوم ليس شاملاً كما يطبل له إعلام وأصوت محسوبة عليه أو تتقاطع بالمصالح على اعتباره المرسوم الأشمل.
يفنّد شماس المرسوم، ويكتب يوم أمس على صفحته في منصة فيسبوك، بعيداً عن التهليل لهذا العفو وأنه كبير وواسع وشمل السجون والمعتقلات والمطلوبين. فالعفو المذكور يشمل فقط المتهمين بتهم إرهابية المعاقب عليها في قانون الارهاب رقم 19 لعام 2011.
ولفت شماس، إلى إن الترويج لمرسوم العفو بأنه شمل كل المتهمين والمحكومين أمام محكمة الإرهاب، وإن محكمة الإرهاب ملزمة بتطبيق العفو وإطلاق سراحهم هو كلام غير دقيق. ووفق شماس فإن هذا العفو لا يشمل المتهمين بمخالفة المادة 285 و286 و287 و291 و292 و293، 306 رو307 من قانون العقوبات العام على سبيل المثال، وهذه المواد غالبا ما توجه للناشطين والسياسيين المعارضين لنظام الأسد.
إذاً المرسوم شمل فقط المتهمين بتهم ارتكاب عمل إرهابي، أما المتهمين بتهم ذات طابع سياسي على مواد قانون العقوبات مثلا المواد 285 و286 و287و291 و292 و293، 306 و307 وغيرها لم يشملهم العفو.
يضيف شماس، المعروف أن الأجهزة الأمنية دائماً توجه تهم للمعتقلين لديها تهم إرهابية وأخرى ذات طابع سياسي. وهناك عشرات الآلاف من المعتقلين متهمين بتهم إرهابية وأخرى ذات طابع سياسي وهذا يعني أنهم غير مشمولين بالعفو. وفصل شماس في سلسلة من التغريدات جوانب المرسوم والإطار العام للعفو والمراسيم والمواد القانونية في صفحته نضعها هنا.
ويتقاطع رأي شماس مع الكثير من السوريين حول أسباب صدور هذا العفو والهدف منه لخصه في ثلاثة بنود:
1- تخفيف الأثر الذي أحدثه اكتشاف مجزرة التضامن وما أثارته من ردود فعل واسعة.
2- حاجة الأسد إلى عودة الشباب السوري إلى سورية وعودة التحويلات المصرفية التي هو بأمس الحاجة إليها.
3- العفو عن شبيحته الذين ارتكبوا أعمال إرهابية.
ونصح المحامي المخضرم في الدفاع عن المعتقلين السياسيين حتى عهد قريب قبل سفره إلى فرنسا، نصح المطلوبين بالتروي وعدم تصديق ما يروج من أقاويل أنه سيتم استرداد مذكرات البحث والقبض وأنه بات بإمكانهم العودة دون مشكلات فهذا النظام لا يستطيع العيش لحظة واحدة دون كم الأفواه واعتقال الناس.
على هذا المنوال، يسوق نظام الأسد الآن لفكرة أساسية وهي حجم العفو باعتباره عفواً شاملاً، بينما عدد من خرج لا يتجاوز المئات حتى الآن. والمعروف أن المعتقلون بعشرات الآلاف في معتقلاته وسجنوه، إضافة إلى المعتقلين منذ بداية الانتفاضة الشعبية على خلفية النشاط السياسي والتظاهر السلمي. ما يعني وهو ما يتفق عليه الكثيرون الآن أن النظام بهذا العفو يعلن على نحو غير مباشر أن سجونه أصبحت فارغة من المعتقلين السياسيين والناشطين مادام أنه أخرج المتهمين بحمل السلاح وإرهاب المدن.. إلخ. يقول أحد الناشطين على فيسبوك مذكّراً بحادثة قديمة، في 16 تشرين الثاني 1991 عندما أعلن النظام عفواً شاملا عن 2864 سجين سياسي، كما كتبت صحيفة تشرين يومها بالبنط العريض على ثمانية أعمدة. ظهر لاحقاً، أن من أُطلق سراحهم فعلاً كانوا أقل من مئتين فقط.
إعداد وتحرير: وائل سليمان
ليفانت نيوز _ متابعات
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!