-
الماء يتحول إلى عُملة نادرة في بعض أحياء القامشلي
شفان إبراهيم
"اشتريتً قنينة ماءً بقين بدلاً من عُلبة سلس" هيا ابنة السبع سنوات، تنتظر كسائر أهالي الأحياء الكُردية في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، أن تسمع أصوات مولدات الماء تتحرك وتزرع الضجيج والغلبة في المكان. "لم أعدّ أرغب أن استيقظ، ليس لدينا ماءٌ لا للشرب أو للغسيل، شكراً لبابا لأنه أخذ ثيابي لغسلها في بيت عمي" تشرح هيا وضعهم اليومي. انقطعت المياه عن أحياء الكورنيش والسياحي وجميلة بوحيرد وبعض الأحياء الصغيرة الأخرى التي تقع في الجهة الغربية، والغربية الجنوبية من المدينة منذ قرابة الشهر. تنفخً هيا عبر وجنتيها، تُحرك شفتيها بلغة الاستفهام، وبتلعثم الأطفال، تُتأت ببضع كلمات غير مفهومة، ثم تقول: "ماذا ستفعلون لنا، أذهب إلى بيت جدي كي أستحمم" تعيش هيا مع أخويها وأختها وأبويها، يصرّ الستة للذهاب إلى منزل جدهم للاستحمام.
وتعاني تلك الأحياء من الانقطاع المتكرر للمياه على مدار الأعوام السابقة. وتتم تغذية المياه وضخها إلى الأحياء في مدينة القامشلي عبر الأبار الارتوازية والتي يصل عددها إلى 86 بئراً تتوزع على محطات الماء الثلاث في المدينة /الهلالية والتي تغذي قرابة 75% من أحياء المدينة وتضم 51بئراً، ومحطة الجقجق، ومحطة العويجة إضافة إلى خط داعم من محطة سفان و12بئراً موزعين ضمن الأحياء الشرقية من المدينة.
تضارب الأسباب لانقطاع المياه .
تعود الأسباب وراء الانقطاع المتكرر للمياه عن تلك الأحياء بحسب "روناك إسكان" المسؤولة في الدائرة العامة لمديرية المياه التابعة للإدارة الذاتية إلى "الوضع السياسي في المدينة" وتتهم روناك موظفي الدولة السورية بالتلاعب بـ(صمامات إغلاق المياه) أو كما تسمى بالعامية (السكورة) وتقول لـ"ليفانت": "المدينة تحتوي على سكرين أساسين، إحداهما في الحي الشرقي تحت سيطرة الإدارة الذاتية، والأخر ضمن المربع الأمني في المنطقة الغربية ويسمى سكر سندس، وعادة يتم توزيع المياه على المنطقتين بالتناوب، كل يوم دور منطقة".
وتشير روناك: "حين يأتي دور الحي الغربي، يدخل موظفي الإدارة المسوؤلين عن السكر ويقومون بتشغيله، لكن ما أن يخرجوا بحوالي ساعة، حتى يعمد موظفي الدولة إلى إقفال السكر والتحكم بمجرى الضخ نحو الأحياء الموالية له وتحديداً الوسطى، وحي طيّ، وطرطرب".
كما يقف الكاتب "عبدو شيخو" أمام مكتبته "بنداروك" في حيّ السياحي متأسفاً على ما وصلت إليه حالهم، ويتحسر من غياب المفاهيم الجديدة التي تدفع نحو تطوير المؤسسات الخدمية في الإدارة الذاتية ويقول: "المعضلة الأساسية هي في عدم وجود أي إستراتيجية لتخديم الناس وتقوية المؤسساتية ضمن الأجهزة الإدارية والتنفيذية للإدارة الذاتية"، ولا يخفي تذمره من ازدواجية السلطة والإدارة في المنقطة مؤكداً: "ما زال للنظام السوري يد في بعض المجالات، وهو يسعى للنيل من الإدارة الذاتية من خلال تأليب الناس عليها وإفشالها، وهو ما رأيناه في موضوع التنافس على المحاصيل الزراعية أيضاً".
منبع بين الماء، بين منع الاستغلال، وتذمر الأهالي
" بدنا ميّ نشعر أن الحيوانات تعيش أفضل منا فهي تشرب متى أرادت" بحنق كبير تشرح حُسن/27عاماً/ وضعهم الذي تُسميه "بالمزري"
"الوسخ والنشح عنوان بناياتنا، ومنازلنا، أينما يلتفت أحدنا، يجد الغبرة وتراكم الأوساخ والأتربة في كل مكان، فلا ماء لدينا هذه هي حياتنا باختصار" وتنتقد حُسن هدر المياه في بعض الأحياء وعدم توفرها في بعضها الأخر: " نعاني من حرماننا لأبسط حقوقنا، طالبنا بحفر الشارع للوصول إلى الخط الرئيسي فرفضوا بحجة أنه شارعً مُزدحم" قامت حُسن برفقة والدتها بمراجعة الهيئات المُخصصة لإدارة الأحياء من كومينات والبلديات دون نتيجة وتضيف: " كُلهم يكذبون علينا، وعودٌ بوعود، والنتيجة كذبٌ بكذب"، وتقول حُسن مستغربة: "لا يؤمنون المياه، ولا يسمحون لنا بشرائه، ولا يُعالجون المشكلة، والنتيجة نحن من يدفع الضريبة"
وبحسب المسؤولة في الإدارة الذاتية فإنهم منعو بيع الماء للموطنين بسب استغلال أصحاب الصهاريج لحاجة الناس: " أصدرنا تعميماً يمنع بموجبه بيع الماء للمنازل، بل التوزيع بالمجان عبر اللجان المخصصة من طرفنا كالكومينات وغيرها، وعلى أصحاب الصهاريج مراجعة دائرة المياه لأخذ مستحقاتهم"، وتتهم اوسكان بعض الأهالي بقلّة الوعي وصرف الماء بزيادة وتوجههم للتلاعب بالسكورات الموجود في الأحياء الشعبية.
بينما يذهب الكاتب شيخو في اتجاه أخر ويقول: "المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الإدارة الذاتية بحكم إدارتها للمنطقة وسيطرتها على كامل مواردها"، ويشرح مشكلة الهدر: "هناك ثقافة هدر للمياه لدى سكان المنطقة، وهي ثقافة تراكمية ناجمة عن فشل النظام السوري سابقاً في توعية الناس بأهمية المياه كمورد استراتيجي، ومرتبطة كذلك بانعدام المسؤولية لدى الجميع، لكن كل ذلك لا ينفي مسؤولية الإدارة الذاتية، ففي حيّنا مثلاً ليس هنالك مياه حتى نهدرها"!
مشكلة متفاقمة وحلول جذرية غائبة
خلال السنوات الثمان التي مضت، عجت المنطقة بمئات المنظمات والهيئات والفعاليات المدنية، وقُدمت آلاف الأنشطة لكن الملفت والمؤسف كان غياب الأهتمام بالأمن المائي للمنطقة ويشرح شيخو ذلك قائلاً: "مدينة قامشلو تتوسع بشكل هائل ومتسارع والموارد المائية هي ذاتها، لذلك أخشى أن تواجه المدينة والمناطق المحيطة بها واقعاً أكثر مرارة مستقبلاً".
ما أن انتهت الحرب حتى تأمل الناس خيراً بحسب شيخو الذي يدعو للتركيز على حياة الناس اليومية والعمل على توفير الخدمات، لا حرمانهم من أبسط حقوقهم مشيراً: " الواقع الخدمي يتراجع ويزداد سوءً، وهو عكس ما تأمله الناس بعد انحسار الحرب بشكل جزئي". وينتقد شيخو الإعلام والقوى المجتمعية والثقافية والسياسية في المنطقة ويصفها: "مهتمة بالكيدية والتبعية والتشويه المتبادل للحصول على مكاسب فئوية أكبر، بينما المواطن منهمك بالحصول على مياه تكفيه لسد رمقه والعيش بشكل كريم لبضعة أيام"، ويرى شيخو أن احترام المواطن وحقوقه وإنسانيته هي جوهر الحياة الإدارية السلمية وهي ويصفها بالقضية القومية والوطنية والديمقراطية الأكثر أهمية، "لا ننام ونحن ننتظر تعبئة خزاناتنا المنزلية بالماء، أهملنا أعمالنا وحياتنا كلها ونحن نجري خلف صهاريج المياه ونستعطف أصحابها كي نؤمن مياهاً تكفينا ليومين أو ثلاثة ".
تُدافع أسكان عن مساعي الإدارة الذاتية لحل المشكلة من جذرها وتصرّ أن الإدارة الذاتية تبحث عن الحلول الممكنة لإنهاء الأزمة التي تعتقد إنها تمر عبر مراحل مرتبط بثلاث مُحداتوتشرحها لنا: " الأولى كانت عبر توزيع المياه بالمجان على الأهالي، وسيتم خلال الأيام القليلة المقبلة زيادة عدد الصهاريج من 10 إلى 20 صهريج، ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي قيام فنيين بتنسيق مع خبرات قديمة عن طريق تنظيم برامج ضخ المحطات، بالإضافة إلى مراقبة سكورة الأساسية إضافة إلى تنفيذ توصيلات وخطوط داعمة الأحياء التي تعاني النقص، مثل السياحي وشارع الوكالات وقد تم تنفيذ يوم الثلاثاء خط داعم للسياحي من محطة الجقجق واتى بنتيجة جيدة، بينما الثالثة فهي بعيدة المدى هي زيادة المصادر المائية في مدينة قامشلو بحفر ١٢ بئر ارتوازي موزعة ضمن محطات وإنشاء محطة في حيّ قناة السويس في شرق المدينة "
تعود حُسن لهدوئها، " بدنا نشتري ميّ، مافي أيّ مشكلة، وبندفع2000 ليرة سوريا عن كل صهريج، فعلاً صدق من قال الماء هو الحياة"، وتعيش حُسن في حيّ السياحي والذي يُعاني من تكرار أزمة المياه منذ ثمان سنوات وتضيف: "في الصيف نتحسر على رؤية المياه وكأنه من نوادر الحياة، وفي كثيراً من الأحيان ننتظر الماء حتى ساعات الفجر الأولى في أيام الشتاء" حُسن وغيرها كُثر لا ينظرون إلى الأمور إلا من منظار الحصول على الحل فقط مشيرة إلى: "أنا وغيري مللنا وأًصبن بالقرف نتيجة تكرار الحديث نفسه، والوعود عينها، نُريد التطبيق الفعلي، ثمان سنوات ونحن نتمنى أن نعيش ويتوفر المياه لدينا كباقي البشر، فقط نريد الماء، حتى أبسط حقوقنا أصبحت من المشكلات العميقة".
من جهتها تُعيد " روناك أسكان " مشكلة حيّ السياحي إلى كونه حيّ مرتفع والأحياء المجاورة لها ونظراً لانخفاضها عن مستوى الحيّ، فإنها تأخذ حصتها أولاً ولهذا لا يحصل الحي على كفايته وترى أن حل المشكلة من جذرها يعود إلى: " زيادة ضغط شبكة المياه، وتنفيذ خطوط الداعمة لها " وهو ما لم تقم به الإدارة الذاتية حتى الآن "ولن تقوم به أبداً " وفق قناعة حُسن.
مطاليب شعبية
يشرح شيخو رؤيته للحل التي يعتقد إنها تتجاوز قضية المياه: " المطلوب هو حلٌّ جذري ينهي المأساة ويؤسس لتعامل جدي ومؤسساتي مع موضوع التخديم المجتمعي". وينتقد عمل الإدارة الذاتية التي يعتقد إنها تعاني من خلل كبير في المؤسساتية، مضيفاً: "يكمن الحل في إعادة هيكليتها وتطعيمها بالخبرات اللازمة وأتباع نهج شفاف في الكشف عن مواردها وميزانياتها وطرق صرف تلك الميزانيات". ويستغرب شيخو من الحديث الدائم عن إدارة المجتمع لنفسه، "لو كنت أدير نفسي بنفسي، لما انقطعت المياه عن منزلي شهراً كاملاً "!
تطالب هيا بحقوقها: " من حقي أن أستحمم بحمام منزلي، البارحة سمعت والدتي تقول لوالدي، أخجل من الاستحمام في منزل أخوتك ".
أما حُسن تتحدث وهي تحاول فك شعرها الملتصق ببعضه نتيجة عدم الاستحمام من ثلاث أيام "لاماء، لا كهرباء، رائحة القمامة تفوح من الشوارع، بدنا حل يا إدارة ذاتية "
الماء يتحول إلى عُملة نادرة في بعض أحياء القامشلي
الماء يتحول إلى عُملة نادرة في بعض أحياء القامشلي
الماء يتحول إلى عُملة نادرة في بعض أحياء القامشلي
الماء يتحول إلى عُملة نادرة في بعض أحياء القامشلي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!