الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
اللغة كأداة ثورية..عبارات ومفردات خالدة
اللغة كأداة ثورية..عبارات ومفردات خالدة

نور مارتيني


لقد أحدثت الثورة السورية تغييراً ملحوظاً في المعجم اللغوي الخاص بالسوريين، بل إنّ السوريّ المعارض لنظام الأسد صنع هوية لغوية خاصة، من خلال طبيعة المصطلحات التي يستخدمها في حياته العامة، وفي سياق الأحاديث اليومية.



من السهولة بمكان لمن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي أن يلاحظ الفوارق اللغوية الشاسعة بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه، فعلى سبيل المثال، لم يعد السوريون المعارضون لنظام الأسد يقبلون الأخطاء، وبالتالي لم تعد لديهم مقدّسات يكترثون لأمرها، ولذلك تجدهم يطلقون العبارات الساخرة التي تنال من كيانات المعارضة وتنتقد سلوكياتها، قبل انتقاد سلوكيات النظام، فيما يتعرّض مؤيدو النظام للتنكيل إذا تسبّب انتقادهم للمعارضة بالإساءة لرموز النظام، فتراهم شديدي الحرص عند اختيار مفرداتهم.


ومع مرور الوقت، باتت بعض المفردات والعبارات تشكّل جزءاً من هويّة الثورة، لأنّها مرتبطة بمفاصل مهمة في مسار هذه الثورة، ولأنّها انتشرت بسرعة الرّياح عبر وسائل التواصل الا جتماعي، وساهمت في تقديم شهادة تاريخية عن طبيعة تلك المرحلة؛ هذه العبارات التي تجاوزت حدود سوريا لتصل إلى وسائل الإعلام العالمية والعربية، وتمنح الثورة السورية زخماً إعلامياً كبيراً في مرحلة من المراحل.


اقرأ المزيد: مصادر محلية: حشود عسكرية إيرانية وروسية في إدلب


عبارات ومفردات خالدة


مثال على هذه الأمثلة، مقولة "عمو أنا عايشة؟!"، والتي ترتبط في الذاكرة بمجزرة الكيماوي في الغوطتين عام 2013، والتي أودت بحياة 1700 شخصاً، معظمهم من الأطفال، الطفلة كانت مذهولة لكونها ما تزال على قيد الحياة.


عبارة "أنا إنسان ومالي حيوان" في البدايات، والتي قالها أحد أهالي مدينة جسر الشغور، عام 2011، وضمن سياق التغطية الإعلامية لما عرف بمذبحة الجسر عام 2011، والتي سلّطت الضوء على المطلب الأهم من مطالب الثورة، وهو الحرية واحترام حقوق الإنسان.


"رح احكي لله عن كلشي"، و"عمو لا تقصلي بيجامتي الجديدة" عبارة أطلقها أطفال من مدينة حلب تختصر فصول المعاناة الاقتصادية والإنسانية التي عاشتها حلب، إبان الحملة الشرسة التي شهدتها المدينة من قبل النظام والميليشيات الإيرانية والروسية.


"يا الله ارحل يا بشار"!" التي أطلقها قاشوش حماة في مظاهرات ساحة العاصي التي قام النظام بقمعها بكل الوسائل، والتي تحوّلت إلى هتاف رئيسي في كلّ المظاهرات، وبات لكلّ محافظة قاشوشها الخاص الذي يردّد عبارات تعبر عن مطالب المنطقة بعينها.


بالمقابل برزت مفردات ناقدة، تحمل إيحاءات سلبية، لتعبّر عن المواقف الرافضة، فعلى سبيل المثال، اعتمد اعلام المعارضة قبل سواه مصطلح "داعش" للحديث عن تنظيم الدولة الذي أصدر عقوبات في مناطق نفوذه ضدّ كل من يستخدم هذا المصطلح.


كما اعتاد إعلاميو إدلب، المعارضين لسياسات الفصائل المتطرّفة بإطلاق تسميات "هتش" بدلاً من هيئة تحرير الشام و"جبهة العهرة" بدلاً من جبهة النصرة"، بالرغم من الممارسات القمعية والاعتقالات التي تقوم بها هذه الفصائل، كذلك أطلقوا تسمية "جيش الأفلام" بدلاً من "جيش الإسلام"، في موقف معلن من سياسات هذا الفصيل بالمقابل أطلق الناشط السوري "بشر حاج ابراهيم" تسمية "حالش" على ميليشيا حزب الله.


أما تسمية "الاعتلاف" التي أطلقها الصحفي السوري صخر ادريس في انتقاده لممارسات الائتلاف الوطني السوري بعد تأسيسه بفترة قصيرة، حيث باتت وسماً رئيسياً لدى كلّ من ينتقد هذا الجسم السياسي، فتعبّر عن رفض المعارضين السوريين لتمثيلهم، إضافة إلى إطلاقه لوسم "الناشتين والناشتات، والذي اعتمد أيضاً من قبل السوريين للسخرية من نقل الأخبار الزائفة وغير الصحيحة.



اللغة وتمثيل الحراك الثوري تاريخياً


يرى السوري بشر الحاج ابراهيم أنّ دور اللغة والعبارات الخاصة في تمثيل الحراك الثوري ليس دوراً جديداً بل إنّ له جذوره التاريخية، في سوريا، منذ القرن الماضي.


يقول الحاج ابراهيم" بعض المصطلحات الموجودة استعملت قبل الثورة بشكل عابر وغير محسوس. ويكفي أن نشاهد مسلسلات سورية ما قبل الثورة مثل ضيعة ضايعة لنجدها هنا وهناك متسللة كلغة قريبة إلى قلوبنا" حيث يوضح دور الإعلام في نشر هذه المصطلحات، وتوجيه الرأي العام فيما يتعلّق بطبيعة المفردات والمعجم اللغوي المستخدم، سيما ذاك الذي اعتادت وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري، خلال مرحلة ما قبل الثورة.


ويعود بشر الحاج ابراهيم إلى القرن الماضي ليوضح طبيعة توظيف المفردة منذ القرن الماضي: "وينك يا سوري وينك أتت من عبارة وينك يا أخو سمية وينك، وهي عبارة أدهم خنجر الشهيرة التي قالها ملتجئاً من الغوطة إلى الجبل وديار سلطان باشا الأطرش". ويتابع: "هي بذلك تمثل تطويع التاريخ السوري لصالح الثورة".


اقرأ المزيد: عبد الوهاب المنلا…ذاكرة ثورة


مصطلحات خلّدتها الثورات


بعض المصطلحات، تمّ استخدامها في سياق مختلف عن السياق الذي وردت فيه، غير أنّها خرجت من ذلك السياق الضيق إلى سياق أشمل، من بين تلك المصطلحات بحسب الحاج ابراهيم "هنالك عبارات مثل (اللي بيقتل شعبه خاين) تم إبداعها وكانت موجهة ضد القذافي في البدء، ولكنها أتت في صميم النظام السوري، وتحولت لاحقاً لأغنية"، في إشارة إلى الدور الذي أضفته الثورات على طبيعة الخطاب الشعبي، ونقله من نطاقه المحلّي، حيث أن الكثير من العبارات تتشاركها العديد من الثورات في تعبيرها عن رفض الظلم.


ويتابع في معرض توضيحه لطبيعة العبارات التي استخدمت في الثورة السورية: "المصطلحات أو العبارات الخالدة في الثورة السورية نوعان: عبارات أبدعتها الثورة السورية ضمن سياقها ونطور أحداثها مثل عبارة "الشعب السوري ما بينذل" ، وعبارات موجودة مسبقاً في الثقافة الجمعية السورية ولكن تبنتها الثورة بشكل عفوي أو مقصود مثل "مرتي تاج راسي"، لافتاً إلى أنّه "سواء الإبداع أو التبني، كان كل منهما إما عفوياً أو مقصوداً بهدف نبيل واحد هو رفد الثورة بالرصيد الثقافي المرتكز على اللغة".


ويستطرد بشر الحاج ابراهيم موضحاً أن النظام أيضاً استخدم مصطلحات خاصة به تداولها مؤيّدوه: "النظام أيضاً استخدم مصطلحات ذاقها الفشل وأثارت السخرية مثل (خلصت)، لكن بعضها كان مدروساُ وممنهجاً مثل الله سوريا بشار وبس كبديل لهتاف الله سوريا حرية وبس".


 



اقرأ المزيد: هيومان رايتس ووتش قلقة من إصابة المعتقلين السوريين بالكورونا


إحراج الطغاة والخطاب المضاد


أطلق "بشر الحاج ابراهيم" مصطلح "حالش" الذي تمّ تبنيه لاحقاً من قبل نطاق واسعٍ من المعارضين، ليصبح ذا سمة خاصة في الخطاب المعارض.


حول هذا المصطلح، يقول: "نرى خوف النظام من تلك المصطلحات عبر وقوفه بوجهها،.

فعبارة حالش التي تصف حزب الله اللبناني الشيعي تمت محاربتها لدرجة أن منشوراً فيسبوكياً استخدمه على صفحة القوات اللبنانية تم محوه إثر التواصل بين مسؤولين لبنانيين".


ويلفت الحاج إبراهيم إلى أنّه ليس النظام وحده من يخشى هذه المصطلحات، بل إن مصطلح داعش أسهم في تقليص شعبيته فيقول: "مصطلح داعش ساهم كثيرآ في تخفيض شعبيتها وضرب اسمها كدولة"لافتاً إلى أنّ "هذا المصطلح دعمه الشرق والغرب لأهميته".


وحول جيل الثورة وتأثرهم بهذا النوع من الخطاب يختم الناشط السوري الدكتور بشر الحاج ابراهيم: "ما زال الكثير من تلك المصطلحات مستخدماً في الأوساط السوري، ويشكل ثقافة تسيطر على الجميع سواء الثوار أو المؤيدين أو الرماديين".


ويتابع: "ويكفيني ثقة بتلك الثقافة أني سمعت طفلين سوريين يصيحان ضاحكين يوماً في أحد المراكز التجارية احتجاجاً على والدهما لأنه رفض شراء غرض طلباه: "الشعب يريد إسقاط بابا".

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!