الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
اللاجئون السوريون في تركيا.. جوكر للسلطة بمختلف الجبهات
تركيا واللاجئين السوريين - ليفانت نيوز

مع مرور أكثر من عقد على المعضلة السورية، ونتائجها الكارثية على السوريين والبلدان المجاورة، برزت تركيا كلاعب قوي في ملف المهاجرين، فاستطاعت استغلاله أيما استغلال، إن عبر رفد قطاعتها الإنتاجية والصناعية بأيد عاملة رخيصة ومنتجة، وإن عبر تهديد أوروبا المتواصل، والذي كانت نتيجته اتفاقية في العام 2016، تلقّت بموجبه -وما تزال- أنقرة سنوياً مليارات اليورويات، لمنع السوريين من التوجه غير المشروع للقارّة العجوز.


اقرأ أيضاً: إيفين.. فاضحاً المستور ومعرّياً قمع طهران

لكن كل ذلك لم يكفِ أمام تيارات تركية شعبية، للإفصاح العلني عن رفض تواجد السوريين داخل تركيا، والمطالبة المستمرة بترحيلهم، علماً أنّ الأجدى بهؤلاء دعوة بلادهم إلى كف يدها عن التدخل في الملف السوري، وتمويل وتسليح عشرات المليشيات المسلّحة المؤتمرة بإمرة أنقرة، والمنصاعة تماماً لرغباتها وأجنداتها على الأرض السورية.


اللاجئون السوريون في تركيا - ليفانت نيوز

دعوات تحريضية من المعارضة التركية


فلجأت المعارضة التركية، في بداية يوليو الماضي، إلى إطلاق وسوم تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي، دعت فيها إلى ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مستغلين إعلان فتح المعابر الحدودية أمام الراغبين بقضاء "إجازة العيد" داخل مدنهم وقراهم في الشمال السوري، حيث دعت بعض الحسابات إلى إعادة السوريين وعدم السماح إلهم بالعودة إلى تركيا، متسائلة: "لماذا لا يبقى اللاجئون في بلدهم إن كانوا يستطيعون زيارته؟".


اقرأ أيضاً: نصف قرن.. بين النساء في شرق سوريا وغربها

فيما تعهد كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، في التاسع عشر من يوليو، بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في إطار خطة قال إنها جاهزة وتتيح إعادتهم خلال عامين فقط، عقب التصالح مع النظام السوري، وذلك في حال وصول حزبه إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة منتصف عام 2023.


السلطة تحوّل اللاجئين لسلاح انتخابي


ليرد على تلك الدعوات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر تعهده بأنّ بلاده لن تلقي باللاجئين السوريين في أحضان “القتلة”، ما دام هو في السلطة، قائلاً: “ما دمنا في السلطة بهذا البلد فلن نلقي بعباد الله، الذين لجؤوا إلينا، من أحضان القتلة”، مردفاً: “أقولها بوضوح، هؤلاء طرقوا أبوابنا واحتموا بنا، ولا نستطيع أن نقول لهم عودوا من حيث أتيتم”.


اقرأ أيضاً: طالبان تدنو من قلب موسكو.. ونيل الاعتراف منها

مشيراً إلى أنّ “عودة اللاجئين إلى ديارهم تكون طوعاً وبشكل آمن وفقاً لقواعد الأمم المتحدة”، زاعماً أنّ “تركيا تواصل بناء منازل مؤقتة من الطوب للسوريين في مناطق المخيمات بشمال سوريا، وتم الانتهاء من بناء 50 ألف منزل من أصل 100 ألف”، علماً أنّ تلك التصريحات تتنافى مع إجراءات تركية سابقة، عمدت فيها لترحيل السوريين إلى الداخل السوري، عندما تطلبت مصالحها ذلك، وهو ما يمكن تفسيره ببراغماتية تركية تجعلها تُصيّر ملف اللاجئين بما يرفع من أسهمها داخلياً أو خارجياً.


صراع.. يدفع ثمنه اللاجئون


بين شدّ المعارضة وجذب السلطة، يدفع اللاجئون السوريون ثمناً مضاعفاً، وكانت أحداث عنف شهدتها العاصمة التركية، أنقرة، مثالاً صريحاً عليه، عندما تحوّل، في الثاني عشر من أغسطس الماضي، جدال بين لاجئين سوريين ومواطنين أتراك، حول قضية تواجد اللاجئين في تركيا، إلى شجار حاد، أسفر عن تعرض شابين تركيين لعملية طعن على يد سوريين، قتل أحدهما في أعقابها.


اقرأ أيضاً: الجيش التركي خارج الحدود.. الخسائر متكررة والعبرة في سوريا

ليدفع ذلك بمئات الأتراك إلى الاحتشاد والتوجه نحو الأحياء التي يقطنها سوريون في أنقرة، حيث طالت هجماتهم محلات السوريين وبيوتهم وأرزاقهم، بالكسر والحرق، فيما اتهم ناشطون سوريون الشرطة التركية بمحاباة المتظاهرين الأتراك، وإفساح المجال لهم للنيل من السوريين، علماً أنّ معظم من تعرّض للهجمات، كانوا داخل بيوتهم، لكنهم لم يأمنوا، حتى وهم فيها.


وقبل تفرق المحتجين الأتراك، طالبوا بـ“إبادة اللاجئين” و”عدم فتح محلاتهم مرة أخرى”، فيما أشار مكتب محافظ أنقرة، إلى أنّه جرى إلقاء القبض على الرعايا الأجانب (في إشارة للسوريين) الذين نفذوا الحادث واحتجازهم.


السلطة وخطابها الجديد.. إثارة للقلق


ليس ذلك فحسب، فلم يمر وقت طويل، حتى بدأ موقف النظام التركي بالتأرجح والتآكل، إذ قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في الثاني عشر من سبتمبر الجاري، إن بلاده تشهد تعاوناً أفضل من المجتمع الدولي للعودة الآمنة للاجئين، كاشفاً أن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، قدم إلى تركيا مؤخراً، وأنهم يعملون مع المفوضية لإعادة اللاجئين الآمنة إلى بلدانهم، وخاصة سوريا.


اقرأ أيضاً: روسيا والاختبار الإسرائيلي في سوريا.. إخراج إيران أو القصف

وأشار تشاووش أوغلو إلى أنّ "تركيا هي البلد الذي يستضيف العدد الأكبر من السوريين"، لافتاً إلى "أنهم بدؤوا بمبادرة تعاون مع دول الجوار التي تستضيف السوريين، وهي لبنان والأردن والعراق"، وهو ما اعتبر تصريحات جديدة من نوعها، قد تحمل لاحقاً، ضغوطات من السلطة التركية على اللاجئين السوريين، لإعادتهم الإجبارية إلى الداخل السوري.


وقد يحصل ذلك على غرار ما جرى العام 2019، عقب ما سمي بعملية "نبع السلام"، التي استولت فيها أنقرة ومسلحو المليشيات السورية التابعة لها، على مدينتي (رأس العين وتل أبيض) شمال سوريا، إذ سعت أنقرة حينها لإقناع العالم بمشروعها حول ما سمي بـ"المنطقة الآمنة"، فلجأت إلى ترحيل مئات السوريين إلى تلك المنطقة المزعومة، لكنها أخفقت في إقناع العالم بذلك المشروع المُدمر، كونه قائماً على تهجير شعوب المنطقة الأصلية، لتوطين آخرين عوضاً عنهم، في هندسة ديموغرافية واضحة للشمال السوري، بما يواتي أهواء نقرة.


تحذيرات أممية


وهو ما دفع ربما الأمم المتحدة عقب يومين من التصريح التركي، وتحديداً في الرابع عشر من سبتمبر، إلى التحذير من عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إذ قال رئيس لجنة التحقيق الأممية لسوريا، بولو بينيرو، في مؤتمر صحافي: "بعد عقد من الزمن تواصل أطراف النزاع ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتقويض حقوق الإنسان الأساسية للسوريين"، وأضاف، أنّ "الحرب ضد المدنيين السوريين مستمرة ومن الصعب عليهم إيجاد الأمان أو الملاذ الآمن في هذا البلد الذي مزقته الحرب".


ولا تقتصر المخاطر على إعادة اللاجئين، بل تمتد إلى محاولة السوريين اللجوء إلى تركيا، إذ يستمر الجيش التركي، المأمور من قبل سلطات أنقرة، التي تدّعي الدفاع عن اللاجئين السوريين، باستهدافهم، فذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الثامن عشر من سبتمبر، بأن قوات حرس الحدود التركية "الجندرما" قتلت رجلين من محافظة دير الزور، وتستمر في استهداف "السوريين الفارين من الأوضاع الكارثيّة”.


وأكد المرصد، حينذاك، أنّ مجموع الضحايا السوريين وصل إلى 26، بينهم سيدة و6 أطفال، منذ مطلع العام 2021، برصاص قوات حرس الحدود التركية "الجندرما"، بجانب توثيقه تعداد المدنيين السوريين الذين قتلوا برصاص قوات "الجندرما"، منذ انطلاق الاحتجاجات السورية في العام 2011، وهم 485 مدنياً، من بينهم 88 طفلاً دون سن الـ18، و45 مواطنة فوق سن الـ18.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!