-
الكورد والحياة الكريمة
واستمر الحال، والصراع بين الكورد لم يتوقف، وخلال الصراع بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الرومانية كان الكورد هم السور أو بمثابة اليد التي يضرب بعضهم البعض، حيث كانت مناطق تواجد الكورد حدوداً متداخلة بين الإمبراطوريتين، كالعصا، يستعملها كل طرف فيقوم برفعها وتوجيهها نحو الآخر، وأثناء الصراع بين الصفويين والعثمانيين كانت جيوش الطرفين مكونة من أبناء الكورد، قتل شباب الكورد في حروب وثورات لا ناقة لهم ولا جمل فقط نتيجة صراعات بين الآخرين، بعدها تم ترسيم الحدود بين الدولتين على حساب الكورد وكانت بداية تقسيم كوردستان.
والمؤامرة الكبرى التي تعرض لها الكورد عندما انقسمت أرض كوردستان إلى أربعة أجزاء بين أربع دول باتفاقية مشؤومة، اتفاقية لوزان، وعرَّابا هذه المؤامرة هما فرنسا وبريطانيا.
وهنا، وإن أمعنَّا التفكير والتعميق في البحث والدراسة يجب ربط هذه الصراعات بالسياسة، وذلك عندما قامت بريطانيا وفرنسا ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية بتقسيم المنطقة لم يكن عن عبث، بل كان عن دراية ودراسة عميقة، تمت في غرف مظلمة -وهذه السلسلة المظلمة كانت وليدة حسابات أيادٍ خفية موغلة في التاريخ- وخاصة في ما يتعلق بالقومية الكوردية والتي كانت تشكل ثالث قومية كبيرة على مستوى الشرق الأوسط بعد القومية العربية والفارسية، وعندما تمَ تقسيم القومية الكوردية بين أربع أو خمس دول لاعتبارات بعيدة المدى لدى هذه الدول.
وعند إلحاق كل جزء من أجزاء كوردستان الأربعة بدولة غاصبة، تختلف أيديولوجيته وسياسته وتحالفاته واتفاقياته، مما جعل الصراع يحتدم بين الكورد كلما احتدم الصراع بين هذه الدول الأربعة، تركيا، إيران، سوريا، العراق، هذا الصراع الذي بدأ آنذاك ومازال مستمرَّاً حتى الآن.
بدأ التفكير بتوزيع القومية الكوردية عندما وصلوا إلى قناعة أن الإنسان الكوردي لن يتخلّى عن عناده وحِدَّة طبعه، وأيضا عاطفته التي يتم استغلالها من قبل أعدائه في كل شاردة وواردة، وأيضاً عدم قدرتهم من تسيير الكورد حسب رغباتهم، فالكوردي متمسك بالمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة.
لم ولن ينسى الغربي ما فعله القائد الكوردي صلاح الدين الأيوبي، من تقوية عماد الدول الإسلامية وتحطيم كافة مخططات الغرب آنذاك وتأسيس دولة مترامية الأطراف وطرد الصليبيين من القدس، الغرب متخوفون من هذا التفكير الكوردي المبدئي اتجاه تفضيل العدل والتسامح، أو بالأحرى عاطفته السمحة على قوميته، وتطبيقه لتعاليم هذا الدين الذي يقوي أركانه على الديمقراطية والاعتدال والمساواة، وهذا ما لا يقبله الغرب من وجود دولة إسلامية -ذات عقلية معتدلة- قوية مترامية الأطراف، التي بذلك تقوّض مخططاتهم ومشاريعهم ومصالحهم في المنطقة.
والنقطة الأخرى، هو أنّ الغرب يعمل على إيجاد دول ضعيفة مخلخلة من الداخل يسهل تسييرها حسب رغباتها ونهب خيرات شعوبها.
وعندما تم توزيع الكورد بين تلك الدول ليبقى هامش من الخلل، وتكون ورقة ضغط عند الطلب، وتخويف تلك الحكومات بهذه الورقة الكوردية بعد أن غرس في عقولهم الديكتاتورية اتجاه شعوبهم، والشوفينية والعنصرية اتجاه الشعب الكوردي.
استمر الوضع على هذه الحال، غابت الديمقراطية والحرية عن كافة شعوب المنطقة من العرب والترك والفرس، أما الكورد بالإضافة إلى غياب الحرية والديمقراطية، زادت الممارسات الاضطهادية والشوفينية، وما حصل أن شعوب المنطقة كانوا يبحثون عن هامش الحرية المدنية والديمقراطية، فقامت تلك الحكومات، وبمساعدة الغرب، بغرس العقلية العنصرية بين شعوب المنطقة والكورد، وأوهمتهم أنّ أسباب جميع مشكلاتهم هم الكورد ووهم النزعة الانفصالية.
لذلك اقتادت الحكومات الديكتاتورية على الصراع بين شعوب المنطقة والشعب الكوردي وتوسيع هوة الحقد والكره بينهم. وما يحصل الآن في المنطقة نتيجة أفعال الغرب وبمساعدة حكومات المنطقة، هذه الحكومات كانت وما زالت مقاولات وشركات ربحية تنفذ مصالح الغرب.
لذلك على شعوب المنطقة معرفة حكامهم قبل أن يطالبوا بالتغيير، فتغيير الظروف والمناخات لصالح الشعوب يبدأ من الفرد نفسه، وهذا ينطبق على الكوردي أيضاً، يجب أن يدرك أن صراعه مع أخيه الكوردي ليس سوى أفكار غرسها الأعداء في عقولهم، ووهمهم بأيديولوجيات مقيتة ليس للكورد فيها سوى الخراب والدمار، وما على الكوردي غير أن يتناغم مع حاله، وترك ما هو عفن من الأفكار، بذلك نوحد الصفوف ونقوي أواصر اللحمة القومية والوطنية بين أبناء الشعب الكوردي الواحد ومن ثم مع كافة مكونات المنطقة، للعيش حياة كريمة ملؤها الخير والوئام.
ليفانت - عز الدين ملا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!