الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الكورد في إيران بين التغييب الداخلي التهميش الدولي

الكورد في إيران بين التغييب الداخلي التهميش الدولي
شفان إبراهيم

تُعتبر القضية الكُرية في إيران العامل الأكثر تغييباً عن السياسات المُعلنة أو المُشتغل عليها في الشرق الأوسط، أو ضمن أروقة النظم الحاكمة والفاعلة في المنطقة. ففي العقد الأخير برز الكورد في العراق وفي سوريا كقوة فاعلة في محارب الإرهاب، وكان للاستفتاء في إقليم كُردستان مكانة الصدارة في المسرح السياسي الدولي، وأن تراجع الاهتمام بالكورد في تركيا لصالح أقرانهم في سوريا، إلا أن الغائب الدائم كانت القضية الكوردية في إيران.


ينتشر الشعب الكوردي في إيران على خمس محافظات رئيسية هي كُردستان، سندج، إيلام، أورميا وأكبرها كرمنشاه وتتوزع باقي القرى والمناطق الأخرى عليها، ويشكل الكورد 13/15% من مجموع الـ/80/مليون نسمة منتشرين في مناطقهم، إضافة إلى مليون كُردي في خراسان الشمالية ومليون أخر  في طهران، لكنهم لا يشلكن أي قوة ضاغطة أو عامل توتر مستقبلي للنظام الإيراني في عاصمته. فالتشارك في المذهب بين الأذريين والإيرانيين، دفع الأخير لإفساح المجال لهم للسيطرة على الاقتصاد المرتبط بالطبقة الحاكمة مُباشرة كما أن الأول يعيش أزمة تُسمى الوجود الكوردي في عموم إيران، وتتعمق الخلافات بينهم بسبب اللعب على وتر الخلاف الديني ما بين السنة والشيعة وتلعب الأسباب الجغرافية والحدود الإدارية دوماً خلافات واحتكاكات بينهم، كما أن جزر الخلافات لا تنفصل عن فترة إعلان جمهوريتي أذربيجان ومهاباد.


العامل المشترك في إبراز الكورد، كانت المصالح الأمريكية وعلاقتها مع النظام الحاكم في العراق وثم في سوريا. بالمقابل فإن النزاع أو لنقل التوترات بين أمريكا وإيران، لم يدفع بالعامل الكوردي أسوة بباقي الدول للتعاطي والتواصل، ما يشي بنوع من العلاقات السرية أو عدم الرغبة الجادة في توجيه ضربة قاصمة للنظام الإيراني، أو رُبما لم تتصدر القضية الكوردية في إيران الأولوية لدى أمريكا والغرب، خاصة وأن الدول الغربية وأمريكا تُخضِع علاقاتها مع الكورد بحسب سياساتهم الخارجية مع الدول والأنظمة الحاكمة.


يحمل الكورد في إيران إرثاً نضالياً تراكمياً لا يمكن تجاهله. فالحكم الذاتي والحرية التي ينشدها الكورد في سوريا، والتي عاشها الكورد في العراق منذ بدايات التسعينيات قبل أن يُنكس النظام العراقي الأسبق وعوده حول الحكم الذاتي في السبعينيات، هي عينها التي حظي بها –الكورد في إيران-  إبان إعلان جمهوريتهم في مهاباد 1946، ودورهم الفاعل في الثورة الإيرانية ما بعدها عام1979، فتكّون عبر ذلك إضافة إلى ثورات البارزانيين منذ عهد الانتداب البريطاني، شكلّا معاً الباعث للفكر الهوياتي القومي للكورد في القرن الحديث كقوة فاعلة وكيان مُتأسس، ونشر المفاهيم القومية إلى باقي الأجزاء الأخرى، وكأول جمهورية كوردية حديثاً.


وعلى الرغم من إنها ثاني أكبر مساحة جغرافية لشطر كُردستاني، ويعيشون اختلافاً أثنياً عن نظرائهم الكورد الآخرين اللذين يعيشون في وسط عرقي مُركب في تركيا وسوريا والعراق ما بين الكوردية والقوميتين العربية، التركية، لكن الوضع في إيران يختلف، وسط 6 قوميات وأعراق مختلفة وبعض الاثنيات الدينية الصغيرة، ويشكلون ثالث مجموعة عرقية قومية في إيران، وعلى الرغم من أن لا سطوة ولا دور ديني فعّال للتعريف بالقضية القومية والهوية الكوردية في إيران، خاصة وأن الغالبية الساحقة هم من السُنة، ومع تمركز الكورد الشيعة في إيلام وكرمنشاه. فإن التعريف المحدد الوحيد للكُرد في إيران يتجسد عبر تمازج القومية مع الطرح السياسي فحسب، لكنهم يعانون من ضربات وفواتير باهظة، خاصة وأن إيران تتجاوز في علاقتها مع الكورد قضية هيمنة الدولة وسلطتها، لتصل إلى تمازج القومية واللغة والهوية مع المذهب الديني.


 ومع ما تتمتع به المنطقة الكوردية في إيران من خيرات اقتصادية وفيرة وامتلاكهم لقوة عسكرية مُدربة "قوات البشمركة"، فإنهم يفتقدون للوزن الاقتصادي المحلي والسياسي الدولي؛ لأسباب قدّ تتعلق بالوضع الدولي إزاء إيران. فالجمهورية الإيرانية لم تشهد أي حالة احتلال على مر تاريخها، كي تكون هناك قوة أجنبية تعترف أو تتعامل مع التعددية القومية والاثنية، كما إنها لم تشهد تعددية سياسية في الانتخابات كحال العراق وتركيا، ولم يكن للعقوبات أو الضواغط الدولية أيَّ أثراً في مجال حقوق الإنسان وحقوق القوميات.


تتوزع الخارطة السياسية الكوردية في إيران إلى قسمين، خمسة أحزاب رئيسية هي في جوهرها حزبان فقط، لكنها تعرضت للانشقاقات، فالكوملة وهي حركة ماركسية تأسست نهايات 1969 بشكل سري في المناطق الكوردية في إيران ودخلوا في علاقات قوية مع الإتحاد الوطني الكوردستاني ودعمهم بالمال والذخيرة ومعالجة الجرحى إبان الحرب الكرُدية ضد الأنظمة العراقية. لكنها –الكوملة- انشقت على نفسها ثلاث مرات، إضافة إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني –إيران المؤسس عام 1946 بزعامة الراحل قاضي محمد، الذي أنشق هو الأخر إلى حزبين عام2006، الأول ذو علاقات قوية مع البارتي الديمقراطي الكوردستاني –العراق، بينما أطلق الثاني على نفسه تسمية الحزب الديمقراطي الكردستاني/ح.د.ك/ ولم يدخل في علاقات قوية كسائر الأحزاب الأخرى مع أي طرف.  إضافة إلى حزب /بيجاك/ حزب الحياة الحرة، ويُعرف عنه أنه الجناح العسكري للعمال الكردستاني، وهو يعمل بمفرده حتى الآن.


دخل كُرد إيران في تحالفاً مع باقي القوميات والأثنيات الأخرى والبالغ عددها 6 قوميات رئيسية (فرس، أذر، كُرد، عرب، بلوج، تركمان) إضافة إلى أقليات مسيحية ويهوية وبهائية وزردشتية، حيث تم الإعلان عن تشكيل تحالف القوميات المؤلف من13حزباً خلى من أي تواجد إيراني (فارسي)، ويهدف التحالف إلى العمل على إستراتيجية لتطبيق الفدرالية، وقبل حوالي 7 أشهر تم الإعلان عن تحالف الحريات والمساواة يضم 10 أحزاب بما فيها أحزاب فارسية إيرانية وتم الاتفاق فيما بينهم على نظام الحكم وأساس الهويات القومية وقطع جميع المحاولات الساعية لخلق أي صراع قومي ديني بين المكونات. لكنهم –كُرد إيران- كسائر الكورد في العالم- يُعانون من أزمة الثقة مع الشركاء حول مفاهيم تطبيق الفدرالية والإصرار على نعتهم بالانفصاليين، أو الساعين نحو تفتيت إيران. بالرغم من إخلاص المنظمات السياسية الكوردية في إيران لشركائهم ورفضهم أن يكونوا استطالات لقوى أجنبية أو إقليمية إبان حرب الثمان السنوات /1980- 1988/. ولا تزال الذاكرة السياسية للنُخب الكوردية في إيران تُعيد غدر الاغتيال الذي طال عبد الرحمن قاسملو زعيم الديمقراطي الكوردستاني الإيراني، إثناء المفاوضات مع إيران في فيينا عام1989، لكنهم لا يزالون يتشبثون بالحوار وأمل العيش المشترك مع سائر المكونات، ويجدون في مُرشحي الإصلاحيين الأمل بغدً أفضل.


يظل العامل الدولي هو المنفذ الرئيسي والأساسي للكُرد في إيران، سواء للظفر بحقوقهم من النظام الإيراني، أو للتقارب الجاد والفعلي مع المعارضة الإيرانية. وهو ما يعني أن الكورد في إيران يتطلعون للاستفادة من تطور بوادر الصراع الأمريكي –الإيراني في المنطقة، ويقولون أن الحد الأدنى من الخلاص قدّ يكون بوضع حدً لتصدير الثورة للخارج وما عانته شعوب إيران، والتخلص من هاجس استعمال أسلحة مُحرمة دولية ضد مناطقهم التاريخية.


 ثمة قناعة راسخة لدى القيادات الكوردية في إيران حول استحالة الرضوخ الرسمي للمطالب الشعبية، لكنهم مستعدون للتواصل أو الخروج باتفاق مع الجانب الأميركي، بما يُمكنهم من الظفر بنوع من الحقوق السياسية والثقافية، لكنها لن تكون أبعد من ذلك، كما إنهم شبه متأكدين من عدم تمكن إقليم كُردستان العراق من مدّ يدّ العون لهم عسكرياً أو إعادة أمجاد جمهورية كوردستان في1949، فما يُحاك ويُدبر للإقليم من مشاكل سياسية وداخلية، وأزمات كادت أن تعصف به، إضافة إلى الخطوط الحمر لامتلاكه أسلحة نوعية ثقيلة كسلاح الجو مثلاً يجعل من التدخل الكوردي العراقي إلى جانب أشقائهم أمراً في غاية الصعوبة. بالمقابل فإن الحركة السياسية الكوردية في إيران متأكدة من مسعى الإقليم لترتيب البيت الكوردي الإيراني وفتح حدود الإقليم لهم، ودعمهم دبلوماسياً وسياسياً.


إزاء ما يشهده العالم كُله، من ترقب وانتظار لما ستقدم عليه أمريكا ضد إيران، فإن الذاكرة الكوردية تتحد مع التطلعات المستقبلية لرسم ملامح غداً أجمل مُغاير لما لاقوه وعانوه زهاء قرناً من الزمن، ويعيشون بين هوس موقف المعارضة الإيرانية من جهة، ومن جهة ثانية عندما تصبح قضيتهم أولوية للمجتمع الدولي.

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!