-
القمة العربية في الجزائر
عادة الشعوب عندما تبني دولة تعيد تنظيم المجتمع سياسياً على شكل هرمي، فالأهرامات السياسية في الدول لها قاعدة واسعة هي الشعب، وقمة ضيقة تنتهي بشخص، هو الرئيس، ولذلك فالمفروض بهذا الرئيس أن يكون ممثلاً حقيقياً للقاعدة، ويحمل أهدافها وقيمها، ويشكل نموذجاً نقياً يعبّر عنها، وهكذا عندما تجتمع القمة فإنّ الشعوب العربية والدول العربية تحقق أهدافها.. هذا الأمر الطبيعي نظرياً.
لكن المشكلة تبدأ عندما يكون من يجلس في القمة قد اختطف السلطة واحتكرها لنفسه وبدأ باستخدام موارد الدولة ومؤسساتها لمصالح ونزوات خاصة، وأعلن الحرب على كل من يعترض، وكل من يطالب بحقوق الشعب أو بضرورة أن يحكم الشعب نفسه وأن يحاسب هذا الحاكم وينتخب من الشعب، عندها سيكون مؤتمر القمة هو مجرد اجتماع لمتآمرين على الشعوب العربية متسلطين عليهم، قادة ولعوا في دم الشعوب وأرزاقهم، وهم عندما يجتمعون بهدف مساندة بعضهم ووضع الخط لمتابعة مسلسل إذلال وإفقار ونهب شعوبهم ودولهم.
حجم الفساد الذي يفوق المتخيل، وكم النهب الهائل، والتبذير، والانحطاط الأخلاقي والقيمي، وتحطيم البنى المجتمعية، ومؤسسات الدولة، وسلطة القانون، ونظام الحقوق، وكذلك طريقة الوصول للسلطة وطريقة تجديدها، وطريقة الحفاظ عليها، بما يشمله من قمع وسجون وتزوير انتخابات، وإعلام تافه مستأجر.. كل ذلك لا يعطي أي شرعية لمن يدّعي أنّه في قمة الهرم الاجتماعي السياسي، في تمثيل مجتمعه ودوله، فالشعوب سويت في الأرض وتحوّلت لعبيد، بينما تسلّق الانتهازي والأناني وركب تلك الدول بالعصا والإفساد، وهكذا صار سافلها عاليها، لتصبح القمة العربية القادمة قمة الفساد والاستبداد الذي يحكم الدول العربية المتحالفة كأنظمة ضد شعوبها، وتهدف لتدمير أي محاولة لاختراق ذلك النظام، من قبل أي قيادة وطنية نزيهة، فالعرب موحدون فعلياً بالفساد والاستبداد، وقمتهم هي مؤتمر مافيوي مدعوم ومحروس من أنظمة مشابهة في العالم، مثل روسيا والصين، وهم يسعون لإعادة سوريا للجامعة العربية حتى بعد ارتكاب نظامها لجرائم حرب وقتل وتشريد للشعب. كل تلك الجريمة لا قيمة لها عند قمة الانحطاط العربي القادمة.
ليس صعباً أن نستعرض تاريخ وثروات وسلوك أي ممن يحضر هذه القمة، خاصة المستضيف الجزائري، وأقرانه من بقية الدول. لكن من الصعب تأكيد أنّ الشعب العربي جماعة، والشعوب العربية في كل دولة، هي من تدفع ثمن هكذا قمم، من قوتها وكرامتها وقيمها ومستقبل أبنائها. إنّ أكبر عدو للشعوب العربية هم قادتها. وبالتالي فإنّ قمتهم هي قمة الخيانة والغدر بتلك الشعوب ومصالحها وأهدافها.. طالما أنّ هذه الأنظمة ترفض وبشكل مطلق أي فكرة عن الإصلاح الديموقراطي، والحكم الرشيد.
وما محاولة إعادة نظام سوريا إلا الاختبار الذي يؤكد ما نقوله ونصف به قادة الأهرامات السياسية العربية، الذين صار من الضروري تحنيطهم كمومياءات تعود لزمن بائد، فالعالم الحديث لا يمكن دخوله من دون دولة حق وقانون ونظام ديموقراطي ونزاهة ومحاسبة صارمة للحاكم.
قمة الماحقة العربية ستعقد في الجزائر لتعيد الشرعية للنظام السوري، الذي قتل وهجر ودمر شعبه، مليون ونصف قتيل، ١٢ مليون مهجر، دمار 50٪ من الأبنية، خراب شامل، 90٪ من الشعب يعيش على السلة الغذائية، احتلالات أجنبية... نظام يشكل قمة هرم سياسي ارتكب كل أنواع الجرائم واستخدم السلاح الكيماوي لإبادة قاعدته، ومع ذلك يحضر مؤتمر القمة العربي، كنموذج يعمل جميع القادة على تقليده والحفاظ عليه.. بل هو قدوة لهم.
ليفانت - د. كمال اللبواني ليفانت
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!