الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • القاهرة وواشنطن.. البحث عن إطار سياسي لإنهاء الصراع في ليبيا

القاهرة وواشنطن.. البحث عن إطار سياسي لإنهاء الصراع في ليبيا
رامي شفق

ثمة تقاطع ملفت في الأحداث التي تناولت المسار السياسي في ليبيا، ومستقبل الانتخابات القادمة، نهاية العام الجاري، وذلك مع تحرك المجتمع الدولي وأعضاء ملتقى الحوار نحو الوصول إلى إقرار القاعدة الدستورية والإطار القانوني الملزم لانتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) القادم. القاهرة 


اللافت أنه في الوقت الذي قام فيه عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، بزيارته إلى تركيا رفقة وفد حكومي، ضم فيه محافظ البنك المركزي، في زيارة لم تستغرق سوى أربع وعشرين ساعة، التقى خلالها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير الدفاع، خلوصي أكار، قام بعدها بأيام قليلة المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، ومعهما المبعوث الأمريكي، ريتشارد نورلاند، في زيارة للقاهرة، بغية الاجتماع والتشاور حول المنطلقات الأساسية التي تمهد الاستقرار في الملف الليبي، من خلال الرؤية المصرية والدور الاستراتيجي الذي تمارسه القاهرة في الأزمة الليبية والعمل على تقريب وجهات النظر ودعم عملية السلام.


ووفقاً لما أعلنته السفارة الأمريكية لدى طرابلس عبر حسابها على "فيسبوك"، فإن المبعوث الخاص للولايات المتحدة، ريتشارد نورلاند، قد زار القاهرة، يوم العاشر والحادي عشر من شهر آب/ أغسطس الجاري، وأوضحت أن الزيارة تتضمن لقاء مسؤولين مصريين وقائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، كجزء من الجهود الأمريكية لدعم الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية.


من خلال فشل ملتقى الحوار السياسي الليبي، مؤخراً، والذي أخفق في الوصول لتوافق على القاعدة الدستورية، يبدو الأمر سينتقل لمجلس النواب بحسب الإعلان الدستوري، وهو ما يفسر حضور المستشار عقيلة صالح في القاهرة خلال الوقت الذي سيلتقي فيه المشير حفتر بالمبعوث الـأمريكي مع المسؤولين في القاهرة.


على خلفية تلك اللقاءات؛ احتفلت ليبيا بالذكرى 81 لتأسيس الجيش الوطني الليبي، وصدرت جملة من التصريحات التي عكست، في ضميرها المستتر، هجوماً متبادلاً بين المشير خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة. إذ انتقد الأخير قائد الجيش (خليفة حفتر) قائلاً إنه لا يمكن للجيش أن ينتسب لشخص. وأضاف أن الجيش يجب أن يكون معول "بناء" وليس "هدم".


جاءت هذه التصريحات، في كلمة متلفزة بعد أن قال حفتر في كلمته إن الجيش لن يكون خاضعاً لأي سلطة إلا إذا كانت منتخبة من الشعب كونه مصدر السلطات.


وتابع: "رغم الاختلافات الحادة في المواقف تجاه الوطن في الماضي والحاضر وما نتج عنها من تصعيد بلغ حد المواجهات المسلحة، ها نحن نمد أيدينا للسلام العادل بكل ثقة في النفس من أجل المصلحة العليا للبلاد ومن أجل الأجيال القادمة".


لم يترك المشير حفتر الأمر يقع على سبيل الظن أو داخل بؤرة الاستنتاج والتحليـل، بل مارسه بشكل عملي حين أعلن عن تكليفه قادة عسكريين في عدد من المواقع داخل الجيش، والتي شملت مناصب رئيس القوات البرية والقوات البحرية وغيرهما، بإعادة تشكيل غرفة عمليات سرت الكبرى مع تكليف عبد الله الثني -رئيس الحكومة الأسبق بالإدارة السياسية في القوات المسلحةـ الأمر الذي يقع في نطاق الاستحواذ على المنصب والصلاحيات الخاصة به.


ومن جانبه، انطلق المجلس الرئاسي برئاسة الدكتور محمد المنفي هو الآخر بالحديث عن اختصاصاته، حسبما جاء في بيان رسمي، اعتبر أن تلك المهام مسندة إليه، وفقاً لمخرجات "ملتقى الحوار السياسي"، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتشمل القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، وأردف: "لا يجوز مخالفتها مهما كانت الظروف والأسباب".


إلى ذلك، وفحصاً للغضب المكتوم الذي بدا في حديث كل من قائد الجيش الوطني ورئيس الحكومة، نعثر على خلاف حول تسمية القائد الأعلى للقوات المسلحة. ووفقاً للاتفاق السياسي في جنيف الذي رعته الأمم المتحدة، فإن المجلس الرئاسي مجتمعاً بقيادة الدكتور محمد المنفي، ونائبيه، عبد الله اللافي، وموسى الكوني، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية. بيد أن القيادة العامة لـ"الجيش الوطني" برئاسة المشير خليفة حفتر، التي سبق وأن اعترفت مبكراً بذلك، عادت لتؤكد بحسب تصريح المشير حفتر "عدم الخضوع لأي سلطة"، وهو ما يجعلنا في المربع صفر، مجدداً.


من الصعوبة بمكان فحص الواقع الليبي وتدبر سياقاته دون أن تدرك حجم الصراع المكتوم بين كافة الأطراف الفاعلة فيه، وأن بعضاً من مهام الحكومة المؤقتة وهي توشك أن تنهي فترتها لم تستطع أن تحسم المطلوب منها، بل وبدا للجميع مؤشرات أنها في خانة المستحيل.


كانت مهمة توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج الميلشيات والمرتزقة من الملفات الأساسية في أجندة الحكومة الليبية، غير أن واقع الحال يشير إلى متوالية إخفاق وفشل، قبل أن تنقضي المدة المحددة، وعدم التحرك في هذين الملفين على أي مستوى.


عند مراجعة ملف إخراج الميلشيات والمرتزقة، نجد أن ثمة عدم رضا واجهته نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية، من تكرار حديثها وإصرارها على حتمية احترام سيادة الأراضي الليبية وضرورة خروج الميلشيات والمرتزقة، وكذا إنصات الدبيبة لوزير الدفاع التركي في إسطنبول إبان زيارته لتركيا، وقوله إن القوات التركية المتمركزة في طرابلس لا يمكن النظر إليها باعتبارها قوات أجنبية، فضلاً عن الإعلان الخاص بالمرصد السوري لحقوق الإنسان بوجود دفعة جديدة من المرتزقة تتدفق إلى ليبيا.


تأتي زيارة عقيلة صالح وخليفة حفتر إلى القاهرة في حضور المبعوث الأمريكي في وقت بالغ الدلالة؛ حيث تتأزّم الأوضاع وتتعقد مساراتها بشكل كبير ما يبدو معه ظل الاقتتال والصراع العسكري ماثلاً في ذهن الجميع. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع بكل قوة نحو إقرار القاعدة الدستورية واجراء الانتخابات رغم كافة الصعوبات المنهجية بين الأطراف السياسية والمحلية الفاعلة.


على خلفية ذلك يمكن قراءة أبعاد الزيارة واللقاء في القاهرة كونه محاولة مشتركة فيما بين واشنطن والقاهرة، لجهة وضع إطار واتفاق سياسي، يمهد الطريق لكافة الأطراف الفاعلة حتى الاستحقاق الانتخابي، في نهاية العام الحالي. وذلك بالرغم من التعقيدات السياسية والميدانية في ليبيا، التي تفصح عن جملة من الأزمات والعقبات التي تقف حائلاً أمام تنفيذ الانتخابات في موعدها المحدد، أو الاستقرار نحو تمديد عمل الحكومة المؤقتة، خاصة مع عدم إقرار الميزانية حتى كتابة هذه السطور، من قبل مجلس النواب، واستمرار تركيا في توظيف الميلشيات والمرتزقة وعناصر الإخوان المسلمين لعرقلة المسار السياسي وفرض حضورها الميداني والعسكري في غرب ليبيا، بهدف مساومة واشنطن والقاهرة عبر عديد الملفات الإقليمية والدولية وما يشتبك مع ثروات شرق المتوسط.


رامي شفيق


ليفانت - رامي شفيق ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!