-
العـقـوبات الأمـريـكـيـة لا تـعـرف كـبـيـراً.. وتـضـع الـعـصـي بــعـجـلـة الاقـتـصـاد الـصــيـنـي
سلاحٌ تستخدمه الولايات المتحدة مع مختلف خصومها، ورغم أنّه لا يسفك دماً، لكنه فتاكٌ ويؤدي غالباً إلى عواقب وخيمة على خصوم واشنطن، فاللجوء إليه لا يحتاج إلا لجرّة قلم من سيد البيت الأبيض، قبل أن تتحوّل معها اقتصادات الخصوم إلى حافة الانهيار، كما هو الحال مع إيران وسوريا حالياً، ألا وهي العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
فالسلاح ذاك، لا يستهدف الاقتصادات الصغيرة التي لا تعادل شيئاً أمام الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل تطال أيضاً اقتصادات كبيرة وموزاية للاقتصاد الأمريكي، كما هو الحال مع بكين، التي تتصاعد الخلافات بينها وبين واشنطن، عقب احتدام النزاع بينهما بخصوص مسؤولية الصين في تفشي فيروس كورونا، إذ كان الأخير، القشة التي قصمت ظهر العلاقات بين الجانبين.
سلاسل من العقوبات
وفي السياق، قالت وزارتا الخارجية والتجارة الأمريكيتان، في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، إنّ واشنطن استهدفت 24 شركة صينية وعدداً من الأفراد بحجّة أنّهم كانوا جزءاً من عمليات بناء وأفعال للجيش الصيني في جزر بحر الصين الجنوبي، وأوضحت وزارة التجارة الأمريكية في بيان، أنّ الشركات الأربع والعشرين لعبت “دوراً في مساعدة الجيش الصيني على بناء وعسكرة الجزر الصناعية المدانة دولياً في بحر الصين الجنوبي”.
فيما قالت وزارة الخارجية، في بيان منفصل، إنّها ستفرض قيوداً على التأشيرات لأفراد صينيين “مسؤولين عن هذه الأعمال، أو ضالعين فيها، في بحر الصين الجنوبي، وأولئك المرتبطين باستخدام الصين “الإكراه ضد المطالبين (بالحقوق) في منطقة جنوب شرق آسيا لمنع وصولهم إلى الموارد البحرية”.
كما حدّد البنتاغون، في الثامن والعشرين من ذات الشهر، 11 شركة صينية، بينها العملاق الحكومي “CCCC” لمشاريع المواصلات، قال إنّها “مملوكة للجيش الصيني أو مسيطر عليها من قبله”، بغية فرض عقوبات عليها، كما كان من بين الشركات التي ذكرها البنتاغون، شركة “CTG” للطاقة الكهربائية ومجموعة “Sinochem” العملاقة للكيماويات و”China Spacesat” لصناعة الأقمار الفضائية.
نقاط الضعف الصينية
ولأنّ واشنطن قد وضعت الصين على لائحة الاستهداف، فإنّ كشف السجلات المتعلّق بانتهاكات مزعومة تُتهم بها بكين، تواصل من قبل واشنطن، فقد كشفت مصادر في الإدارة الأمريكية في الخامس والعشرين من أغسطس، أنّ واشنطن تدرس تصنيف سياسة الصين تجاه أقلية الإيغور المسلمة ضمن “الإبادة الجماعية”، فيما نقلت صحيفة “بوليتيكو” عن المصدرين قولهما إنّ المناقشات بخصوص الموضوع ما تزال في المرحلة الأولية وتجري بمشاركة مسؤولين في وزارتي الخارجية والأمن الداخلي ومجلس الأمن القمي الأمريكي.
وفي حال عدم التوصّل إلى الإجماع حول استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” لوصف ممارسات السلطات الصينية بحق الإيغور، قد تتهم واشنطن القيادة الصينية بارتكاب فظائع أخرى ضدهم، مثل “الجرائم ضد الإنسانية” أو “الاضطهاد العرقي”، حسب الصحيفة، وذكر حينها أحد المصدرين: “نبذل قصارى جهدنا من أجل تشجيع الصين على وضع حدّ لانتهاك حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، ونقوم بتقييم مختلف التدابير”.
اقرأ أيضاً: التطبيع مع إسرائيل يُرهب إيران.. والخليج: من هناك تُأكل الكتف
ولتزداد الأوضاع سوءاً بينهما، يبدو أنّ بكين أضحت تحاول اللعب بالورقة الإيرانية، وهو ما أوضحه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في الواحد والثلاثين من أغسطس، من أنّ بلاده تنوي منع تجارة الأسلحة بين بكين وطهران، مشيراً أنّ “إحدى الدول التي تريد بيع أسلحة لإيران هي الصين، وهي ستكسب أموالاً كبيرة بفضل ذلك، وأنا على قناعة بأنّ الصين ستشتري بعض الأنظمة من إيران، وعلينا منع حدوث ذلك”.
وأردف بومبيو، أنّه إذا خرقت بكين نظام العقوبات الأمريكية ضد إيران، فإنّ واشنطن ستجبرها على “تحمل المسؤولية”، لافتاً إلى أنّه يرجّح إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في الخريف المقبل، ما “سيقلص المجال أمام التعامل بين الصين وإيران”، كما اعتبر بومبيو أنّ طهران وبكين “أكبر منتهكين لحقوق الإنسان”.
روسيا والصين في كفة
وفي الوقت الذي كانت تتربّع فيه على الدوام موسكو، على عرش الخصومة مع واشنطن، يبدو أنّه قد جاء من يزاحم موسكو في ذلك اللقب، وهو ما لن يرضي واشنطن كثيراً، حيث قال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، في السابع عشر من سبتمبر، إنّ روسيا والصين هما المنافسان الإستراتيجيان للولايات المتحدة في عصر تنافس القوى العظمى، مضيفاً: “اليوم، في عصر تنافس القوى العظمى، تحدّد وزارة الدفاع، الصين ثم روسيا كمنافسين إستراتيجيين رئيسين لنا”.
وأوضح وزير الدفاع الأمريكي، أنّ كلا البلدين يعملان على تحديث قواتهما العسكرية وتوسيع قدراتهما الفضائية والسيبرانية، وتابع إسبر: “يجب على الولايات المتّحدة وشركائها الاستمرار في الدفاع عن مبادئنا التأسيسية وطريقة حياتنا، ونحن مصممون على القيام بذلك”.
أما وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، فقد اعتبر في الثامن والعشرين من سبتمبر، أنّ بكين تعدّ “التهديد الخارجي الرئيس للولايات المتحدة على المديين، المتوسط والبعيد”، وذلك خلال لقاء مع قناة “فوكس نيوز”، حيث صرّح بومبيو: “إنّ أكبر تهديد خارجي يواجه الولايات المتحدة على المدى المتوسط إلى الطويل هو التهديد من النظام في الصين اليوم، هو الحزب الشيوعي الصيني في عهد (الرئيس) شي جين بينغ”.
اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي يجعل عموم المسلمين يدفعون ثمن راديكاليتهم
وأشار بومبيو، أنّ بكين تهدف إلى زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، لأنّها تستند على إمدادات الطاقة من تلك المنطقة، لافتاً إلى أنّ واشنطن تعارض بكين في ذلك المسعى، منوّهاً إلى أنّ المساهمة الأمريكية في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول الأخرى، في الشرق الأوسط، “تقلل من قدرة الحزب الشيوعي الصيني على التأثير في هذه الدول”.
وعليه، يبدو واضحاً أنّ استهداف بكين من قبل واشنطن قد بدأ فعلاً، مع الإشارة إلى أنّ الاستهداف الأمريكي في حقيقة الامر ليس معنياً كثيراً بقضايا حقوق الإنسان، فهو (أي الجانب الأمريكي)، قد انسحب من مناطق كانت خاضعة لنفوذه، وترك ملايين البشر عرضة للتهجير والقتل، كما حصل في شمال سوريا، عندما هاجمت أنقرة تلك المنطقة في أكتوبر العام 2019، وقال حينها ترامب إنّه غير قادر على البقاء شرطياً للفصل بين الأتراك والأكراد، وهم يتقاتلون منذ مئات السنوات (على حدّ وصفه).
ومنه، فلا بد وأنّ القضية أساساً، متعلقة بتنافس تجاري بين بكين وواشنطن، اللتين تعتبران القوتين الاقتصاديتين الأولى والثانية على مستوى العالم، فمع تزايد التوقعات في السنوات الماضية، بأن تزيح الصين منافستها أمريكا من صدارة أكبر اقتصاد في العالم، ترتفع المخاوف في واشنطن من حصول تلك الواقعة، وهو ما يبدو أنّها تسعى إلى تأجيله، أو ربما نسفه لو تمكنت من ذلك، فالولايات المتحدة التي أنهت العام 2019، على رأس قائمة أكبر اقتصادات العالم، تهدف للاحتفاظ باللقب، وستلجأ في سبيل ذلك لمختلف الأساليب، إن كانت مشروعة أو غير ذلك.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!