الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
العراق.. انتفاضة الحقوق المهدورة
أسامة محمود آغي

أسامة محمود آغي


تكشف المظاهرات المستمرة منذ أيامٍ في شوارع المدن العراقية عن تغيّر رؤية العراقيين للوضع السياسي العام في بلادهم، إذ يتّهم المتظاهرون (وهم في غالبيتهم من شريحة الشباب) حكومة بلادهم وأحزابهم السياسية، أنهم مسؤولون عن زيادة معدلات الفقر والبطالة، وعن اتساع رقعة الفساد الحكومي، وزيادة النفوذ الإيراني في مفاصل حياتهم الوطنية، حيث سرّبت صحف غربية معلومات عن حجم ثروات السياسيين العراقيين في البنوك الأجنبية، إذ بلغت هذه الثروات مبلغ 450 مليار دولار أمريكي خلال الأعوام 2003- 2018م. وهي مبالغ منهوبة نتيجة الفساد الحكومي.


مظاهرات العراق الحالية لم تكن الأولى على مستوى البلاد، بل سبقتها مظاهرات في بغداد عام 2016، وفي البصرة عام 2018. وتقف خلف هذه المظاهرات أسبابٌ مباشرة، وأسباب غير مباشرة.


في الأسباب المباشرة، تأتي مسألة تجريف وهدم المنازل العشوائية للعراقيين بحجة أنها مبنيةٌ على أراضٍ تملكها الدولة، حيث نتج عن ذلك تشّرد مئات العائلات العراقية في الشوارع، دون أن تقوم الدولة بإيجاد بديل سكني لهذه الأسر. وترافق ذلك مع تدنٍ لمستوى الخدمات الحكومية المقدّمة للمواطنين، مثل توفير الطاقة الكهربائية، والخدمات الصحية المناسبة وكذلك العملية التعليمية، إضافةً إلى زيادة نسبة معدلات الفقر ومعدلات البطالة.


أما في الأسباب غير المباشرة، فقد اكتشف العراقيون خدعة أحزابهم وقياداتهم السياسية، فقد وجدوا أن الهوّة تتسع بين الطبقات الشعبية المُفقّرة وبين الفئات السياسية الحاكمة، هذه الخدعة التي سكتت عنها المرجعيات الدينية العراقية، دفعت بالمتظاهرين إلى القول أن ثمة تواطئاً غير معلنٍ بين القيادات السياسية وبين صمت المرجعيات الدينية.


اكتشاف العراقيين لخدعة القوى السياسية الحاكمة والفاسدة، دفع بالمتظاهرين إلى إحراق مقرّات "حزب الدعوة الاسلامية"، ومقرات منظمة بدر الطائفية، وحركة "صادقون". إضافة إلى النقد العلني لدور المرجعيات الدينية الشيعية في البلاد.


يعتبر المتظاهرون أن هذه المرجعيات شريك فيما آلت إليه أوضاع العراق السياسية والاقتصادية والمعيشية، ويعتبرون أن سبب تردي أوضاعهم العامة في كل مستويات حياتهم، تقف خلفها التدخلات الإيرانية، التي تسيطر بصورة غير معلنة على الحياة السياسية والاقتصادية العراقية، عبر أذرعها العسكرية والسياسية المتمثلة بميليشيات الحشد الشعبي أو الحركات السياسية التي ترتبط طائفياً بالمرجعيات الإيرانية.


وعي المتظاهرون العراقيون لأوضاع بلادهم وحياتهم يكشف عن اتجاه سياسي جديد، هذا الاتجاه يرفض المعادلة السياسية، التي نشأت بعد سقوط بغداد عام 2003، والتي قامت على مبدأ المحاصصة الطائفية والإثنية.


الوعي المتفجّر عبر المظاهرات أصاب قوى الحكم المتنفذة في بغداد بالرعب، إذ لم تقم به حركات سياسية على قاعدة الاحتجاج على إجراءٍ سياسي محدّد، بل قامت به شريحة شبابية واسعة، لا تنتظم بأحزاب أو تيارات سياسية.


هذه الشريحة باتت على يقينٍ انها ضحية خدعة سياسية طائفية كبرى، فالتمثيلات السياسية الطائفية، وطيلة أكثر من خمسة عشر عاماً، لم تقدّم حلولاً ملموسةً وحقيقيةً لتطوير بنى وحياة المجتمع العراقي، بل عملت على إبقاء الطبقات الشعبية العراقية في حالة إفقار مقصودة، حيث لا تجد غالبية العراقيين خدمات مقبولة تليق بإنسانيتهم، أو فرص عملٍ تؤمّن له كرامة العيش، وتتناسب مع غنى بلادهم، التي تحتلّ المرتبة العالمية الرابعة في انتاج النفط، حيث يبلغ انتاج العراق النفطي خمسة ملايين برميل يومياً، في وقتٍ يبلغ الناتج المحلي العراقي حسب جداول عام 2018 ما قيمته (253031.1)دينار عراقي حسب الأسعار الجارية.


إذاً يمكننا القول، أن المظاهرات الشعبية العراقية تقوم على أرضية رفض نظام المحاصصة السياسي ونتائجه في الواقع، وعلى رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون السياسية والحياتية العراقية، وأن هذه المظاهرات التي تزداد رقعتها الجغرافية، تأخذ منحىً جديداً على صعيد وعي العراقيين لأسباب إفقارهم، وهي مظاهرات لا تأخذ بالمنحى الطائفي، بل يمكن القول أنها بدأت تأخذ مرحلة وعي سياسي وطني عميق. إذ أن شعارات المتظاهرين العلنية، ردّدت مطلب طرد وإنهاء النفوذ الإيراني من العراق، وبالتالي إسقاط واقتلاع أذرعه السياسية والعسكرية، والتي يعتقد المتظاهرون، أنها سبب كل مصاعب الحياة في البلاد.


المتظاهرون العراقيون تدفعهم مصلحتهم الوطنية والحياتية إلى رفض الأحزاب ونظام الحكم القائم في البلاد حالياً، وهم يعتقدون أن هذه الأحزاب فقدت مصداقيتها الوطنية، بل أنها كانت توافق على حالة المحاصصة السياسية الطائفية، التي تعمّقت في أجهزة الدولة، وشكّلت عائقاً حقيقياً أمام تطور بنى المجتمع العراقي، الذي ثار ضد الديكتاتورية، ليجد نفسه أسير استبداد سياسي مقنّع بصيغة ديمقراطية مخاتلة.


المتظاهرون العراقيون معنيّون باكتشاف بوصلتهم السياسية في خضم صراعهم، الذي يأخذ صورته السلمية من جانبهم، وصورته العنفيّة من جانب نظام الحكم العراقي، ومن أذرع إيران في البلاد.


البوصلة السياسية للمتظاهرين تتطلب تنظيم أفعال الاحتجاجات السلمية، من خلال إيجاد إطار تنظيمي، وبرنامج عمل وطني واضح الأهداف.

فهل يستطيع الشباب العراقي المنتفض الذهاب إلى هذه العتبة، لتحقيق أهداف انتفاضتهم، أم سيحدث لهم ما حدث لأشقائهم السوريين من قبلهم؟ ننتظر لنرى كيف تجري الأمور.


 


 




كاتب سوري

العلامات

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!