الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
العاهل الأردني واللعب على الحبال الإقليميّة والدوليّة
درويش خليفة
عمِل العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين خلال الأشهر القليلة الماضية على تحديث المنظومة السياسية لبلاده، بعد أن شكّل لجنة مؤلفة من 92 عضواً يمثّلون أطياف سياسية وفكرية مختلفة في خطوة إصلاحية لتطوير النظام المحلي وإعطاء الشباب والمرأة دور في إدارة البلاد.

لكن أن يفكر الملك الأردني بتحديث المنظومة العربية أو منطقة الهلال الخصيب، عبر إعادة تدوير رأس النظام السوري بشار الأسد، فإنّ هذا يتطلب إجماع غالبية السوريين، بما يتناسب مع مصالحهم وليس بحسب المصلحة الأردنية.

تمتدّ معاناة السوريين مع النظام حتى ما قبل 50 عاماً، تجرّعوا خلالها مرارة العيش في ظل حكم الأسد والطبقة المحيطة به، لكن العقد الماضي كان الأكثر دموية في تاريخ سوريا، إذ قتَل النظام وحلفاؤه ما لا يقلّ عن مليون شخص، وتسبب في إعاقات وإصابات لمئات الآلاف، وهجّر 13 مليوناً، مقسمين بين نازحين في الداخل ولاجئين في بلاد الشتات، وبالتالي؛ عندما تحضُر لغة الأرقام باللاشعور تتشكل عقبة أمام أي حل لا يتناسب مع حجم التضحيات السورية ولما خرج من أجله عموم السوريين.

في حقيقة الأمر، إنَّ الدول العربية تتصرّف كل منها وفق مصالحها، بعيداً عن آلية الدفاع المشترك، حيث يرى البعض أنَّ الأردن يغرّد خارج السرب بعد أن أمست إيران العدو الأول للعرب، وليس إسرائيل، كما كانت في العقود التي سبقت العقد الماضي.
ومن هذا المبدأ، نجد أنَّ الأردن أصبح محور القضية السورية، ويحاول لعب دور الوساطة بين قادة الدول والنظام السوري، في ظلّ الغياب الكامل للمعارضة السياسية السورية وبجميع أطيافها.

تساؤلات كثيرة تدور في أذهان شعوب المنطقة العربية، لاسيَّما بعد زيارة العاهل الأردني لواشنطن ولقائه بسيد البيت الأبيض، كأول زعيم عربي وشرق أوسطي، وأعقب ذلك بزيارة إلى موسكو لإبلاغ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بنتائج اجتماعه مع الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، إضافةً إلى ما حمله الملك الأردني في جعبته من مقترحات بشأن دول المنطقة المتعثرة نتيجة التدخل الإيراني في كلٍّ من العراق ولبنان وإظهار اهتمام أكبر بالقضية السورية، الأمر الذي أعاد منطقة الهلال الخصيب إلى عقود من التخلف والترهل الاقتصادي.

وفي مقابلته على قناة فرانس 24 أكّد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أنَّ الحل في سوريا سيكون سياسياً وفق قرار مجلس الأمن 2254، وبأنَّ المملكة الأردنية جزء من المجموعة العربية ولا يمكنها بمفردها اتخاذ قرار إعادة مقعد الجامعة العربية للنظام السوري. بيد أنَّ طرح الملك الأردني للوثيقة التي سربتها صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، مختلف تماماً عن طرح وزير خارجية بلاده.

وتقول الصحيفة إنّ الوثيقة المسماة "لا ورقة" تتضمن شرحاً للخطوات العربية للتطبيع مع النظام السوري وفق "خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011"، وتنصّ أيضاً على انسحاب القوات الأمريكية مع التحالف الدولي من شمال شرق سوريا، بما في ذلك قاعدة التنف، دون تحديد جدول زمني لإنجازها.

من يقرأ الوثيقة يتراءى له لوهلة، أنَّ الجزء الأول من الورقة أتى من موسكو، والجزء الثاني منها، كُتب بيد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.

كما يلاحِظ قارئ الوثيقة، مدى اهتمام الأردن اللامتناهي بـ"المصالح الشرعية لروسيا" كما نصّت في متنها.
في حقيقة الأمر، الوثيقة؛ عبارة عن استعراض للسنوات العشر الماضية وما شهدته من أحداث ومعاناة للشعب السوري، بالإضافة إلى ذكر أعداد اللاجئين والمصابين ونسبة السوريين الذي باتوا تحت خط الفقر، الأمر الذي يمكن لمبعوثٍ عربي أو أممي أنّ يقدمه وليس لدولة جارة ذاقت من الأسد جزءاً يسيراً مما ذاقه السوريون، عبر مرور حبوب الكبتاغون المخدرة من أراضيها باتجاه دول الخليج العربي وتهجير أهالي حوران الذين تربطهم صلة قرابة مع سكان المدن القريبة من الحدود السورية الأردنية.

ماذا يريد العاهل الأردني؟

من الواضح أنَّ الملك عبد لله يحاول أنّ يغطي على المشكلات الداخلية في بلاده، من خلال تبنّي حلّ لقضايا المنطقة، ولاسيَّما تلك التي تخصّ دول جواره وإشغال الأردنيين فيها، لصرف أنظارهم عن الاضطرابات داخل الأسرة الحاكمة حينما وضع الملك عبد الله أخاه غير الشقيق الأمير «حمزة بن الحسين» في الإقامة الجبرية، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، وعدم إيجاد بدائل لشح المياه ومواد الطاقة النظيفة، فضلاً عن الفضيحة المدوية بما يسمَّى "أوراق باندورا" التي كشفتها صحيفة ″واشنطن بوست″ المتعلّقة بالأرصدة البنكية وعقارات لحكام ومشاهير، بينهم الملك الأردني، الذي يملك عقارات تفوق قيمتها 100 مليون دولار، في وقتٍ يمر الأردن فيه بوضعٍ اقتصادي متهالك.

بشكل واضح، إنَّ الأردن ليس لديه رؤية متكاملة واستراتيجية لعلاقاته المستقبلية مع سوريا، بل إنَّ تحركاته الدبلوماسية تقتصر على ما يسمح به الضوء الأخضر الأمريكي، ثمَّ الدعم المادي العربي الذي يقيده قانون قيصر الصادر عن الكونغرس وبإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

قد يُعذر حلفاء النظام السوري على وقوفهم إلى جانبه، لأنهم قدموا الكثير في سبيل بقائه على رأس السلطة، من حيث المال والعتاد والأشخاص، لتحقيق مصالحهم على كافة الأصعدة، ولكن من غير المفهوم في الآونة الأخيرة؛ هو اصطفاف بعض القادة العرب مع بشار الأسد الذي لا يوفر فرصة للنّيل من هيبتهم وهو القاصر الذي لا يملك من أمره شيئاً.

درويش خليفة

ليفانت - درويش خليفة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!