الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الصراعُ على العرشِ المتهالك
عبير نصر

لا شكّ أنّ الأنظمةَ المرنةَ التي تسعى لاستيعابِ حالةِ التغيّر المفاجئ في مسار حكمها، تضمنُ طرقاً آمنة للعودة إلى قواعدها سالمة، وهذه رؤية مستقبلية تحملُ من الحكمةِ السياسيةِ الشيء الكثير، على عكسِ النظامِ السوري الذي اختار سياسةَ الأرضِ المحروقة، بعد عام 2011، على أن يقبلَ بتقليصِ صلاحيات الرئيس، وطبعاً هذا ليس غريباً على نظامٍ أرهقَ العالمَ بمواقفه الزئبقية.


الأمر الذي ولّد حالةً متصاعدةً من التّوترِ والضبابيةِ حول مصيره، كما جعله مستنقعاً للصراعاتِ التي امتدّت إلى عقرِ داره، وبالتأكيد هذا الواقع المأزوم يطرحُ أسئلةً جمّة، ترتبط بمآلِ وسبلِ خلاصِ البلاد المتهالكة، التي تعيش دوّامةً مُرهقةً فيما يُعرف بتجاذباتِ المصالح الإقليميةِ المتمحورةِ حول الدول الفاعلةِ على الساحةِ السورية، إيران، روسيا، تركيا، أميركا وبالتأكيد إسرائيل، هذه الدوّامة التي أفقدتِ النظامَ توازنه، تأتي بعد عقودٍ طويلة على استتابِ القبضةِ الأمنيةِ الحديدية، لمنظومةٍ براغماتيةٍ عابرةٍ للطوائف، والصراعُ داخل العائلة الحاكمة ليس جديداً، إنما الجديد أنّ لاعباً غير متوقّع دخلَ على الخطّ، وهو الملياردير المخلوع عن عرشه الذهبي، والذي أربكَ النظامَ عبر الفيديوهات التي يبثّها كلّ فترةٍ على وسائل التواصلِ الاجتماعي.


والصراعُ المحمومُ على حكمِ سوريا، عاد مجدداً في بلدٍ يغيبُ فيه الحدُّ الأدنى من الوعي السياسي، وفي وقتٍ مضى كانت فيه حاكمةُ الظلّ (أنيسة) وأخوها (محمد مخلوف)، يُحكِمان قبضتهما على الاقتصادِ السوري بغطاءٍ من الأسد الأب، بهدفِ السيطرةِ على البلاد، لا سيّما على الطائفةِ العلوية، وتطويعها عن طريقِ صناديق ماليةٍ خاصة، والأخير كان يدركُ جيداً أنّ العرشَ الذي يطفو على مستنقعٍ من الدماء، سيجرّ البلادَ إلى الجحيمِ يوماً ما، لذا كان لا بدّ له من انتهاجِ سياسةِ التصفيةِ السياسيةِ، والاقتصاديةِ بحقّ المتمرّدين، وكان آخرها تعريةَ رجلِ المال السوري، الشبق للسلطةِ والنفوذِ الاقتصادي، من امتيازاته المطلقة.


ففي عام 2020، تمكّنت (أسماء الأخرس)، أخيراً، من تدميرِ إمبراطورية (آل مخلوف )الاقتصاديةِ، والاجتماعيةِ، والطائفيةِ، وبذلك صارتِ العائلاتُ العلوية، ولقمةُ عيشها تحت رحمةِ المؤسساتِ الخيريةِ التابعة لها، لتطويعها وضمانِ ولائها، بعدما كانت تحت سيطرة (الخال وابنه)، منذ سبعينيات القرنِ الماضي، لتصبحَ (الأخرس)، ودون منازع، الحاكمةَ الفعليةَ لسوريا، هي التي تفضّل الفخامةَ على الحياةِ المنزليةِ الرتيبة، وتتكلّم اللغةُ الإنكليزية أفضل من زوجها، والنتيجة سيطرتها على (70) بالمائة من الاقتصادِ السوري، وفي الحقيقةِ خلافُها مع (رامي مخلوف)، نجم في المقامِ الأول عن أسبابٍ اقتصاديةٍ بحتة، حيث أسّس كلُّ واحدٍ منهما جمعيات خيرية، وسرعان ما أصبحتْ هذه المنظمات من آخر الوسائل التي تسمح بتلقّي أموال المساعدات من الأممِ المتحدة، بعد فرضِ العقوباتِ الدوليةِ على النّظامِ السوري.


وبالفعل انتقلتِ الصفةُ الرسميّة لأسماء الأخرس، من كونها (سيدة الياسمين الناعمة) إلى (سيّدة البلاد القوية)، لتظهرَ صورُها مؤخراً في مكاتب الوزراء، كما حصلَ في مكتبِ وزير التربية (دارم الطباع)، لدى لقائه وفداً أممياً، حيث ظهرتْ صورتُها المبتسمة إلى جانبِ صورةِ الزوج الواثق، والمبتسم بدوره، وتم نشرها من قبلِ إعلام النظام السوري، بشكلٍ متزامنٍ، لتعزيزِ حضورها في اليومياتِ السورية، والجدير ذكره أنّ أول الصور التي شوهدت لها، صورة تتدلى من على ثلاثةِ طوابق في ملعبٍ رياضيّ، في منطقة بابا عمرو في حمص، الأمر الذي اعتبر (سابقة) في تاريخِ عائلةِ الأسد، ورغم أنّ الزوجةَ لا تمتلكُ الشعبيةَ الكافية في الأوساطِ السورية، ففي المنطقةِ المحيطةِ باللاذقية ذات الغالبية العلوية، ارتدى الكثيرون منهم ملابسَ سوداء يوم تزوّج الثنائي، إلاّ أنّ تلميعَ صورتها مؤخراً عبر تكثيفِ ظهورها الإعلامي، وتغطيةِ بعض تفاصيل حياتها، خاصة فيما يتعلق بنشاطاتها الإنسانية، لم يكنْ صدفةً على الإطلاق، وتشيرُ أنباء غير مؤكدة، أنّه من الممكن أن يكونَ ظهورُها المتكرّر (الخيار البديل) لزوجها، في حال حصولِ توافقاتٍ روسية - أميركية، وبغطاءٍ دوليّ وأمميّ، بهدفِ التخلّصِ من أثرِ العقوباتِ الدولية، والحصارِ المفروض على الرئيس السوري، واختراعِ حلٍّ للأزمةِ السورية، يمكن أن يخرجه من اختناقهِ السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، فيما الخطّة الرئيسة، هو مسعى رأس النظام، للبقاءِ في الحكم.


وأثناء سعي سيدة العرش للإبقاءِ على النظام الحالي، عبر خطواتٍ مدروسةٍ وحضور واثقٍ وابتسامة مشرقة، يسجّل رجلُ الاقتصاد السوري السابق، والمعروف بلقب (رامي الحرامي)، الذي بلغت ثروته، بداية 2011، حوالي 5 مليارات دولار، بفضلِ سياستهِ الإقصائية، القائمةِ على طردِ جميعِ منافسيه من البلدِ، أو وضعهم في السجن، يسجّل حضوراً ضعيفاً ومهزوماً، عبر فيديوهاته المتكررة، وآخرها التي ظهرتْ يوم 7 كانون الثاني 2021، وفيها دعا السوريين للدعاءِ لمدّةِ أربعين يوماً بعد غروبِ الشمس، من أجل إنجازِ المعجزةِ التي قال إنّها (ستخرجهم من النفقِ المظلم)، وطالبَ شعبَه أن يقفَ (وقفة الرجل الواحد) بطلبٍ واحد لتحسينِ أوضاعهم، قائلاً: (كفانا تشرذماً، هذه فرصتنا الأخيرة)، ليردَّ النظامُ بضربةٍ موجعةٍ على دعوته الجريئة، حيث أعلن مخلوف، وبحسبِ منشوره الأخير على حسابه الفيسبوكي، أنّ سلطاتِ النظام استولتْ بطريقِ التحايلِ والتزويرِ على ممتلكاته، بعقودِ بيعٍ مزوّرة، وصولاً إلى بيعِ بيته الذي يسكنه، أيضاً، وعلى ذلك، فإنّه سيكون بلا مأوى، وفي الوقتِ الذي يظهرُ فيه الملياردير، متوسّلاً وربما متسوّلاً، يستعرضُ فيه ابنه المدلّل، الذي يقطن دبي، والذي لا يملكُ شعبيةً على الإطلاق في بلده الأم، صورَ الفيلا الفخمة التي يعيش فيها، وسيارات الفيراري التي يملكها عبر حسابه على إنستغرام.


من الواضح، أن ثمّة خطّة عالمية مبيّتة، يتوقّف عليها مصيرُ الأسد، بعدما غدا النظامُ السوري رهينةً بين إيران وروسيا، ثم دخول تركيا الذي عقّد الحدث السوري، ولا ننسى مزاجَ أميركا المرتبط باللاعب الإسرائيلي الأقوى في المنطقة، في الوقتِ الذي سئمتْ فيه موسكو من حليفها الضعيف وتمرّده، ورغبتها ترسيخ مكانتها الإقليمية، وعقد اتفاقِ سلامٍ كي تبدأ المليارات بالتدفّق من الخارجِ لإطلاقِ مسارِ التعافي، وفي ظلّ العقوباتِ التي طالت (أسماء الأسد) شخصياً، كما طالتْ ابنها الأكبر الذي ما زالت تحلمُ بتوريثه الرئاسة، كما هو متعارف عليه داخل الأسرةِ الحاكمة، تعقّدت الأمورُ مجدداً، وأثبتتِ العقوباتُ أنّ وضعَ العائلةِ بكاملها على لائحةِ العقوباتِ الأميركيةِ، جاء بتنسيقٍ كاملٍ بين واشنطن ولندن، وأكثر من ذلك، جاءتِ العقوباتُ لتثبتَ أنّ التغييرَ في سوريا سياسةٌ أميركيةٌ صرفة، بغضّ النظرِ عن الرئيس الموجودِ في البيت الأبيض.


ويرى محلّلون أنّ إدراجَ (أسماء الأسد) في لائحةِ العقوبات، هو رسالةٌ مبطنة لنظامِ الأسد، مفادها أنّ أميركا لن تقبلَ بخطّةِ إبدالِ رئيسِ النظامِ بزوجته، وأنّها تتعاملُ مع الأخرس، كصورةٍ من الأسد نفسه، فيما يرى محلّلون آخرون، بأنّ احتماليةَ ترشّح الزوجة، غيرُ مرتبطةٍ بصورتها الدولية، بل بمدى أثرها، على سوريي النظامِ في الداخل، في هذا الوقتِ المثيرِ لكثيرٍ من التكهناتِ والفرضياتِ، أشيع أنّ روسيا ترتّبُ ترشيحَ (ندّ قويّ) للأسدِ في الانتخاباتِ الرئاسية، كأنْ يكونَ أحدَ الشخصياتِ المعارضةِ الكبيرة، أو مسؤولاً سابقاً في أحدِ هياكلِ المعارضةِ السورية، رغم أنّ موسكو (لم تنجح حتى الآن) في هذا المسعى، إلا أنّ الترتيبات قائمة بجديّةٍ كبيرة، ما يفتح بابَ التساؤلاتِ على مصراعيه حول مصيرِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ القادمة.


ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!