-
السُقوط المُدوّي للمعارضة السوريّة في رحيل وزير دفاع الديكتاتور صدام
ثمّة مواقف تاريخية لا يوجد أيّ تفسير منطقي أو علمي لحدوثها، حتى ولو شكّلت صدمة كبيرة لدى الغالبية من البشر، أو لدى فئة بعينها، كالتي أضحت إحدى ميزات بعض من هم في المعارضة السورية، مواقف تشكّل صدمات وانحداراً في الوقت ذاته، نحو الهاوية عند أيّ منعطف أو ما يشبه الامتحان، قد يتطلب النجاح فيه على المستوى الإنساني على الأقل، كي يكون الانطلاق في النجاح نحو الوطنية بشكل أوسع وأشمل.
لكن ما صدر طوال 48 الساعة الماضية من تلك المعارضة، وبجميع مستوياتها ومناصبها وشخصياتها الاعتبارية، عن رحيل آخر وزير دفاع في حكومة ديكتاتور العراق، صدام حسين، الفريق سلطان هاشم أحمد، سواء التعبير عن ذلك بتقديم برقيات العزاء عبر تغريدات أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر شيوخ وقبائل لهم قادة في المعارضة، وصولاً إلى إقامة مجلس عزاء في ولاية أورفا التركية، هذه المواقف ليست وليدة صدفة، أو تفسيرها عبر حالة «لا يجوز على الميت سوى الرحمة» لأنّ هذه قد تجرُّ وراءها المقولة الأخرى، «واذكروا محاسن موتاكم»، فهل لمن اعترف بنفسه أنّه صاحب الامتياز في إطلاق تسمية «الأنفال» على العمليات العسكرية التي قام بها ضد المواطنين العراقيين من الكُرد وإبادة 182 ألفاً، والتي تعد من أكبر حملات الإبادة الجماعية في العصر الحديث؟ أو كيف لمعارض يواجه ديكتاتوراً في بلده أن يستذكر محاسن حكم ديكتاتور آخر قتل، حسب المعترف به، والمعلن عنه، عشرات الآلاف من أبناء بلده، وخاض حروباً أثبت التاريخ أنها كانت دون أيّ هدف، سواء مع إيران أو الكويت، ومتهمٌ هو وكامل نظامه السابق برئاسة الديكتاتور الأكبر صدام حسين، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، بحق مختلف فئات الشعب العراقي بكل القوميات والطوائف؟ أن نذكر محاسنه من بعد موته، هذا إن كان له محاسن عبر تاريخه سوى القتل.
بالعودة إلى كل ما قيل، لو أنّها كتبت في رثاء هذا المتهم بارتكاب جميع هذه الجرائم في ثمانينيات القرن الماضي، أو قبل ثورات الربيع العربي، كان يمكن الوقوف عندها ضمن السياق الطبيعي للأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في البلاد العربية، وسياساتها الأمنية والقمعية بحق شعوبها، لكن أن تكون البوصلة ضائعة إلى هذه الدرجة في التفريق بين مجرم وآخر، هنا تكمن الكارثة التي وقع بها الشعب السوري حين صدق كلمة واحدة من هذه المعارضة التي يوماً بعد آخر تثبت أنها لا تفهم ألف باء السياسة، فكيف تقود ثورة شعب؟ وهل يمكن لمعارضٍ أو مدافعٍ عن هدف أسمى أن يُصيب في القضية التي يدافع عنها في مقتل بطريقةٍ أكثر سوءاً مما فعلته هذه المعارضة منذ 10 سنوات، رغم نزوح الملايين وقتل واعتقال مئات الآلاف، وعشرات الآلاف من المفقودين والمختفين قسرياً؟
لذلك؛ يجب عدم الاستغراب حين يبدي مئات الآلاف من السوريين امتعاضهم مما بدر من هؤلاء، وبالتالي الشعور بالغثيان بعد قراءة تلك النعوات، أو من قراءة بعض مواقف المعارضة التي تتخذها على مبدأ «الجكارة» أو بالتفضيل، بين مجرم وآخر، أو بين تنظيم إرهابي وآخر، إذ حين تفضّل بين «داعش» الإرهابي، وهيئة تحرير الشام، التي هي جبهة النصرة، واللتان في الحقيقة فرعا تنظيم القاعدة في سوريا، هذه ليست حنكة سياسية، ولا لعبة إعلامية، ولا إستراتيجيا وتكتيك لمصلحة الشعب السوري، وإنما عقم سياسي في العقلية التي تحملها وتفكر بها.
إنّ المعارضة السورية، تثبت يومياً سقوطها المُدوّي، وهذه المرة في رحيل وزير دفاع الديكتاتور، والسكوت عنها لم يعد مقبولاً، لأنّها لم تعد تمثل تطلعات الشعب الذي خرج في 2011، وطالب بالتغيير الحقيقي، وإسقاط معارضة كهذه، وكل من يمثلها أو يقف في صفّها ويدعمها، لا تقلّ أهميةً عن إسقاط النظام وتغييره تغييراً جذرياً وشاملاً، وهذا التغيير لا يدخل ضمن خانة من كانوا يحاولون إقناع الشعب أنّ الحسم والسقوط خلال أشهر، لأن المنحى الذي ذهبت إليه الاحتجاجات السلمية الشعبية، والتي ساعدت فيه المعارضة لم يؤجل فقط الحسم والسقوط، وإنما لعبت دوراً في إطالة أمد الحرب، وهذا ما ثبت من أن المرتزقة في جميع الأطراف ما يزالون يدافعون عن مصالحهم حتى اللحظة.
عبر تجّار الحروب أنفسهم في النظام والمعارضة، وهؤلاء هم المستفيدون الوحيدون من الحالة، والذين لا يشكلون 5% من كلا الأطراف، مع دعم مادي ومعنوي وماكينة إعلامية مهمتها إبرازهم فقط، وبالرجوع إلى الخريطة السياسية منذ 2011 كل شيء يبدو واضحاً حتى إن نسي بعضهم ما حصل أو تناسى، فالتاريخ لا ينسى، وما حدث مدوّن، إن لم يكن كتابيّاً، عبر ذاكرة تلك الأجيال التي لم تقع في مصيدة النظام والمعارضة معاً، ووفق تجربة السنوات العشرة الماضية.
وما جرى ويجري على الأرض لا يمكن وضع أيّة حلول جزئية، لأنها لن تطول بمجرد تغيير بعض «الطرابيش» لدى كلا الطرفين، ولنعود ثانية إلى نقطة الصفر، فالحالة السورية أثبتت بما لا يدع أيّ مجال للشك أنه لا يمكن أن نجزّأ بين الوطني والديمقراطي والاقتصادي الاجتماعي، لأنّ ما يعانيه الشعب السوري، وما يدافع عنه مترابط ومتكامل الأهداف، وكل ما قيل من شعارات وهتافات من قبيل «هانت.. بكرا أحلى.. خلصت.. الحسم العسكري.. إسقاط.. أراضي محررة.. إلخ» لم تكن سوى دغدغة الشعور لدى كل فئة حسب توجهاتها وميلها، والتي يمكن تسميتها وفق إحدى الشاعرات بـ«الحول السياسي»، فلا محتل أفضل من محتلٍ آخر، ولا اختلاف بين من ارتكب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، ولا هناك إرهابيٌ جميل و«كيوت» مختلف عن إرهابيًّ آخر، وإن كان بعض ما قيل لا يهم لتلك الأصوات التي مجدت المجرم سلطان هاشم أحمد ومعلمه الديكتاتور صدام حسين، فلا يسعنا إلا قول «اللي استحوا ماتوا».
ليفانت – علي نمر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!