الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
السياسة الروسية في سوريا.. خطوة إلى الخلف
عبد العزيز مطر


تعتبر سوريا، منذ أواخر العقد المنصرم، منطقه حيوية للنفوذ والتواجد الروسي، إبّان العالم ثنائي القطب، وليس بجديد على أحد أنّ روسيا اليوم هي وريثة القطب الثاني المتمثّل في الاتّحاد السوفيتي الذي انتهى وجوده، قبل نهاية القرن الماضي، والذي أحدثت نهايته حالة من الخلل الانتقالي في السياسة بين السلف الماضي والخلف الحالي، المتمثّل في دولة روسيا الاتّحادية التي دخلت العقد الجديد، وقد خسرت مواطن نفوذ تقليدية لها في أوربا وآسيا، وبشكل خاص، في المنطقه العربية ومنطقه الشرق الأوسط.


حيث مثّلت خسارة الروس لنفوذهم التقليدي، في مصر عبد الناصر، وعراق صدام حسين، وليبيا القذافي، ومناطق النفوذ في حديقتها الأوربيّة الشرقية، حافزاً كبيراً للسياسة الروسيّة للتمسك بآخر معاقلها في الشرق الأوسط، وهي سوريا لتجعل منها بوابة للولوج في السياسة الدولية مجدداً عبر هذه البوابة، معتمدة على حلفاء تقليدين لها كالنظام السوري والنظام الإيراني الى حدّ ما.


وتحدّثنا في مقال سابق، عن أهميه الموقع السوري في قلب الشرق الأوسط، والقيمة الجيوسياسية لهذا الموقع الذي جعل من السياسة الروسية تتمسّك أكثر في حماية نفوذها، وعدم السماح للقوى العالميّة بإقصائها، كما حدث سابقاً، في ملف العراق وليبيا والخليج العربي. 


وأتت ثورات الربيع العربي التي اجتاحت خلال فترة قصيرة معظم البلدان العربيّة، وخصوصاً سوريا، لتشكّل وترسم قاعدة جديد لإعادة إحياء وتموضع المصالح الروسية بين مثيلاتها من المصالح الاقليمية والدولية في هذه المنطقة من الشّرق الأوسط، واعتمد الروس في تدخلهم فيما يحدث في سوريا عبر الطلب الرسمي المقدّم من النظام السوري، لتفعيل هذا التدخل وليأخذ الشكل العسكري ولايقتصر على الشكل السياسي والاقتصادي.


وبعد التجاذبات الكثيرة، خلال السنين الماضية، في الأزمة السورية والصراعات التي ظهرت على الأرض السورية، بدا بشكل واضح للجميع، أنّ الروس غير مستعدّين للتخلّي عن هذه الورقة الجديدة التي فتحت أمامهم آفاق سياسية وتفاوضية مع جميع القوى، في مختلف الملفات التي تهتم بها السياسة العالمية، كمسأله مكافحة الإرهاب والسلم والأمن الدوليين وقضايا الطاقه وغيرها. 


ولايندرج حديثنا في هذا المقال حول مشروعيّة التدخل الروسي أو الجهة التي تدخل لصالحها، وماعاناه الشعب السوري من ويلات هذا التدخل أو غيره، من التدخلات الدولية والإقليمية، التي أظهرت للجميع، أنّ الدول والقوى العالميّة الدوليّة أو الإقليميّة، مايعنيها أولاً، هو مصالحها القومية التي توجّه سياساتها وتحركاتها بغضّ النظر عما ترغب به، وتريده شعوب المنطقه والشعب السوري.


وبعد تحقيق الروس لكثير من المكاسب العسكرية التي نسبها النظام السوري لنفسه، وانتصاره المزعوم على الشعب السوري، ومع بدايه تشكّل ضغط إقليمي ودولي كبير، في الأشهر الماضية، لإيقاف المأساة السورية، وتجريم مجرمي الحرب السورية، والذي يعتبر النظام السوري في مقدمة لوائح هذه الجرائم التي ارتكبتها قواته المدعومة بالميليشيات الإيرانية والقدرة الجوية الروسية.


ومع تفاعل قضية تحجيم إيران، وقوّتها، ومشروعها الأسود، في منطقة الشرق الأوسط، وإصرار القوى العالمية على إنهاء التواجد الإيراني بسوريا، سعياً لإيجاد حلّ سياسي للمسألة السورية، في الوقت الذي مازال النظام السوري يعوّل على تحالفه مع مشروع الشر الإيراني وممارسة الخداع والتضليل مع مايطلبه المجتمع الدولي، واستمراره في عملياته الاجراميّة، ومحاولته مؤخراً تضليل الحليف الروسي. 


مضافاً لجميع ماسبق، العبء الكبير الذي بدأت تتحمله السياسة الروسية في الدفاع عن هذا النظام ووصولها لقرار، أنّ مصالحها الحيوية في سوريا غير مرتبطة بوجود هذا النظام بقدر ارتباطها مع الشركاء الدوليين والإقليمين في سوريا، وكانت خطوة روسية كبيرة للخلف، تتمثل في الاستعداد للحوار والبحث عن بديل، يلبّي الحدّ الأدنى من تطلعاتها، ويحافظ على استمرار مصالحها طبعاً بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري، وأصبح الروس على استعداد أكثر من أي وقت مضى للدخول في حوار أساسه، رحيل هذا النظام البائس، وخصوصاً في خضم الصراع الروسي الإيراني الخفي في سوريا، على مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري في مفاصل الدولة السورية، من الجنوب في دمشق، ودرعا  إلى الشرق في محافظة دير الزور والبادية السورية وصولاً لمناطق الساحل، وتصاعد هذا الصراع، وامتداده لصراع ضمن الأجنحة في النظام السوري، التي تتبع لكلا النفوذين، ومحاولة الروس تحجيم القوة العسكريه للميليشيات الإيرانية وحصارها وإيجاد بدائل عنها، والتغاضي كثيراً عن الضربات الجويّة التي تنفذها قوّات التحالف ضدّ هذه الميليشيات، والسماح بها، بل والحد من القدرات الجويّة السوريّة لمجابهة هذه الضربات. 


الأيام القادمة حبلى بالكثير، والعودة الكبيرة من خلال نظام قادم لا يكون فيه للإسلام السياسي أي دور بسبب المخاوف التي يعززها تحالف الإسلام السياسي القديم الجديد مع القوة الإيرانية، ومحاولته الدائمه العمل على زعزعة الاستقرار في منطقه الشرق الأوسط وبلدانه، وطرح مفاهيم وقيم لاتتوافق مع هذه المرحلة. 


ومما سبق، فروسيا هي دولة تحكم سياستها مصالحها الاقتصادية والسياسية، ولايتحكم بهذه السياسة التحالف مع شخص أو حماية نظام أو شخص، ومع انتهاء أسباب وجود هذا النظام في تلك المصلحة، لن يجد من يدافع عنه قريباً في استحقاقات المرحلة القادمة التي أجّلت كثيراً من قبل المصالح الدولية، استكمالاً لتحقيق توجهاتها ومصالحها في سورريا، لا في مجلس الأمن أو في لاهاي.


ليفانت – عبدالعزيز مطر 








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!