-
السودان ومبادرة فولكر.. رفض للحوار المشرّع للعسكر
استقال عبد الله حمدوك رئيس الحكومة السودانية من منصبه في الثني من يناير الجاري، عقب أشهر من الاحتجاجات التي بدأت في 25 أكتوبر العام الماضي، رفضاً للإجراءات الاستثنائية التي فرضتها القوات المسلحة حينها، وحلت بموجبها الحكومة والمجلس السيادي، وللاتفاق الموقع مع حمدوك أيضاً في 21 نوفمبر الماضي، والذي ثبت الشراكة في حكم البلاد مع المكون العسكري، وأفقد رئيس الحكومة في ذات الوقت، حاضنته السياسية، حيث طالب المحتجون بتسليم الحكم في البلاد إلى حكومة مدنية صرفة، ووقف مشاركة القوات الأمنية في ادارة البلاد.
استقالة حمدوك
وقال حمدوك ضمن كلمة متلفزة، أن هناك صراعات عدمية بين مكونات الانتقال، مؤكداً على أنه سعى لتجنيب السودان خطر الانزلاق صوب الكارثة، كما نوّه إلى أن الحوار هو الحل نحو التوافق لإكمال التحول المدني الديمقراطي، مشدداً على أن الأزمة الكبرى في السودان هي أزمة سياسية وتكاد أن تكون شاملة، حسب تعبيره.
اقرأ أيضاً: واشنطن تجدد دعوتها لانتقال ديمقراطي في السودان وحماية المحتجين
كما بيّن أن الاتفاق السياسي كان محاولة لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار، مشيراً إلى أنه حمل أفكاراً لوقف التصعيد وإعلاء مصلحة السودان، معتبراً أن أفق الحوار انسد بين الكلّ ما جعل مسيرة الانتقال في السودان هشة، كما شدد على أن قبوله التكليف بمنصب رئيس الوزراء كان عقب توافق سياسي، لافتاً إلى أن الأطراف بذلت جهداً لإخراج السودان من عزلته وإعادة دمجه في المجتمع الدولي، ورأى أن الحكومة الانتقالية واجهت تحديات جسيمة أبرزها العزلة الدولية والديون، مشدداً على أنها تعاملت مع كافة التحديات.
مبادرة فولكر
وفي ظل التشتت السوداني، حاولت الأمم المتحدة أن تكون وسيطاً في هذا البلد الساعي للتحرر من عواقب سنوات الحصار والعقوبات الاقتصادية، فأعلنت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس"، في الثالث من أكتوبر، عن استعدادها لتسهيل حوار شامل لحل الأزمة السودانية.
وقال فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، إنه يؤمن بـ"وجوب معالجة انعدام الثقة بين جميع الأطراف بشكل عاجل، بهدف إيجاد أرضية مشتركة لمسار متفق عليه بشكل متبادل للخروج من الأزمة الحالية"، مشيرا إلى أنه "حين تشهد البلاد اليوم عقبة أخرى إثر الانقلاب الأخير في 25 أكتوبر، يستمر نضال الشعب السوداني في سبيل الحرية والديمقراطية".
اقرأ أيضاً: السودان.. دعوات لمسيرات حاشدة اليوم وحقوق الإنسان تدعو لاحترام حق التظاهر
لكن السودانيين الذين لم يتقبل كثير منهم "انقلاب البرهان" على الحكومة وحمدوك، رفضوا المبادرة، وقرروا مواصلة احتجاجاتهم الرافضة لعسكرة الحكم، فكانت شوارع السودان ساحاتهم لمواجهة العسكريين، ما قابله هؤلاء بالقوة، فاستخدمت القوات الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرات التي خرجت في مدن سودانية، بما فيها الخرطوم وبورسودان، احتجاجاً على استمرار حكم العسكر، بداية يناير الجاري، وانتشروا في محيط القصر الرئاسي.
كما رفضت قوى الحرية والتغيير في السودان، المبادرة، وقال المكتب التنفيذي إنه ليس جزءاً من أي نقاشات حول ميثاق أو إعلان سياسي جديد في البلاد، ورغم ذلك، كشفت الأمم المتحدة، في الثامن من يناير، عن إطلاق مشاورات "أولية" لعملية سياسية شاملة بين الأطراف السودانية، إذ قالت الأمم المتحدة ضمن بيان لها: "يطلق الممثل الخاص للأمين العام، رئيس بعثة يونيتامس، السيد فولكر بيرتس، بالتشاور مع الشركاء السودانيين والدوليين، رسمياً المشاورات الأولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية".
اقرأ أيضاً: غموض يسود المشهد السوداني.. مخاوف من انزلاق البلاد إلى الفوضى
ورحبت السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، بإطلاق مشاورات بين الأطراف السودانية لحل الأزمة في البلاد، داعية إلى اغتنام الفرصة لاستئناف الانتقال إلى الديمقراطية، وقالت في بيان مشترك نشرته وزارة الخارجية الأمريكية: "ترحب الرباعية الدولية (السعودية والإمارات وبريطانية والولايات المتحدة) بالإعلان عن قيام بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان بتسهيل المناقشات لحل الأزمة السياسية في السودان، إننا ندعم بقوة مبادرة الحوار هذه بمساعدة الأمم المتحدة وقيادة السودانيين".
رفض سوداني للمبادرة
إلا أن السودانيين واصلوا التظاهر، وأعلن تجمع المهنيين السودانيين في التاسع من يناير، في بيان عن رفضه للحوار مع المجلس العسكري، وأكد أن "الحل هو إسقاط سلطة المجلس العسكري وانتزاع سلطة الشعب المدنية الكاملة"، منتقداً "تحركات" فولكر، وقال إنها "منذ فترة مثيرة للجدل ومفارقة للمهام الموكلة للبعثة التي يقودها"، واعتبر أنه سعى "لتثبيت وحشد الدعم لاتفاق الخنوع" مع رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، وأضاف أن "ممارسات فولكر تخالف أسس ورسالة المنظمة الدولية في دعم تطلعات الشعوب في الحرية والسلم والعيش الكريم".
اقرأ أيضاً: مقتل اثنين في تظاهرات جديدة بالسودان
كما أكد تجمع المهنيين السودانيين "تمسكه الصميم باللاءات المعلنة من قبل القوى الثورية الحية، (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية)، وتبنيه القاطع للأدوات المتنوعة التي أشهرها شعبنا في المقاومة السلمية حتى انتزاع سلطة الشعب المدنية الخالصة وتأسيسها على الشرعية الثورية"، بينما دعت قوى الحراك الوطني، وهي تحالف سوداني يضم مجموعة أحزاب، إلى وقفة احتجاجية في العاشر من يناير، رفضاً لتدخل البعثة الأممية الخاصة بالسودان بالشأن الداخلي، وذلك بعد يومين من إطلاق رئيس البعثة الأممية، فولكر بيترس، دعوة رسمية لحوار سوداني سوداني (بين العسكريين والمدنيين) لحل الأزمة الراهنة والوصول إلى تسوية سياسية.
انطلاق رغم الرفض
ورغم ذلك، ذكرت بعثة الأمم المتحدة في السودان، إن مشاورات ستنطلق في العاشر من يناير، بغية بدء مفاوضات مباشرة لحل الأزمة السياسية في البلاد، حيث ذكر ممثل الأمم المتحدة فولكر بيرتس في مؤتمر صحفي بالخرطوم، إن المحادثات الأولية، سوف تتطلب مشاورات فردية واسعة النطاق ترمي إلى الانتقال إلى مرحلة ثانية من المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة بين مختلف الأطراف، وقد رحب مجلس السيادة الانتقالي في السودان بمبادرة الأمم المتحدة لتسهيل الحوار بين السودانيين، ودعا إلى إشراك الاتحاد الإفريقي لإسناد المبادرة، والمساهمة في إنجاح جهود الحوار السوداني.
اقرأ أيضاً: السودان.. مفاوضات مباشرة لحل سياسي برعاية أممية
ورغم بدأها، فإن رفض المتظاهرين السودانيين من جهة، والقوى السياسية المعارضة من جهة ثانية، لاستيلاء العسكر على الحكم، ولمبدأ الحوار معهم من أساسه، يُرجح ألا تجد المبادرة الأممية أرضية صلبة لتحقيق توافق ما، بين العسكر ومعارضيهم الساعين إلى حكم مدني خالص، فيما تعتبر فكرة الحوار مقبولة للعسكر، وأقرب إلى شرائهم للوقت، كونها قد تساعدهم على ترسيخ حكمهم بشكل أكبر، وتخفف من احتقان الشارع ضدهم، الأمر الذي يُعتقد بأن الشارع السوداني يدركه، وعليه قرر رفض الحوار المرعي أممياً، ما دام أنه سيشرعن لحكم العسكر، أكثر من أن يضيق عليهم.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!