الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
السعودية ركناً في مُواجهة أحلام أنقرة التوسعية
السعودية - الجيش السعودي

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


قال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، منتصف فبراير، إن المملكة تعارض توغل تركيا في سوريا، ودعمها للميليشيات المتطرفة في ليبيا والصومال، مؤكداً قلق بلاده من انتقال المقاتلين الأجانب من ​سوريا​ إلى ​ليبيا​ والتي سيكون لها تبعات على أوروبا، مشيراً إلى أن “السعودية لا تميل إلى طرف على حساب آخر في الصراع الليبي وأبلغنا حفتر والسراج ضرورة التوصل إلى حل سياسي”.


ويأتي الموقف السعودي الأخير ليكمل مواقف أخرى يمكن الإشارة إليها منذ بداية العام الجاري، ففي السابع من يناير، أعلن مجلس الوزراء السعودي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رفضه وتنديده بالتصعيد العسكري والتدخلات التركية في الشأن الليبي بشكل مخالف للمبادئ والمواثيق الدولية، كما أكد مجلس الوزراء أن التدخل التركي يعد انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن ليبيا، ومخالفاً للموقف العربي الذي تبناه مجلس جامعة الدول العربية في ديسمبر 2019، ويقوض الجهود الأممية الرامية لحل الأزمة الليبية، ويشكل تهديداً للأمن الليبي والعربي والإقليمي.


استغلال التاريخ لحرف الحقائق


ويصب الموقف السعودي في جدول ينتهي مواجهة الطموحات التوسعية التركية في الإقليم والمنطقة العربية وشمال أفريقيا، مع توسع تلك الجبهة بشكل تدريجي عقب إدراك معظم الأطراف الإقليمية والدولية، الغايات المبطنة لأنقرة في سوريا وغيرها، من خلال استغلال الاضطربات ودعمها في مواجهة السلطات (أياً كانت شرعيتها أو عدم شرعيتها)، والتي من المفترض أن لا تكون مبرراً لأي طرف وطني في أي بلد للاستقواء بتركيا وإدخالها كطرف في نزاعات محلية يمكن في كثير من الحالات إيجاد حلول لها، لولا التحريض التركي لطرف ضد آخر.


إقرأ أيضاً: من موسكو إلى واشنطن: حان الوقت لمُغادرة شرق الفرات!


وربما هو ما ذهب إليه تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية، في التاسع من يناير، والذي قال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتلاعب بالتاريخ لتبرير غزوه ليبيا، حيث عرضت تقريراً تحت عنوان “أردوغان وسياسة التاريخ في ليبيا”، والتي أوضحت الصحيفة الفرنسية فيها أن الرئيس التركي يبرر إرسال قواته باسم الماضي إلى بلد كان يقع تحت الحكم العثماني حتى عام 1912، وأشارت إلى أن “أردوغان يستخدم التاريخ في تبرير توسعه، وقبل كل شيء، للبقاء في السلطة”.


الإتجار بالسوريين وتحويلهم إلى مرتزقة


ونتيجة التجاور الجغرافي بين تركيا وسوريا، أستغلت أنقرة الحرب السورية التي كانت تطالب بالإصلاح وبناء سوريا جديدة، بتمويل وتسليح المتشددين، وإدخال السوريين في أتون صراعات إقليمية ودولية، وصلت أخيراً إلى ابتعادهم عن قضيتهم الأساسية التي كانت بناء نظام وطني، وتحولت إلى محاربة مكونات عرقية محددة في سوريا كالكُرد خدمة لأجندات تركيا الساعية للتخلص منهم، نتيجة مخاوفهم من نقل عدوى الحقوق الدستورية من سوريا إلى تركيا، فيما لو تمكن الكرد على الجانب الآخر من الحدود من أستحواذ أي شيء، وهو ما تكرر في ليبيا، التي تم تجنيد مسلحين فيها يحملون الجنسية الليبية لتمرير مشروع التوسع التركي، ما عارضته الرياض مجدداً، سواءاً بتجنيد الليبيين أو السوريين من قبل تركيا.


وفي ذلك السياق، أطلق وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في الثامن والعشرين من يناير، تصريحات رافضة للمطامع التركية، فقال إن إرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا عبر تركيا خطوة “خطيرة جداً جداً"، وقال بن فرحان، في مقابلة مع شبكة “CNN” الأمريكية: “لم تكتف تركيا بإرسال مستشارين، لكننا سمعنا وأطلعنا على معلومات استخباراتية حول نقل مقاتلين سوريين إلى ليبيا عبر تركيا"، وأضاف: “هذا أمر خطير للغاية لأنه يضع مقاتلين غير منظمين في ساحة قتال معقدة بما يكفي، وهو أمر قد يسهم بتعزيز خطر دخول عناصر متطرفة على خط الأزمة الليبية، يجب منع ذلك”، وتابع قائلاً: “أنا قلق جداً مما تفعله تركيا في ليبيا وهو أمر يجب أن نقلق جميعا إزاءه”.


إقرأ أيضاً: العقوبات الإقتصادية والأخطاء تُنبئ “روحاني” بـ (ثورة)


وأضاف وزير الخارجية السعودي إن بلاده دعمت الاتفاقية التي تحافظ على هيكلية الحكم في البلاد وتضمن دوراً لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر فيها، وللحكومة في طرابلس، مشدداً على ضرورة أن “تواصل الأطراف الليبية الحوار والعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي”.


من ليبيا إلى سوريا


وقال وزير ​الخارجية السعودية​ ​فيصل بن فرحان​ آل سعود في الخامس عشر من يناير: "نرفض التدخل العسكري التركي في شمال سوريا"، وركّز الوزير السعودي​ على أنّ "منطقتنا العربية تمرّ بتغيرات سياسيّة واقتصاديّة، وأحداث المنطقة تجعلنا مطالَبين بالتصدّي للتهديدات كافّة"، لافتًا إلى أنّ"سياسة السعودية ترتكز على الاحترام الكامل لسيادة الدول"، وشدّد الوزير "أنّنا لا نقبل أي تدخّل يمسّ باستقرار ​الدول العربية​ وسيادتها، وندعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ​سوريا​".


موقفٌ لم يرق أنقرة، التي بدأ إعلامها هجوماً مضاداً على المملكة، حيث ذكرت صحيفة “يني شفق” المحلية، أن الحراك التركي في شمال سوريا و”تطهير ممر الإرهاب” (على حد زعمها)، وما تلاه من تحول نحو شرق المتوسط، أزعج دول الخليج كثيراً، لافتة إلى وجود حراك مكثف من أبوظبي والرياض مع اليونان وقبرص اليونانية، وأشارت الصحيفة الموالية للرئيس التركي، إلى زيارة وزير خارجية قبرص اليونانية، نيكوس كريستودوليديس، إلى الرياض، واستقباله من أعلى مستوى سعودي، الملك سلمان، في الوقت الذي يجري فيه وزير الخارجية السعودي اتصالات مباشرة مع أثينا.


إقرأ أيضاً: مُشكلة أنقرة في إدلب.. (خسارتها) دون كسب كوباني


بدوره، قال نجم الدين أجار الأكاديمي في جامعة ماردين آرتوكلو، إن ما أسماها (التحالف السعودي الإماراتي)، يريد إبقاء تركيا منشغلة في مستنقع الأزمة السورية لفترة طويلة من الزمن، للحيلولة دون التحرك بشكل أكبر في المنطقة (وهو ما يشير بوضوح إلى نوايا أنقرة في التحرك في كل الاتجاهات ما دامت الفوضى تسمح بذلك)، متابعاً أن "السعودية والإمارات تريدان أن تتقوقع السياسة الخارجية التركية فقط في سوريا، بحيث لا يسمح لها بأن تأخذ دورها في بلدان أخرى كقطر ومصر وباكستان وإيران بالإضافة إلى ليبيا".


الذرائع التركية الواهية


وأضاف المحلل التركي أن "أولوية تركيا في المنطقة كانت تركز على إرساء الديمقراطية وخاصة في مصر وسوريا، والحفاظ على حقوق الإنسان، في حين أن السعودية وحلفاءها هدفها الأساسي الحفاظ على بقاء نظام الحكم الملكي وأمنه بعد ثورات الربيع العربي".


وبغض النظر عن إتهام المحلل التركي للسعودية، لكن من المؤكد وفق ما ذهبت إليه الأوضاع في سوريا وليبيا، أن آخر ما قد يهم تركيا هو الديمقراطية في البلدين، خاصة أن الديمقراطية في تركيا ذاتها قد أصبحت موضع تشكيك، مع لجوء السلطات إلى حرمان رؤوساء بلديات منتخبين من مقاعدهم لصالح عزلهم وتعيين آخرين من حزب العدالة والتنمية عوضاً عنهم بحجة دعمهم للإرهاب، وهي تهمة جاهزة لكل من ينادي بحل القضية الكردية في تركيا، خاصة من أنصار حزب الشعوب الديمقراطية التي يقبع رئيسها صلاح الدين دميرتاش منذ سنوات في سجون أردوغان.


كما أنه من غير المنصف حديث تركيا عن حقوق الإنسان، حيث ساهم التدخل التركي في تهجير أكثر من 350 ألف كردي في عفرين يناير العام 2018، وهو ما تكرر في شرق الفرات عندما هجر قرابة 300 ألف من مدينتي رأس العين وتل أبيض، إضافة إلى النفخ في أتون الحرب الليبية التي تدور فيها عجلة الموت، لتحصي المزيد من الأبرياء، وهي بالتأكيد تجارب لن يكون لأحد الرغبة في تكرارها، كونها باتت معضلات بحاجة إلى معالجة أكثر من أي وقت مضى.


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!