الوضع المظلم
السبت ١١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الساحل السوري، جمر تحت الرماد
الساحل السوري، جمر تحت الرماد

أليمار لاذقاني


تزداد الأوضاع في الساحل السوري سوءاً يوماً بعد يوم، ففي الوقت الذي تدهورت فيه أسعار صرف الليرة أمام العملات الأجنبيّة، وعجز النظام عن تقديم أيّة حلول واقعيّة تنقذ أهالي الساحل من الفقر والعوز، يسود الصمت الساحل الذي اعتبره الكثيرون خزانه البشري، وأكثر المناطق قرباً من النظام، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً هو إلى متى سيبقى هذا الصمت هو سيّد الموقف في مناطق تتقدم بثبات نحو الفقر المدقع والمجاعة وأزمات صحيّة وخدميّة، قد تجعل هذه المناطق منكوبة بالكامل في شكل حياتها الممكن في المستقبل القريب.


الشتاء القاسي


بدأت الأحوال المعيشيّة بالتدهور مع انطلاقة ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، وقد تذبذبت قدرة النظام على تأمين مصادر الطاقة من كهرباء ومحروقات وإسطوانات الغاز المنزلي، إذ مرّت فترات كانت هذه المواد تتوفر بشكل نسبي، إلى أن وصل الأمر في شتاء عام 2018 حيث لم تشهد مناطق الساحل السوري أي أزمة طاقة تذكر، ومع توقف انقطاع الكهرباء وتوفر المازوت والغاز، بدأ الناس يشعرون بأنّ الأحوال المعيشيّة بدأت بالتحسن، حيث كانت السوق السوداء هي خيارهم البديل والتي كانت تشهد أسعار مضاعفة خاصّة للمازوت والغاز، لكنّ هذا الشتاء شهد انتكاسةً حادّة على صعيد الكهرباء والغاز، حيث لامس تقنين الكهرباء ذروته (ساعتان تشغيل مقابل أربع ساعات انقطاع) واستقر على هذا الحال، بينما وصل سعر إسطوانة الغاز إلى 15000 ليرة أي ما يعادل ستة أضعاف سعرها الرسمي (2650 ل.س.)، هذا بالرغم من إجراءات النظام لتنظيم التوزيع من خلال البطاقات الذكيّة، والتي انتقل دور الإسطوانة من 23 يوم إلى 45 يوم في أحسن الأحوال، ما يحيل مادة الغاز لمادة شبه مفقودة لدى نظام الأسد.




يقول (ك.ح.) من قرى طرطوس وهو معتمد لتوزيع اسطوانات الغاز من قبل النظام: (لا تستطيع الدولة أن تفعل شيئاً سوى تنظيم الضبوط التموينيّة، ودفع الناس باتجاه الشكوى علينا، وكأننا نحن من نعبئ الغاز الطبيعي ونحن من يبيعه!!، عندما بدأ التعامل بالبطاقة الذكيّة قلنا إن أزمة الغاز قد حلّت، لكنّها تفاقمت وألغوا الفترة الزمنيّة المحددة للمستهلك لتصبح مفتوحة، مازاد نقمة الناس على الغاز وعلى المندوبين (المعتمدين)، وأصبح الزبون يصرخ بوجهك ويكيل لك بالشتائم ولا يعطوننا أرباحنا، هذا مع تناقص مبيعاتنا وملاحقة دوريّات التموين لنا بكلّ شيء، قال لي أحد عناصر التموين إننا مطالبين بأربع ضبوط تموينيّة يوميّاً وسنحاول تحقيقها بأي ثمن، عندما كانت "سادكوب بانياس" (شركة تعبئة إسطوانات الغاز التابعة لمصفاة بانياس) تعبئ في اليوم الواحد 15000 جرّة كانت الغاز متوفّر، والآن لا تعبّئ سوى 5000، فكيف سيتوفر الغاز، هل تعبئ البطاقات الذكيّة الغاز ؟، هل تعبئ الضبوط التموينيّة الغاز، إسألوا من يستولي على حقول الغاز لا المندوبين).




كما شهدت الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الخضار والفواكه، وارتفاعاً كبيراً في المواد التموينيّة خاصّة المستوردة والتي ترتفع مع ارتفاع سعر صرف الدولار، إلى جانب الضغط المستمر من هيئات النظام التموينيّة والضرائب الماليّة على التجار الذين سيعوضون خساراتهم من الأهالي الذين يلوذون بالصمت لحد الآن أمام كل هذه العقبات.


 


الفساد يزيد الطين بلّة


بالإضافة لإفلاس النظام اقتصاديّاً وماليّاً، فهو في حالة فساد كبير رغم كل حملاته المتتالية على الفساد، ورغم كل تحشيده ضد الفساد محاولاً خلق شرعيّة ما لدى ما تبقى من موالين، إلّا أنّ طبيعة النظام تجعله عاجزاً عن تغيير بنية الفساد ومنظومته المتكاملة التي يرتكز عليها النظام في الأساس، والتي تضمن له بضعة انتهازيين يحاربون من أجله، والقليل من الضحايا المأخوذين بدعاياته المتتالية عن محاربة الفساد، الذي يبدأ في نظام الأسد من بشار الأسد نفسه وأقرباؤه الذين حولوا البلاد عبر خمسين عاماً لمزرعةٍ تدر عليهم الثروات الطائلة.




وفي هذا الصدد يقول الناشط السياسي ومعتقل الرأي السابق ( س. ش.): "راكم نظام الأسد الأب والأسد الابن عبر خمسين عاماً منظومة فسادٍ متكاملة تضمن له استمراره في البقاء في الحكم، وتشرف الأفرع الأمنيّة على كل مفاصل الفساد في البلاد، وتتعشق معها ليتماهى الفاسد مع رجل الأمن، في سوريا هناك وجهان للنظام، الوجه الرسمي، والذي نراه في إعلامه وخطاباته وتصريحاته التي نراها غالباً مسالمة وعلمانيّة وحضاريّة ودولة قانون، ووجه آخر أو ما يسمى الدولة العميقة وهو مخابراته وجيشه وميليشياته التي لا تعبأ إلا لشيئين أساسيين هما بقاء هذا النظام واستمرار مصالحهم الماديّة الشخصيّة، وآخر ما يفكّرون به هموم الأهالي، بل يفكّرون في ترهيب الأهالي أكثر فأكثر لضمان استمرارهم، وما محاربة الفساد سوى قناع باهت يستخدمه النظام منذ نشأته ويتلطّى خلفه الخوف والترهيب والقمع، لذا أعتقد أن مسألة إصلاح النظام لا تمكن أن تحدث إلّا بزوال الأفرع الأمنيّة و حالة الترهيب المستمرّة، وهذا يعني بالتأكيد زوال النظام نفسه).




احتمالات نشوب احتجاحات


تبدو الحياة في الساحل السوري محبطةً للغاية، ويبدو المستقبل حالك السواد، ففي حين وعد النظام مواليه بنصر مؤزر، وبثّت هيئاته الأمنيّة والبعثيّة الدعايات والإشاعات الكثيرة حول عودة الدولار لسعر صرف ما قبل الثورة وعودة الحياة إلى ما كانت عليه، وبعد أن دفع الأهالي الكثير الكثير من الضحايا والجرحى، وبعد أن فقد جلّ أبنائهم زهوة عمرهم في الخدمة داخل قوّات النظام، حيث ذهب مستقبلهم هباءً، لم تنطلق احتجاجات مشابهة لتلك التي تحصل في السويداء ذلك بسب الخوف من الأجهزة الأمنيّة التي ماتزال تربض على صدور الناس وتهددهم كل يوم بالاعتقال والقتل وتسليمهم لداعش أو لمتطرفين إسلاميين، حيث لا يفوّت النظام وهيئاته فرصةً لتذكير الأهالي بجبروته وغطرسته التي قد تطيح بما تبقى لدى هؤلاء الأهالي.

إلا أنّ احتمال نشوب احتجاجات بشكلٍ أو بآخر عفويّة أو منظّمة تبقى قائمة في ظل تراجع مكانة النظام وهيبته في نفوس الأهالي بشكل مستمر.




وحسب نشطاء فإنّ محاولات عديدة بدأت بالفعل في الساحل السوري تطالب ببعض الإصلاحات، منها تلك التي قام بها ذوو العساكر المحاصرين، حيث اعتصموا أمام مبنى المحافظة مطالبين النظام بالتحرك لفك الحصار عن مطار كويرس ، ذلك لثقتهم بأنّ النظام لا يأبه لموت جنوده بل يحاول كسب التعاطف الدولي، وتلك الاعتصامات التي نظمها سائقوا الحافلات والإضرابات الجزئية المحدودة بين الحين والآخر والتي يقوم النظام باحتوائها بشكل فوري، إلّا أنها وحسب النشطاء لا ترقى لتحركات مطلبيّة ضاغطة بل تبقى في سياق تذكير المسؤولين بمهامهم حيث كانت شعارات الولاء تغطي هذه المظاهر.




خاتمة

لا يمكننا الحديث عن معادلة الاحتجاجات ضمن ظروف مستقرّة، فلو كان الأمر كذلك لكانت مظاهرات أهالي الساحل قد غطّت الآن شوارع طرطوس واللاذقيّة، ولا يمكننا الحديث عن عامل الخوف وحده، وهو عامل مؤثّر للغاية، لكنّه ليس العامل الوحيد في هذا الصمت المدهش، فهناك عامل قد يكون أكثر تأثيراً وهو الإنهاك الذي أصيب به جموع الناس في الساحل السوري، لا بل في عموم البلاد، إضافةً لمعرفة الناس الدفينة بأنّ قدرهم بات بأيدي المحتلين وبأنهم لن ينالوا شيئاً من احتجاجاتهم، حيث نستطيع القول إنّ أحداث الثورة السوريّة أنهكت السوريين وجعلتهم مطواعين لإرادات الدول الفاعلة أو هذا ما يبدو عليه الأمر الآن، إلّا أننا لا يجب أنّ ننسى أن الشعوب دائماً تنهض من الركام، وأن السوريين الذين فاجأوا العالم بثورة الحريّة والكرامة لابدّ سيفاجئون العالم بأنّهم عصيين على الخضوع.


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!