الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الحب في زمن الحرب
المرأة والعنف الصامت

رانيا حلاق 


إذا كان الحب ضرورة لسعادة الإنسان في الأحوال العادية، فإنه في زمن الحرب شرط أساس للبقاء والاستمرار، سواء أكان بين الرجل والمرأة، أو بين الأصدقاء والأقرباء وضمن الأسرة، أو بين الأشخاص، فوحده الحب يستطيع أن ينمو وسط بشاعة المشهد الدموي، وإمكانية أن نحب في زمن الحرب تعني أننا لا نزال على قيد الحياة، ونرغب في التحدي والعيش.


 


الحب والحرب، تلك الثنائية المتناقضة، وإن بدتا للوهلة الأولى عصيِّتين على الاجتماع معًا، ولكن مع كل تلك الحكايات القادمة لنا من أرض الحروب سوف نكتشف، أنهما ربما كانتا الكلمتين الأكثر ارتباطًا على مرّ العصور، فالحب أشبه بالملجئ المحصّن الذي نهرع إليه في أوقات الغارات، وهو في تلك الحالة ليس اختيارًا بقدر ما هو احتياج، فعلى قدر ما تولِّده مأساة الحرب من دمار وقتل، تُوَلِّد أيضًا الحاجة إلى العودة إلى الطبيعة الإنسانية حيث يشعر الإنسان مع الحب أنه لا يزال على قيد الحياة.


 


فهل نحن قادرون على أن نحب ونعيش ذلك الإحساس الجميل وسط أهوال الحرب وبشاعتها؟ وهل يستطيع من عاش فظائع الحرب وعانى من ويلاتها جسدياً ومادياً ونفسياً أن يمنح الحب لسواه، وأن يقدر على تلقي الحب من الآخرين بشكل طبيعي، مثله مثل شخص يعيش في بلد آمن لم يشهد العنف والدمار؟.


 

مع أن الحرب السورية تمخضت عن خراب وموت ونزوح وخسائر لا حصر لها على الصعيد الجسدي والمادي، فإن كل ذلك يمكن ترميمه وعلاجه خلال عدة سنوات، ولكن الخسائر على المستوى النفسي لضحايا الحرب تحتاج إلى عقود كي تندمل، وفي كل حالات الخسارة هذه يتقدم الحب بين الضحايا أنفسهم من جهة، وبينهم وبين المتعاطفين معهم من جهة ثانية، ليقود عملية النهوض من جديد وإعادة البناء.


 


إن مفهوم الحب بأبسط أشكاله: هو أن تُفكّر لغيرك كما تفكر لنفسك. ما يعني أنه اندفاع لمساعدة الآخر دون شروط طائفية أو عنصرية أو مناطقية، بل فقط لأنه إنسان يتألم، كأن نهرع لمساعدة عاجز أو نُقدّم الطعام لجائع أو نقف إلى جانب شخص مظلوم، بغض النظر عن هوية من نساعدهم، ومن غير أهداف أنانية مثل كسب الثواب لتحصيل مقابل في الجنة، ومثل هذا المعنى لمفهوم الحب لا يأتي بالفطرة بل بالاكتساب والتعلم من الأهل والمدرسة والبيئة.


 


هنا حيث أعيش في لندن، أتابع في رواحي وغدوي يومياً عشرات الصور لمواقف إنسانية بسيطة تُعبّر عن ثقافة الحب دونما شروط، لقد تربى الناس هنا منذ طفولتهم المبكّرة على مساعدة المحتاج، والتبرع بالوقت والجهد والمال للجمعيات الخيرية، وللمدارس والطلاب الفقراء والمرضى. فهم يتعلمون الحب في المدارس والجامعات وأماكن العمل وفي الشوارع، بحيث تَحولَ الحب إلى ثقافة عامة وعادة، هذه الثقافة المجتمعية تُصيِّرُ الإنسان متوازن أو قادراً على اكتساب السعادة من خلال تبادل الحب مع الآخر.




الحب الحقيقي هو أن تحب الشخص كما هو، بشكله ولونه وقوته وضعفه، وأياً كانت حاله المادية ومستوى تعليمه وثقافته، وأياً كانت وظيفته ومركزه الاجتماعي والسياسي، كثير منا لا يقترب من الأقل منه ثقافياً أو مادياً أو اجتماعياً، ولا من المختلف عنه عقائدياً. فثقافتنا في جوهرها قائمة على رفض الأخر لأنه مختلف، لم نتعلم مفهوم الحب بمعناه الحقيقي الذي يتجلى في التضحية لمن نحب.


 


نعم نحن شعوب تُمثل مشاهد الحب وتبالغ في أداء هذا الدور، لكننا في الواقع لا نعي ماهية الحب بمعناه السامي، ولا نمارسه بشكل حقيقي صادق، نحن نحب تملّك من نحب ضمن شروط شكلية ونوعية مسبقة، وهو حب مُقيّد إلى سلاسل العادات المتخلفة، وليس حراً طليقاً.


 


فكيف بالسوري الذي تعرّض للعنف في البيت والمدرسة ومن السلطة والمجتمع أن يكون قادراً على أن يحب غيره ويحترمه ويُقدّره، في الوقت الذي لم يتعلم فيه كيف يحب نفسه ويحترمها ويقدرها، ومن ثم يحب الآخرين ويحترمهم.




وأخيراً أرى أن الحب الصادق والحقيقي والمؤثر في نهضة الأمم، لا يمكن أن ننتظره من الفطرة، وإنما لابد من تعلّمه والتدريب عليه في البيت والمدرسة والشارع.


الحب في زمن الحرب


الحب في زمن الحرب

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!