-
الحالة السورية
يشبه وضع سوريا والسوريين من يخرج من تحت القصف مصدوماً، فهول ما حدث وضبابه يجعله في حالة ذهول وحيرة، وغباره يغطي كل ملامحه ليشبه تماثيل الحجارة.
هل نصدق أن الجيش العربي السوري قد استخدم كل قوته وكل أسلحته ضد مدن سوريا وشعبها من دون رحمة طيلة ثمان سنوات؟ هل نصدق أن حزب العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين العربي الإشراكي حامل رسالة الوحدة والحرية ينخرط في تدمير بلده وتقويض أسسها أرضاً وشعباً وسيادة واستقلالاً بهذه الطريقة؟، هل نصدق أن حلف المقاومة الذي يهدف لنصرة شعب فلسطين ضد العدو الصهيوني يرتكب جرائم إبادة وتهجير بحق شعب سوريا تفوق كماً ونوعاً ما فعله الصهاينة وبمشاركة من منظمات فلسطينية؟.
من كان يتوقع من جيل الطلائع الذي تربى على عبادة القائد وطاعة النظام وتعرض لغسيل دماغ منذ ولادته، أن يخرج مطالباً بإسقاطهم؟.
من يصدق أن المجتمع السوري قد احتضن داعش وأخواتها؟، من يصدق أن المعارضة السورية التي حملت لواء الحرية والديموقراطية ومحاربة الفساد والتي جلها من المثقفين الذين دفعوا ثمن مواقفهم أن تنحط بعد الثورة لسويات تفوقت على النظام نوعياً؟، من فساد وعمالة ومحسوبيات. من كان يتخيل أن معظم الدول العربية تعمل خلسة لتقويض طموحات الشعب السوري تحت عنوان المساعدات؟، وأن معظم الدول الصديقة تتواطأ مع الاحتلال الروسي والإيراني تحت عنوان الأصدقاء؟، ومن كان يتخيل في هذا القرن أن تقف منظمات حقوق الانسان ومؤسسات المجتمع الدولي جميعها صامتة متفرجة على مذابح وجرائم يندى لها جبين الإنسانية؟، بل تحاول تقديم الحصانة وإعادة الشرعية لمرتكبيها وعلى عينك يا تاجر ( كما يفعل مندوبي الأمم المتحدة السابقين والحاليين ).
نعم هناك ألم وجرح بليغ وصدمة كبيرة على الرأس، وهناك عجز عن إدراك وتصديق كل ما يجري، وقبل ذلك وبعده هناك غياب تام للمؤسسات المدنية والسياسية التي تحول هذا الشعب المنكوب لفاعل سياسي واعي صاحب قرار، حالة كاملة من الفوضى، ومزرية من الفاقة والعوز، ومقرفة من الفساد، ومرعبة من الفظاعة، ومنحطة من الخيانة والخذلان، تطغى على الشعب السوري في طرفي الصراع، بينما النظام يستعيد نفوذه ويستعد لإعلان انتصاره على شعبه، الذي قتله ودمره وشرده ووضعه تحت نير الاحتلال ... فعلاً لقد سقطت الدولة وسقط الشعب وسقط النظام الدولي وسقط الشرف والضمير والأخلاق، وبقي من سوريا مجموعات من المشوهين والمقموعين يعيشون في الداخل، وعدد هائل من المشردين في المخيمات ينتظرون سلات الغذاء، وتائهين هنا وهناك في أصقاع العالم يتخبطون، ولا نجد ولا نسمع عن أي منظمة سياسية أو تيار يتقدم بشكل منظم ليغير واقع هذا الحال. فذلك يحتاج أولاً للتخلص من هول الصدمة وعودة الوعي.
وبانتظار ذلك تبقى قضية سوريا بالنسبة للدول قضية جبنة يراد تقاسمها ( سوتشي ) أو قضية إرهاب وتطرف ومهاجرين يراد تحجيمها ( الغرب ) الذين يجتمعون على هندسة حل سياسي توافقي بينهم يحقق مصالحهم، ويعيد انتاج النظام، رغم كل ما ارتكبه، بل بسبب قدرته على ذلك، وفق تغييب تام لمصالح الشعب بواسطة استئجار ممثلين مزعومين له، يبيعون كل شيء ويشطبون كل تضحية قُدمت.
فعلاً نكاد لا نرى من سوريا سوى القتلة والمجرمين الذين يتبحجون بانتصارهم ويستعدون لتكريس شرعيتهم لعقود أخرى تحت عنوان الحل السياسي والسلة الدستورية، مع كم هائل من الأيتام والبؤساء والأرامل والجرحى المشوهين، لا أحد يسمع أنينهم ونحيبهم.
نسأل الله العون والفرج.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!