الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الجوع يملأ الكأس السوري
سوريا

يقترب النظام السوري شيئاً فشيئاً من تحقيق العدالة الاجتماعية في تعميم الفقر، وعدم توفير فرص العمل للمواطنين كافة، وعدم ضمان حق الأجور الكافية للعاملين، وعدم كفاية حقّ التقاعد المناسب للعاملين في الدولة والقطاع الخاص، حيث يستمر العمل في أن تكون مؤسسات الدولة أداة في ممارسة الظلم والقهر والتهميش والتمييز تجاه بعض المواطنين، ولا تتاح الفرص المتكافئة لجميع المواطنين، وإنما تدخل الوساطة والمحسوبية والرشوة. 


وتبتعد العدالة الاقتصادية في تحقيق توزيع الدخل المتوازن بين الأفراد، في المجال الإنتاجي، وتحديد علاقات الإنتاج والتوزيع، على نحو يسمح بظهور أشكال الاستغلال لقوة العمل، والاحتكار في الأسواق، بحيث يتم تحقيق أرباح احتكارية على حساب المستهلك، وعدم تقليص الفجوة، والسماح بنموها بين الدخول في المجتمع، إضافة إلى فرض الضرائب والتكاليف العامة على ذوي الدخل المحدود والفقراء، والسماح بالتهرّب الضريبي لكبار التجار، عن طريق الرشوة، بحيث تكون المالية العامة أداة لمحاباة الأغنياء على حساب الفقراء ومحدودي الدخل. 


إنّ كل المواصفات الاقتصادية للسوق السورية، هي التي سمحت بنمو وازدياد الفساد والرشوة، إذ وصلنا إلى نقطة اللاعودة، فقد ارتفع عدد السوريين الذين تحت خطر الفقر من (82%) إلى (90%)، من إجمالي سكان المناطق التي يسيطر عليها النظام، في غضون الأشهر الستة الفائتة، بواقع زيادة (1,400) مليون مواطن سوري.

وحذّر برنامج الأغذية العالمية، التابع للأمم المتحدة، نهار يوم الجمعة، 26/6/2020، من خلال المتحدّثة باسمه، إليزابيث بايرز، أنّ (9,4) مليون شخص في سوريا، يفتقرون إلى الغذاء الكافي.


وأوضحت، أنّه ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة تزيد عن(200%)، في أقل من عام واحد، وعزت بايرز ذلك، إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان، وإجراءات العزل بسبب”كورونا”. 

وكانت الأمم المتّحدة قد حذّرت، العام الماضي، أنّ أكثر من (80%) من السوريين تحت خط الفقر، لكن النسبة ارتفعت، في العام الحالي، متأثرة بالانهيار المستمر لقيمة الليرة السورية، وبالإجراءات التي فرضها فيروس كورونا المستجدّ، ومؤخراً، دخول عقوبات قانون قيصر حيّز التنفيذ، والخلافات الحاصلة في الدائرة الأولى التي تحكم البلاد.


وأظهر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون, أوضاع الاقتصاد السوري، وتبعيات أزمة الجوع على “حوكمة الاقتصاد السوري”، التي قال إنّها “اتّسمت بسوء الإدارة المالية والنقدية والفساد”، كما تطرّق إلى العقوبات الأمريكية والأوربية المفروضة على النظام، وأثرها على الاقتصاد.


ونقلت صحيفة “ذا ناشيونال”، عن المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمية، ديفيد بيسلي، أنّه حذّر من “استمرار الأوضاع في سوريا بالتدهور، ما قد يجعل خطر المجاعة يطرق الأبواب”.

وتحمّل الولايات المتحدة الأمريكية، أسباب التدهور في مناطق النظام، إلى شنّه الحروب المتكررة في إدلب، وحرمان المدنيين في مناطق سيطرته للخدمات، إذ تشير التقارير إلى أنّ استمرار الوضع الاقتصادي الحالي قد يسفر عن مجاعة. 


وبالمقارنة مع أوضاع سوريا قبل العام2011، التي كانت تتجه إلى تحقيق تنمية شاملة في قطاعات مختلفة، لا سيما في القطاع الاقتصادي، وبحسب تقرير نشرته إحدى الوكالات، أنّ الإنتاج الدوائي كان يغطّي نحو (90%) من حاجة السوق المحلية، فيما وصل التصدير إلى (54) دولة حول العالم، ووصِف تقرير محافظة حلب بالأقوى في تشغيل اليد العاملة بنسبة (94%)، وتجاوز الناتج المحلي في العام 2010، ال(64 مليار دولار)، مساهمة الحكومة وصلت إلى (22%)، فيما حلّ القطاع النفطي في المرتبة (27) عالمياً من حيث الإنتاج، الذي تجاوز حدود (400) ألف برميل يومياً، لتبلغ الإيرادات النفطية (7%) من هذا الناتج.


لكن كل ذلك أصبح، الآن، سراباً، بعد تسع سنوات من الحرب التي شنّها النظام على الشعب السوري، إذ دمرت (113) ألف منشأة صناعية، منها (35) ألف في حلب، وحدها، كما دمرت نحو سبعة آلاف مدرسة.


ويذكر رئيس تحرير جريدة النور، الخبير الاقتصادي بشير المنير، أنّ مقارنة بسيطة بين عامي 2010 و2019، تظهر فروقاً كبيرة، ففي العام2010، كان الناتج بسعر السوق يساوي نحو (29) مليار دولار، ونظراً لفقدان الإحصاءات والأرقام الرسمية، واعتماداً على أرقام مأخوذة من المصارف، وبعض المراجع الحكومية المتفرّقة، قدّر أنّ الناتج للعام 2019، لا يتجاوز أربعة مليارات دولار.

في حين كانت حقول النفط في العام 2010، تنتج نحو (400) ألف برميل، في اليوم, ووصل محصول القمح إلى ثلاثة ملايين طن، مع (15) مليون رأس من الأغنام، و(1,5) مليون رأس من الأبقار، ونسبة نمو، حسب أرقام الفريق الاقتصادي، نحو (4,5%)، لكن هذا النمو لم يأتِ من القطاعات المنتجة، بل من القطاعات الريعية، كالسياحة، وتجارة العقارات، وإنشاء القرى السياحية للأثرياء، أما في العام 2019، فلم يتجاوز إنتاج القمح (1,5) مليون طن، والنفط (40) ألف برميل فقط، أما الثروة الحيوانية، فأغلبها يهرّب خارج البلاد. 


أمام الوقائع الجديدة في الاقتصاد السوري، اقترحت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، على رئاسة مجلس الوزراء، دراسة إمكانية زيادة الرواتب والأجور، وتخفيض الضرائب على الرواتب، لتعزيز القدرة الشرائيّة، وتحويل جزء من النفقات في الموازنة العامة للدولة، لمصلحة الرواتب والأجور، مع تقديم مخصصات عينية، بشكل شهري، للأسر الأكثر احتياجاً.

وطالبت الوزارة، أن يكون التحصيل الضريبي حقيقاً على مستوى المطارح الضريبة، وخاصة المطارح الأكثر دخلاً وربحاً، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، وتوجيهها نحو تحفيز الاقتصاد الوطني، والتحوّل نحو موازنة السياسات بدلاً من الموازنة التقليدية.


لذلك اقترحت تحويل جزء من الإنفاق العام، غير المنتج، أو المخصص لمجالات غير ذات أولوية، إلى دعم القطاع المنتج والصحي، وزيادة الإيرادات وتخفيض النفقات، والحدّ ما أمكن من التوسع بحجم الدين العام، وإعداد أرضية تشريعية للانتقال إلى نظام الضريبة على المبيعات، والضريبة على الدخل، والعمل على استصدار قانون البيع العقاري، والعمل بنظام الفوترة، لتعزيز موارد الخزينة العامة، من خلال الحدّ في عمليات التهرّب الضريبي، والحفاظ على حقوق المستهلك والبائع.


ويعتبر العديد من رجال الأعمال، كل ذلك غير كافٍ، كما نشرت مجلة المال في عددها (78)، الصادر في شباط وآذار 2020، تحقيقاً بعنوان، “إلى أيّ الوجهات تسير عربة الاقتصاد؟”، للصحفية مادلين رضوان خليس، إذ يقول محمد الحلاق: “يجب إعادة دوران عجلة الإنتاج، وزيادة القوة الشرائية، من خلال تحسين الرواتب، وإصدار تشريعات ميسرة لقطاع الأعمال، وتسيير الاستثمار، ومشاركة القطاع الخاص في اتخاذ القرارات:.


وطالب غسان قلاع، رئيس غرفة تجارة دمشق، بعدد من الشروط في مقدمتها مكافحة التهريب، ودعم المنتج والتاجر، على حدّ سواء، وإتاحة الفرص للعاملين النظاميين في التجارة والصناعة، على نحو يستطيعون معه طرح منتجاتهم دون منافسة المهرّب، خاصة وأنّ المهرّب يكون عادة أقلّ سعراً.

أما الصناعي مهند دعدوش، يختصر بعبارة: “الخراب سريع إنما البناء بطيء”.


في حين يرى الخبير المصرفي، عامر شهدا، أنّ تحسين الواقع الاقتصادي يرتبط مباشرة بمكافحة الفساد، أولاً، وبتغيير الفريق الاقتصادي، ثانياً، وبتوافر نمطية تفكير تؤمن بتمازج الأفكار، واتّباع مبدأ الحوار والشفافية، ودمج مجلس النقد والتسليف واللجنة الاقتصادية ولجنة البرنامج والسياسات والمجلس لاستشاري في هيئة واحدة. بينما يرى عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، بشير المنير، أنّ عجز الحكومة عن الاضطلاع بمهمة إنقاذ الاقتصاد الوطني، وإعادته إلى ما كان عليه قبل 2011، مؤكداً أنّ الفئات الفقيرة والمتوسطة تعاني الفقر، بعدما كانت مصالحها مهمشة قبل الحرب، فالاقتصاد اليوم يعاني ركوداً غير مسبوق، والحكومات المتعاقبة لم تستطيع إنهاض اقتصادنا لأسباب موضوعية، وقصور معالجاتها، وفقدانها لبوصلة صحيحة لإعادة الأعمار.


من كل ما تقدّم، لا يوجد حلول جذريّة ومباشرة، وإنما كلها إجراءات ترقيعية لا تفي بالغرض، بل إبر مسكنة لحالة بلغت ذروة جديدة في استشراء وانتشار الفساد والإفساد، على حساب المواطن السوري، الذي لم يبقَ لديه ما يشتري به، وخير دليل على ذلك، تصعيد حراك “بدنا نعيش” مطالبه إلى إسقاط النظام، نتيجة اليأس الذي يعيشه المواطن السوري، والكتابات على جدران اللاذقية وجبلة، إلى محاولات النهوض في “بدنا نعيش” سلمية.


ويتزامن ذلك كله، مع بدء تنفيذ عقوبات قيصر، ما يعني مزيداً من الحصار على النظام والمناطق المسيطر عليها، وضغطاً جديداً على المواطن السوري، الذي يعاني من كل ما سبق.


– بسام سفر  

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!