-
الجزائر.. من تعدد ملفات الفساد إلى مساعي الإسلام السياسي للتغلغل
استقال عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من أبريل العام 2019، من رئاسة الجزائر، قبل أسابيع قليلة من نهاية عهدته في 28 أبريل، وذلك عقب مظاهرات شعبية عرفت بـ"الحراك"، والتي خرجت خلال ستة أسابيع في كل جمعة، رافضة لسلطته ومناهضة لمقترح التمديد أو التأجيل.
ليترشح بعدها، عبد المجيد تبون، للرئاسة في أكتوبر 2019، ويحوز على 58% من الأصوات، فيضحى معها الرئيس الثامن للجمهورية الجزائرية، علماً أنه كان رئيس وزراء الجزائر الأسبق في حكومة 2017، في عهد الرئيس بوتفليقة.
الاعتقالات لم تنتهي بعهد تبون
لكن مجيء تبون إلى سد الحكم، لم يحول الجزائر للبلد التي طمح لها المنتفضون على حكم بوتفليقة، أقله في ظل ما تتناقله وسائل الإعلام المحلية والعربية، حيث لا تزال المحاكم تدين المعارضين، ومنها في التاسع من يناير الماضي، عندما أدان القضاء الجزائري، منسق حزب "الحركة الديمقراطية والاجتماعية"، فتحي غراس، بالسجن لمدة سنتين، بعد متابعته بتهم تخص "إهانة هيئة نظامية وإهانة رئيس الجمهورية، وعرض على أنظار الجمهور منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية والنظام العام”.
فيما اعتبرت القيادية في "الحركة الديمقراطية والاجتماعية" شبالة مسعودة، وهي زوجة غراس، الحكم بأنه ظالم ويندرج في إطار الانتقام السياسي، علماً أن فتحي غراس تواجد في الحبس المؤقت منذ يوليو المنصرم، بعد اعتقاله من منزله بأحد ضواحي العاصمة.
اقرأ أيضاً: عائلة الطالب الجزائري المقتول في أوكرانيا تروي تفاصيل وفاته
وقد دعت "هيومن رايتس ووتش"، في الواحد والعشرين من فبراير الماضي، الجزائر، إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفياً بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم، وقالت: "على السلطات الجزائرية، الإفراج فوراً عن المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني وشخصيات المعارضة والصحفيين وجميع المعتقلين تعسفيا بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في التحدث والتجمع”.
وقال إريك غولدستين، القائم بأعمال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "على السلطات الجزائرية الإفراج عن مئات الأشخاص المسجونين بسبب خطابهم السلمي”، حيث تحتجز السلطات الجزائرية، ما لا يقل عن 280 ناشطاً، كثير منهم مرتبط بـ"الحراك"، ويدانون على أساس اتهامات غامضة.
قضايا فساد بالجملة
أما الفساد، فحدث ولا حرج، حيث يتناول القضاء الجزائري الفاسدين من النظام السابق بشكل خاص، عقب أن انتهت مفاعيل سطوتهم التي كانوا يعدونها درعاً تحميهم من المسائلة، ففي نهاية يناير الماضي، بدأت محاكمة وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل بتهم فساد، حيث شغل هذا المنصب عشر سنوات في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في قضايا فساد "تتعلق بمصنع الغاز الطبيعي بأرزيو (وهران)" و"منح امتيازات غير مبررة للغير" و"سوء استغلال الوظيفة" و"إبرام صفقات مخالفة للتشريع والقوانين"، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الجزائرية.
كما أدان القضاء الجزائري قبلها بأسبوع، رئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال، ومدير التشريفات السابق في رئاسة الجمهورية مختار رقيق المسجونين، بالفساد وأصدر بحقهما حكمين جديدين بالحبس مع النفاذ، وفق وكالة الأنباء الجزائرية.
اقرأ أيضاً: 11% من الاستثمار الأجنبي في الجزائر يعود للتجار السوريين
وفي التاسع من فبراير، أكد مجلس قضاء الجزائر، الأحكام الأولية الصادرة عن محكمة سيدي محمد بإدانة وزيرة البريد السابقة، "هدى فرعون" بـ3 سنوات حبساَ نافذاَ في قضية فساد تخص مشروع الألياف البصرية.
في حين كشفت صحيفة "الشروق" الجزائرية في السادس عشر من فبراير الماضي، تفاصيل "حصرية" حول قضايا تخص وزير الصناعة الجزائري السابق، عبد السلام بوشوارب، المدان بـ4 أحكام قضائية يعادل مجموعها 80 سنة سجناً نافذاً، وأفادت بأنه وفقاً لوثائق وصور "حصرية"، فإن "الوزير الهارب باع شقتين في أرقى أحياء العاصمة الفرنسية باريس.
وجاء ذلك عقب أن كشف القضاء الجزائري أن الوزير بوشوارب، تحصل على رشاوي بالملايين من رجال أعمال وأصحاب مصانع للسيارات، في ملف مصانع تركيب السيارات، على غرار حصوله على فيلا بمنطقة حيدرة بالعاصمة من رجل أعمال، فيما تلقى من آخر ينشط في مجال تركيب السيارات رشوة، إلى جانب حيازته ثلاث شقق بالعاصمة، عنابة وبومرداس وسيارتين فخمتين، وعقاراً ممنوحاً بموجب عقد هبة.
اقرأ أيضاً: الجزائر: مشاورات لبحث دعوة سوريا لـ"القمة العربية"
وفي السابع عشر من فبراير، أدانت محكمة سيدي محمد بالجزائر العاصمة، "جميلة تمازيرت" وزيرة الصناعة السابقة، بخمس سنوات سجناً نافذاً، إثر تورطها في قضايا فساد، حيث وجهت لتمازيرت تهم منها التصريح الكاذب بالممتلكات، واستغلال الوظيفة من أجل الحصول على امتيازات، ومنح مزايا غير مستحقة للغير عند إبرام الصفقات، كما أصدر القاضي حكماً يقضي بـ"مصادرة جميع العائدات الإجرامية المنقولة والأموال المودعة في الحسابات البنكية".
كما أدين بلكمي ناصر، زوج شقيقة تمازيرت، بسنتين حبساً نافذاً مع إصدار أمر بالقبض الدولي عليه، وكذلك أصدرت المحكمة حكماً بالسجن سنتين في حق زوج المتهمة تمازيرت، ويدعى "حفيظ أخناش".
الإسلام السياسي والجزائر
لكن ليست كل الإشارات الصادرة عن السلطة الجزائرية الحالية مطمئنة، فجانب استمرار عمليات الاعتقال بحق المعارضين، يبدو أن الإسلام السياسي يجد لنفسه متنفساً هناك، وهو ما يمكن استشفائه من ظهور أول مذيعة محجبة في نشرة الأخبار بالتلفزيون الجزائري، منتصف فبراير الماضي، في بادرة جديدة وغير مسبوقة منذ استقلال البلاد، منذ نصف قرن.
فمنذ الاستقلال، استمر التلفزيون الجزائري في سياسة منع ظهور الصحفيات المحجبات على مختلف قنواته، بالرغم من عدم وجود أي قوانين تنظيمية صريحة تنص على ذلك، وقد تم فعلاً إيقاف الإعلامية نصيرة مزهود عن تقديم نشرة الأخبار سنة 2012، بعد ارتدائها الحجاب، كما منعت كل من إيمان محجوبي، وحورية حراث، وسوسن بن حبيب، وقبلهن نعيمة ماجر، من إذاعة النشرة بسبب حجابهن.
اقرأ أيضاً: الجزائر مدعوّة لتحسين وضع حقوق الإنسان
وبخصوص تلك الإشارة، لا يمكن تجاهل العلاقات الجزائرية مع قطر، التي من المعروف بأنها الداعم والممول الأساس لتنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها تنظيم "الإخوان المسلمين"، وبالصدد، كان قد وقع الرئيس الجزائري، في العشرين من فبراير، خلال زيارته إلى العاصمة القطرية الدوحة، عدداً من الاتفاقيات شملت مجالات عدة، على وقع جلسة مباحثات رسمية بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وإذ كان بالإمكان اعتبار مساعي السلطة الجزائرية لمحاسبة الفاسدين في السلطة السابقة، أمراً إيجابياً، يبقى المعيار أن تطال المحاسبة الموجودين فعلاً في السلطة بالوقت الراهن، وعدم اقتصار الأمر على من انتهت مفاعيل حكمهم.. فيما تبقى قضية اعتقال المعارضين السلميين والمطالبين بالديمقراطية، ومنح متنفس لقوى الإسلام السياسي (فيما لو ثبت ذلك)، سلبيات لا يُظن أن الجزائريين المنتفضين على "حكم بوتفليقة" سيرضون بها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!