-
التجبّر الإيراني الخارجي وعكسه لـ"الهشاشة الداخلية"
رغم ما تتظاهر به إيران، واستمرارها باستعراض قواتها العسكرية بسلسلة طويلة من المناورات العسكرية المتتالية، فإنّ وقائع عدة خلال شهر فبراير الماضي، أشارت إلى الهشاشة التي وصلت إليها طهران، عقب فترة جيدة من العقوبات الأمريكية المتواصلة، ولعلّ أهم تلك الوقائع حالة الانقسام بين أركان النظام الإيراني في كيفية التعامل مع الملف النووي من جهة، وما كشفته التحقيقات الرسمية الإيرانية عن حادثة اغتيال أهم علماء البرنامج النووي، وهو محسن فخري زاده، الذي اغتيال نهاية نوفمبر الماضي.
دود الخل
وكما يقول المثل الشعبي "دود الخل منه وفيه"، فيبدو أنّ الاتهامات التي كالتها طهران لإسرائيل، بالمسؤولية عن قتل عالمها النووي، لم تثنِ طهران عن البحث في الأيدي الإيرانية المتورّطة في اغتياله، أياً كانت الجهة التي خططت ونفذت، لكن الأداة كما ذكرت الجهات الإيرانية كانت أساساً أداة إيرانية، ففي الرابع عشر من فبراير الماضي، أعلنت إيران أنّ المتسبب الرئيس في اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، هو من المطرودين من القوات المسلحة، وقد غادر البلاد قبل تنفيذ العملية وهو تحت الملاحقة.
اقرأ أيضاً: باريس.. والسعي الجاد لحماية مُسلميها من إسلامييها
وصرّح حينها وزير الأمن والاستخبارات الإيراني، محمود علوي، بأنّ "إسرائيل سعت إلى ارتكاب أعمال إرهابية متعددة أخرى بعد اغتيال فخري زاده، لكن عناصر الاستخبارات أحبطتها، وتم التعرّف على أشخاص متورّطين"، مضيفاً: "بعد ساعتين من اغتيال فخري زادة، بدؤوا بإطلاق الشعارات المعادية لوزارة الأمن، وذلك من دون أن يعوا الدور الذي لعبته الوزارة في هذه القضية، في اليوم التالي للاغتيال أدركوا أنّ وزارة الأمن والاستخبارات أبلغت القوات المسلحة بأنّ العدو يجمع معلومات في ذلك المكان الذي حدثت فيه العملية"، مستدركاً: "لقد أبلغناهم قبل خمسة أيام فقط بأنّ هناك مخططاً لاغتيال العالم فخري زادة في ذات المكان الذي اغتيل فيه، فقط لم نكن نعلم موعد العملية".
الاستخبارات والجيش.. ردّ الاتهامات
اتهامات ردّت عليها هيئة الأركان في الجيش الإيراني، بتاريخ السادس عشر من فبراير، بالقول إنٍ "الشخص الذي تحدث عنه وزير الأمن والاستخبارات الإيراني كان يخوض تدريبات في القوات المسلحة عام 2014، وتم طرده في ذات العام لأسباب أخلاقية، ولأنّه مدمن على المخدرات، وهو لا يحمل أي هوية عسكرية، لذا كنا نأمل من الوزير، الاحتياط أكثر في إطلاق التصريحات، وخاصة عبر برنامج على الهواء على التلفزيون الرسمي كي لا يقدم ذريعة لأمريكا وإسرائيل"، (على حدّ وصفهم).
اقرأ أيضاً: بسلبية مُتبادلة.. الحرب الباردة تتجدّد بين الناتو ووريثة وارسو
ليكشف اتهام الاستخبارات للجيش بالتقصير، ورد الجيش على الاستخبارات، حالة من الضعف والتهلل التي يبدو أنّها تسري بين أجهزة النظام الإيراني، بجانب سوء التنسيق والتداخل فيما بينها.
خلافات الرئيس والبرلمان
أما الحدث الثاني الذي يكشف حالة التهلل التي يعاني منها النظام الإيراني، فكانت في تأييد البرلمان الإيراني، بتاريخ الثاني والعشريين من فبراير، بالإجماع قرار إبلاغ القضاء برفض الحكومة الإيرانية تنفيذ قانون "الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات وصيانة مصالح الشعب الإيراني"، عقب اتفاق بين رافايل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، على مواصلة التعاون بين الجانبين، بما في ذلك عمل المفتشين الدوليين.
حيث أيّد أعضاء البرلمان بأغلبية 221 صوتاً (موافقاً)، في مقابل 6 أصوات معترضة، و7 نواب امتنعوا عن التصويت، على قرار يفيد برفض الحكومة الإيرانية للقرار البرلماني، ورفعه إلى القضاء لمتابعته بشكل عاجل، وعليه لو رأى القضاء أنّ الحكومة لم تنفذ القانون، فسوف يترتب على الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والحكومة، غرامات مالية، وأحكام بالسجن، وفق قانون البرلمان.
اقرأ أيضاً: في شهره الأول.. بايدن يرسم خطوط العودة لزعامة العالم
إذ وصلت الأمور إلى حدّ تهديد رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، مجتبى ذو النور، لـ"روحاني"، عندما قال: "ينبغي تمزيق الاتفاق بين الحكومة والوكالة الدولية (للطاقة الذرية)، وإلا سنقدم روحاني للمحاكمة"، زاعماً أنّ "الولايات المتحدة والدول الأوروبية أرسلت خادمها، رافايل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى طهران، ليحصل على تنازلات منا"، وتابع: "نواب البرلمان يوقّعون على قرار لتقديم الرئيس روحاني وكل من التفّ على قانون البرلمان إلى القضاء للمحاكمة".
محاولات فض الخلاف
ومع إدراك الإيرانيين بأنّ البيت الإيراني منقسم على ذاته، كان لا بد للسلطات الأعلى من التدخل في سبيل منع الأمور من التدهور أكثر، وهو ما تم، في الثالث والعشرين من فبراير، من خلال دعوة رئيس البرلمان الإيراني للجنتي الأمن القومي والسياسات الخارجية من جهة، والطاقة من جهة من أخرى، إلى التواصل مع الحكومة بغية حل الخلاف المتعلق بتطبيق قانون رفع العقوبات، عقب توجيهات المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، الذي أدرك مخاطر ما يجري، فسارع إلى مطالبة البرلمان والحكومة بـ"التعاون لحل الخلاف حول تطبيق القانون"، بالقول إنّه يتوجب حل الخلاف بين الجانبين "كي لا يُسمع صوتان اثنان من إيران".
اقرأ أيضاً: تركيا وبايدن.. مُحاولات عاثرة لإصلاح ما أفسده أردوغان
صوتان قال حولهما الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأنّ "معارضة الاتفاق بين إيران والوكالة الدولية لعب على أرض العدو”، مضيفاً: "إدارة البلاد تطرح العديد من التعقيدات وهي ليست مهمة سهلة، ولا يمكن أن تدار البلاد بالعاطفة والصراخ والهتافات”، مذكراً بآثار العقوبات على البلاد، بالقول: “خلال السنوات الثلاث خسرنا 200 مليار دولار بشكل مباشر، ومئات المليارات بطريقة غير مباشرة، وطلبنا من صندوق النقد الدولي 25 مليار دولار لمواجهة كورونا، لكن الإدارة الأميركية السابقة منعتها، فهل ستزيل الحكومة الجديدة العقبات؟”.
وختاماً، يتبين من حادثة تورط مواطن إيراني في مقتل أحد أهم العلماء النوويين في البلاد، والاتهامات المتبادلة بين الجيش والاستخبارات من جهة، والخلافات بين البرلمان والرئاسة من جهة ثانية، إنّ حالة التجبر والقوة التي تُحاول إيران عكسها للعالم، هي إلى حدّ بعيد مُغايرة للحقيقة، فيما تسعى طهران إلى إخفائها بالعنف والترهيب والقمع بحق الإيرانيين.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!