-
البرهان على خطا البشير.. والسودانيون يخسرون فرصتهم بمُصالحة الأسرة الدولية
غرقت السودان منذ 25 أكتوبر الماضي (2021) في أزمة حادة عقب حل القوات المسلحة للحكومة ومجلس السيادة السابق، ما دفع العديد من المجموعات المدنية إلى التظاهر، مطالبين بعدم مشاركة المكون العسكري في الحكم، ورغم تعهد البرهان بإجراء انتخابات عامة في منتصف 2023، استمرت التظاهرات احتجاجاً على التسوية التي وافق بموجبها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على العودة إلى منصبه في 21 نوفمبر، قبل أن يعود ويقدم استقالته مطلع يناير الماضي، مؤكداً أنه حاول إيجاد توافقات لكنه فشل، لتتواصل الدعوات إلى الاحتجاج، متمسكة بضرورة رحيل العسكريين عن الحكم، حتى خلال الفترة الانتقالية.
مساعي دولية للوساطة والحل
عاش السودان عقب الانقلاب العسكري حراكاً دولياً، ضمن محاولة حل الأزمة المتواصلة منذ 25 أكتوبر، فحطّ مبعوث الاتحاد الإفريقي في الخرطوم منتصف يناير، وسلم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، رسالة خطية ترتبط برؤية الاتحاد حول التطورات السياسية بالسودان، وسبل الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد.
اقرأ أيضاً: خلال تظاهرات مناوئة للانقلاب.. اعتقال 3 صحفيين بالسودان
وبينما حذرت البعثة الأممية لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس" مما وصفته بـ"الجمود السياسي"، وقالت إن هذا الجمود يعرض السودان لخطر الانحدار إلى عدم استقرار أعمق من شأنه أن يبدد المكاسب المحققة منذ الاحتجاجات التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عمر البشير، فقد كررت قوى الحرية والتغيير (فرع المجلس المركزي) في السودان، مواقف المجلس المركزي الرافضة لمشاركة المكون العسكري في حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية، كما رأت أن أهداف أي مبادرة للحل أو للعملية السياسية في البلاد، يجب أن تتمثل في إقامة ترتيبات دستورية جديدة تؤسس لسلطة مدنية كاملة تقود المرحلة الانتقالية، داعيةً إلى تحديد سقف زمني محدود للعملية السياسية، وفق إجراءات واضحة.
دعوات لضبط النفس
بالتوازي، دعا 9 أعضاء في مجلس الأمن الدولي، في السابع عشر من يناير، "جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس"، وجاء في البيان المشترك باسم المكسيك وألبانيا والبرازيل وفرنسا والغابون وغانا وإيرلندا والنروج وبريطانيا: "نعرب عن قلقنا البالغ إزاء الانقلاب العسكري في السودان في 25 أكتوبر 2021"، بينما شجبت الأمم المتحدة، استعمال القوة المميتة بحق المتظاهرين في السودان، مؤكدةً على أهمية أن يتمتع كل الأشخاص، بالحق في التظاهر السلمي.
وبدوره، عدّ جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أن الحكام العسكريين في السودان أبدوا عدم جاهزيتهم للتفاوض على تسوية سلمية للأزمة المستمرة في السودان، قائلاً إن "الدعوات المتكررة للسلطات بالامتناع عن العنف ضد المتظاهرين لم تلق آذاناً صاغية"، مضيفاً أن "حملة القمع المستمرة، بما فيها العنف ضد المدنيين واحتجاز النشطاء والصحفيين، قد وضعت البلاد على مسار خطير بعيداً عن السلام والاستقرار".
اقرأ أيضاً: اعتقال قيادات بالمعارضة السودانية يجدد الدماء بالمظاهرات
داعياً السلطات العسكرية إلى تهدئة التوترات، بالقول:" "تجنب المزيد من الخسائر في الأرواح أمر جوهري"، في وقتاً كانت قد بدأت فيه الحركة المؤيدة للديمقراطية حملة عصيان مدني في كل أنحاء السودان، احتجاجاً على عمليات القتل التي وقعت في السابع عشر من يناير، حيث وصل مجموع قتلى الاحتجاجات إلى أكثر من 70 شخصاً (حتى 17 يناير)، وأصيب مئات آخرون خلال احتجاجات حاشدة منذ أن انقلب الجيش على الحكومة.
عمليات القتل الواسعة بحق المتظاهرين الرافضين للانقلاب العسكري وحكم العسكر، والشجب الدولي الواسع، دفعت رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في الثامن عشر من يناير، إلى قرار بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول الأحداث التي وقعت خلال تظاهرات 17 يناير، ولقي فيها سبعة متظاهرين مصرعهم، عقب أن شارك الآلاف، رافضين الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قبل قرابة ثلاثة أشهر.
لكنه البرهان كلف بالتوازي وكلاء الوزارات بالقيام بأعمال الوزراء، وهي تصرفات لم تقنع واشنطن، التي قالت سفارتها في الخرطوم، في العشرين من يناير، إنها لن تستأنف مساعداتها الاقتصادية المتوقفة للسودان، ما لم يتم "وقف العنف وعودة حكومة يقودها المدنيون"، مضيفةً أن الولايات المتحدة ستدرس اتخاذ إجراءات لمحاسبة المسؤولين عن تعطيل العملية السياسية في البلاد.
العسكر وإفساد فرصة السودانيين بالمصالحة
وفي الثالث والعشرين من يناير، أعلن المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني الطاهر أبو هاجة، إن تعديل الوثيقة الدستورية أمر تمليه ظروف الواقع السياسي الحالي، قائلاً إن "القرارات الأخيرة ستسهم في ملء الفراغ الدستوري"، كما أضاف أن "الفترة الانتقالية من الأفضل أن يتم التركيز فيها على حقيقة كيف تحكم الفترة الانتقالية وليس من يحكم فيها".
وبالتوازي مع ذلك، هددت واشنطن في الأول من فبراير الجاري، باتخاذ إجراءات إضافية بحق الجيش السوداني في حال مواصلة العنف في البلاد، وذكرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية مولي في، أن واشنطن اعلمت القادة العسكريين السودانيين أن واشنطن جاهزة لاتخاذ إجراءات إضافية بحق الجيش إذا استمر العنف ضد المتظاهرين.
اقرأ أيضاً: البرهان: الزيارات بين السودان وإسرائيل هي للتعاون الأمني
لكن ذلك لم يردع العسكريين، فقاموا بوضع شروط لتسليم السلطة، حيث أكد عبد الفتاح البرهان، في الثاني من فبراير، أنهم ملتزمون بعدم تسليم السلطة إلا لمن يأتي عبر الانتخابات أو التوافق السياسي، وقال البرهان: "نريد أن نسلم السلطة لمواطنين سودانيين منتخبين من قبل الشعب لحكم السودان"، وأنه "لا أحد يستطيع أن يزايد على تضحيات القوات المسلحة في كافة أنحاء البلاد"، على حد وصفه.
لتشير جملة المعطيات المسرودة أعلاها، وما أعقبها حتى الوقت الراهن، إلى نية العسكريين في السودان، التشبث بالسلطة مهما كلف ذلك البلد من خسائر على صعيد العلاقات والسياسية والمساعدات، ما قد يعني أن السودانيين فقدوا عملياً فرصتهم الذهبية في التصالح مع المجتمع الدولي، والتواجد كعضو سليم يتمتع بنظام معافى، داخل الأسرة الدولية، إذ يبدو أن البرهان يسير على خطئ البشير في تثبيت أركان حكم العسكر، وهو ما سيجلب العقوبات والمقاطعة مستقبلاً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!