الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الانتفاضة الإيرانية.. مغزی الإحصاء والأرقام
علاء الدين توران

في محاولة للتهوين من معارضة الشعب الإيراني للملالي في انتفاضته المستمرة منذ 16 سبتمبر، صرح أحمد وحيدي، وزير داخلیة النظام، أنه "في أکثر الأیام ازدحاماً في المسيرات الأخيرة، شارك 45000 شخص في المسيرات، وفي جمیع الجامعات في ذروة الازدحام حضر التجمعات 18000 شخص فقط من مختلف التیارات".

لا یمکن أن نتوقّع من هو أوّل قائد ومؤسس لفيلق القدس الإرهابي، والذي ما يزال تحت بطاقة الإنتربول الحمراء، لتورّطه في تفجير إرهابي في الأرجنتين ولا يمكنه مغادرة إيران، أن یعطي أرقاماً صحيحة عن أبعاد الانتفاضة.

في غضون ذلك، كتبت صحيفة "رويداد" شبه الرسمية في 26 أكتوبر: "الأسبوع الماضي قال قائد الحرس الثوري الإسلامي بمحافظة همدان: تم اعتقال 700 شخص في أعمال الشغب بمحافظة همدان". شهدت العديد من المحافظات في البلاد، مثل طهران وكردستان وأذربيجان الغربية وكرمانشاه وإيلام وخراسان وجيلان ومازندران، أياماً أكثر حشوداً من همدان. وإذا افترضنا أن عدد الاحتجاجات في همدان كان متوسط المحافظات الأخری، فيجب أن تصل إلى 32 ألف شخص عدد الأشخاص الذین تم اعتقالهم في جميع أنحاء البلاد.

وقال مسؤولون في محافظة إيلام أيضاً، في مقابلة، إن "ثلاثة في المئة من المتظاهرين اعتقلوا خلال الاحتجاجات. إذا كانت هذه النسبة صحيحة ویتم التأکید أيضاً علی تقدير 32000 شخص تم القبض عليهم، فيمكن القول إن هناك حوالي ملیون ومائة ألف متظاهر في التجمعات".

وفيما يتعلق بمحافظة طهران، تم الإعلان فیها عن اعتقال أکثر من 3 آلاف شخص في طهران، وإذا صدّقنا أن نسبة اعتقالات کانت 3٪ من المتظاهرين، فيمكننا تقدير عدد المحتجين في شوارع طهران بـ 100 ألف شخص.

فبدلاً من الخوض في تناقضات الإحصائيات المقدّمة في مختلف أجهزة النظام، فمن المجدي، بل الأجدر، الانتباه إلى المفهوم الأعمق للإحصاءات والأرقام.

خلال الأربعين يوماً التي کانت فيها أكثر من 195 مدينة إيرانية مسارح للانتفاضات ضد النظام، قُتل أكثر من 400 متظاهر بوحشية على أيدي القوات القمعية بنيران مباشرة أو ضربات بالهراوات أو جراء التعذيب.

عدد المعتقلين في الانتفاضة بالتأكيد یصل إلی عشرات الآلاف، دون أن ينتظرهم مصير واضح، فيما شهدت أكبر ثلاثة سجون في البلاد خلال الفترة نفسها حرائق متعمدة وجماعية من قبل النظام.

النظام قام بحشد جميع قواه وقواته لمعالجة الانتفاضة الوطنية، ويتم تنظيم وإدارة 31 محافظة في البلاد في حالة الحکم العرفي غیر المعلن (انظر مقال الأسبوع السابق في هذا العمود).

ومن المؤكد أن مثل هذا القمع الوحشي الهمجي سيجعل أي معارض یتردد في دخول الشارع. بمعنى آخر، كل شخص يصرخ "الموت لخامنئي" في الشارع ضد نظام الملالي ويريد الإطاحة بالنظام، قد فكّر قبله بالتأكيد في خطر الموت الجسيم أكثر من مرة واختار المواجهة إلى حدّ ما.

أولئك الذين تحدّوا مظاهر الحکم في شوارع إيران لأكثر من 40 يوماً اختاروا تضحية كبيرة. هذه هي الروح الرئيسة للانتفاضة الحالية. هناك جيل، بحسب أبو القاسم الشابي «أراد الحیاة».

لكن الهندام الذي تتدفق منه روح التضحية بالنفس والنفیس ودفع الثمن -مهما كان- هو جسم الشعب الإیراني الذي لم يتمكن نظام الملالي بكل أجهزته القمعية من مواجهته لمدة أربعين يوماً. مجموعة كبيرة جداً ومنظمة وحيوية إلى ما لا نهاية، بقيادة النساء.

الشكل المادي لهذه الهيئة هو الآلاف من وحدات مجاهدي خلق الثوار، المسؤولة في المدن والأحیاء الإيرانية، عن الترويج للانتفاضة وتوجيهها، والتنسيق، ومواجهة القوى القمعية، ورعاية جرحى الانتفاضة، وفي كلمة واحدة استمرار الانتفاضة.

إذا شارك مائة ألف شخص في طهران في الانتفاضة بهذه الطريقة، فإنهم يشكلون قوة تغيير هائلة في قلب العاصمة.

حتى الـ 45000 شخص زعمه وزير داخلية النظام، فالملالي بهذه الصفة وبهذه النوعیة لن يكونوا قادرين على كبح جماحهم بأي قوة.

المجتمع الإيراني اليوم ليس مجتمعاً صامتاً وغير مبالٍ. إن المجتمع الذي تقوم فيه فتيات المدارس بإنزال صور الخميني وخامنئي في الصف وترداد شعار الموت لخامنئي وطرد مدير المدرسة لتعاونه مع القوى القمعية هو برميل بارود علی وشك الانفجار. ولهذه البرامیل دور أکثر بكثير في حسم المعادلة من الإحصائيات والأرقام المزيّفة.

وبتفكّك عصابات القمع الوحشي ستصل هذه الـ 45000 و100000 إلى الملايين كما رأينا في شوارع طهران في الأيام الأخيرة لنظام الشاه.

يمكن للملالي، مثل وزير الداخلية، الذين يفهمون بلحمهم وجلدهم بشكل أفضل من أي طرف آخر مغزی هذه القوة المعارضة في الظروف المتفجرة للمجتمع، أن يحاولوا إعطاء الأمل لقواتهم المنهارة معنویاتهم، وذلك من خلال استبدال العزم والتصميم في المنتفضین بأرقام هامدة ومضللة، متأمّلین أن تمر عليهم الانتفاضة كعاصفة عابرة.

رغم كل هذا، فإن وسائل الإعلام تتحدث عن مساعي كبار مسؤولي النظام للحصول على موطئ قدم في كندا وإنجلترا.

 

ليفانت - علاء الدين توران

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!