-
الأزمة الليبية تراوح مكانها.. تنازع القوى الدولية وسؤال الاستقرار
حركة جديدة على رقعة الصراع نحو تصاعده بين الأجسام السياسية في ليبيا، حين يلتئم مجلس النواب في الثامن من شهر شباط (فبراير) الجاري، لتسمية رئيس الحكومة الجديد عوضاً عن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
الدبيبة يرى أنه لا يمكن أن يقبل تغيير حكومته، بينما لن يعترف بأي حكومة مؤقتة، وأن حكومته مستمرة في أداء عملها حتى تسلم مهامها لسلطة منتخبة من الشعب، وذلك بحسب تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
رئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح الذي عاد لرئاسة البرلمان بعد فترة انقطاع واجبة لترشحه على منصب الرئيس، عاقداً عزمه، هو الآخر، على توظيف منصب رئيس الحكومة مع الأطراف الفاعلة دولياً في الملف الليبي، رغم إشارات لافته من المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، بعدم مشروعية الأجسام السياسية القائمة حالياً، ومن بينها مجلس النواب.
إلى ذلك، يستقر في ذهنية المستشار صالح ضرورة التلويح بخطورة حكومة موازية، وإعادة الوضع السياسي في ليبيا إلى مربع الصفر متى ما مضى مجلس النواب في طريق تغيير الحكومة. وهو يدرك أن الطرف الآخر لن يسلم السلطة، وبالتالي، ارتفاع مؤشرات الصراع المسلح بين الميلشيات المسلحة في العاصمة طرابلس، لا سيما مع هشاشة الوضع الأمني في الغرب وانتشار السلاح خارج الأطر الرسمية.
ظلال كثيفة من صراع لعبة الأمم بين الولايات المتحدة وبريطانيا، من جهة، وروسيا، من جهة أخرى، على تخوم الأوضاع في ليبيا، وذلك من خلال المكونات السياسية الداخلية الليبية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكذا الحكومة والمجلس الرئاسي.
صالح والدبيبة يعتبرا نفسيهما جاءا بإرادة شعبية وأممية، ومن ثم، لا ينبغي بأي حال أن يخلعهما مجلس النواب حتى وإن تحالف مع المجلس الأعلى للدولة، وأن تلك الخطوة لا يقدر عليها سوى العودة مرة جديدة إلى جنيف، حيث ملتقى الحوار الذي ضم العديد من ممثلي الشعب الليبي. بينما المجلس الأعلى للدولة يضغط على الدبيبة بخصوص حتمية العمل في مسارين متوازيين، الدستور وتغيير الحكومة، بيد أن مجلس النواب يدرك جيداً أن قضية الدستور غير مأمونة لأنها قد تخلعه من اعتبارات السلطة ومنسوب القوة ولذلك يضغط بورقة تغيير الحكومة بغية حيازة السلطة داخل الحكومة كإجراء احترازي ربما يعوزه ذلك إذا ما جرت مياه الدستور عكس التيار.
ذلك يتضح بجلاء في قراءة بيان المجلس الأعلى للدولة الذي صدر خلال الأول من شهر شباط/ فبراير الجاري، والذي طالب فيه مجلس النواب بالتقيد بما تم الاتفاق عليه بعدم السير في أحد المسارات دونما الالتفات للمسارات الأخرى. وبالتالي المجلس الأعلى للدولة لا يختلف مع مجلس النواب في أمر تغيير الحكومة، ولكن شريطة أن يتم الاستفتاء على الدستور وإنجاز الاستحقاق الانتخابي.
في سياق مقارب، تحرك المرشح المحتمل سيف الإسلام القذافي بطرح مبادرة على لسان ممثله القانوني، تقتضي إجراء الانتخابات البرلمانية كمرحلة أولى تسبق الانتخابات الرئاسية. فهم مبادرة القذافي الابن تأتي في سياق خشية الأخير من تجاوز المجلس التشريعي حقه في خوض الانتخابات تحت وطأة التوازنات الدولية، والذي يأتي أمر ترشحه في قلب هذا الصراع.
ثمة أسماء مرشحة بقوة للدخول في سباق رئاسة الحكومة، الذي سيناقشه مجلس النواب في جلسته القادمة، إذ يبدو وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا أنه يتقدم بهدوء لرئاسة حكومة جديدة في ليبيا، بينما يتماهى مع خارطة طريق جديد في مرحلة انتقالية أخرى، ترتبط مع تنظيم انتخابات رئاسية ونيابية، بيد أن ذلك يواجه بجبهة معارضة وقوية في منطقة الغرب الليبي تناهض تغيير الحكومة، وتبدو أقرب إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، مما يتيح سيناريو الصراع الخشن بين الأطراف المحلية المتصارعة على السلطة.
مؤشرات عدة تميل صوب أسهم الرجل القوي في مصراتة (باشاغا)، وتتجه نحو طريق مفتوح يتيح له حيازة السلطة، لا سيما أن الأخير كان في جبهة المستشار عقيلة صالح في ملتقى الحوار، فضلاً عن كونه مرشحاً توافقياً يحظى بتأييد مساحات جغرافية واسعة في ليبيا بعد زيارته الأخيرة لبنغازي، وتقاربه مع القيادة العامة للجيش والمشير خليفة حفتر.
مصادر متطابقة ذهبت باتجاه أن مرشحاً آخر سيتقدم بأوراقه لمجلس النواب لرئاسة الحكومة، هو نائب المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، أحد أعضاء الوفد الذي زار مدينة بنغازي والتقى المشير خليفة حفتر مؤخراً. وتقدم رئيس منظمة سرت الوطن للاستقرار والسلم الاجتماعي، مروان عبد الله عميش، أيضاً بأوراقه لمجلس النواب لرئاسة الحكومة، إذ أشار عميش إلى أنه سيعمل حال اختياره مجلس النواب لخلافة الدبيبة لإعداد البلاد حقيقياً للانتخابات، من خلال حل الجماعات المسلحة ومحاربة الجماعات المتطرفة وجماعات الإسلام السياسي التي تخطف عقول الشباب وتهيئة الوضع أمنياً ومعرفياً وثقافياً للاستحقاق.
كما لفت إلى أهمية عملية السلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية كجزء رئيسٍ في العملية السياسية المقبلة، فضلاً عن كونه تجمعه علاقات جيدة تربطه بالشرق والغرب والجنوب لتفاعله نحو عملية السلم والمصالحة وما سيعكسه ذلك على الحكومة المقبلة.
على أية حال، لا ينبغي النظر لهذه الخطوة المرتقبة على كونها خطوة أخيرة في الأزمة السياسية، إذ يدرك مجلس النواب جيداً أن تمريرها ليس بالأمر اليسير ومسألة التوافق عليها دولياً ليس أمراً محسوماً بل ورقة تفاوضية ثقيلة من طرف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
المرشحون لرئاسة الحكومة يعرفون جيداً أنه بمقتضى قوانين الترشح للانتخابات الرئاسية، عليهم التعهد بعدم الدخول في السباق الرئاسي لمن يقع عليه الاختيار لمنصب رئيس الحكومة، وهو الأمر الذي لا يمكن توقعه من قبل العديد من المرشحين، سيما المرشح فتحي باشاغا. وعبد الحميد الدبيبة سيمضي في صراعه مع المستشار عقيلة صالح بما يملكه من أوراق الدعم محلياً والمتمثلة في علاقته بمحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير الذي يحظى بدعم دولي.
الصديق الكبير خازن الأموال الليبية يضخ لرئيس الحكومة ما يلزم من أجل أنشطته الحكومية الاعتيادية، أبرزها إشرافه على تدشين أعمال استكمال مشروع الطريق الدائري الثالث الذي خصص له ميزانية ضخمة، وكذا الأموال اللازمة لتحسين صورته أمام المواطن الليبي.
على المستوى الدولي، يراهن رئيس الحكومة استثمار رفض الموقف الأمريكي والأممي على خطوة تغيير حكومته حالياً، ثم ضرورة التحرك سريعاً نحو خارطة طريق تنفذ الانتخابات بشكل عاجل.
الموقف الدولي، خاصة الأمريكي، عبرت عنه ستيفاني ويليامز بتصريحها المناهض ضد المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب باعتبارهما خارج الشرعية، بينما هدد السفير الأمريكي، ريتشارد نورلاند، بمعاقبة معرقلي العملية السياسية دون أن يحدد طبيعة تلك العقوبات.
في خضم ذلك كله، تراوح الأزمة السياسية الليبية مكانها في استجابة واضحة لوضع الصراع الدولي، وتناقضات الدول الفاعلة، وتوظيف الأطراف الفاعلة تلك التناقضات الأممية، سياسياً وميدانياً.
ليفانت - رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!