-
الأزمة الأوكرانية والمساومات السياسية
إن ما يحدث في الساحة الأوكرانية لا يعد بالأمر المفاجئ، فهو امتداد لما بدأ منذ العام 2004 والتي سميت الثورة البرتقالية مروراً بالثورة الأوكرانية التي اندلعت في العام 2013، وهي التي كان يحاول فيها الغرب جر أوكرانيا إلى مربع التبعية الغربية وخلق منها تهديداً لروسيا، وبالتالي فإن ما يحدث في أوكرانيا هو صراع النفوذ بين الاتحاد الروسي الذي ينظر لأوكرانيا كجزء لا يتجزأ من التاريخ الروسي، وبين القوى الغربية التي تحاول تعزيز نفوذها في أوكرانيا، وإيجاد أرضية خصبة لتواجد حلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية.
توسع حلف الناتو شرقاً خطوة أمريكية دوافعها الاعتقاد بأنه لديها القوة والحق ليس في أوروبا الغربية، بل والوصول إلى عتبة روسيا عبر الدفع بالانضمام الأوكراني لحلف الناتو، حيث لم تقف الأهداف الأمريكية عند حدود تقليص النفوذ الروسي في الداخل الأوكراني، بل تحاول الولايات المتحدة الدفع باتجاه توسع حلف الناتو إلى الحدود الروسية عبر البوابة الأوكرانية، وبالتالي فإن المساعي الأمريكية الهادفة إلى خلق الأرضية الخصبة لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو هو (رأس الحربة) في تصاعد الأزمة الأوكرانية، وهو أمر لن تقبل روسيا بأن تكون بين فك الكماشة الأمريكية، وهو ما يفسر اللجوء إلى خيارات استعراض القوة، فالحشود العسكرية الروسية تأكيد بأنّها لن تقبل بالأمر الواقع الذي تحاول أمريكا صناعته، فالعقلية الروسية ترى أنّها الأحق بالتمدد نحو أوكرانيا باعتبارها من مناطق الاتحاد السوفيتي.
بالرغم من الاستعراض العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، ستبقى روسيا أكثر حذراً من الانزلاق إلى مغامرة عسكرية ستكون نتائجها تحقيق الكثير من المكاسب السياسية لصالح القوى الغربية، بالرغم من أنّ العقلية السياسية الروسية تعتبر أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية الروسية، إلا أنّها سوف تكون أكثر حرصاً على عدم الإقدام على خطوة الغزو العسكري لأن ذلك سيقود إلى توسعة الهوة، ويقضي على ما تمتلكه روسيا من نفوذ في الداخل الأوكراني، وبالتالي يعجل من الدفع بأوكرانيا لتكون جزءاً لا يتجزأ من القوى الغربية وكسر الكثير من الخطوات لتحقيق الطموح الأمريكي عبر التعجيل بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في العام 2014، كان خطوة جريئة، وبالتالي فهي رفعت من رصيد المصداقية الروسية بتهديداتها تجاه أوكرانيا، ولذلك فإن عودة محاولات روسيا للحشد العسكري على الحدود الأوكرانية، الهدف منه تفعيل سياسة المساومات، وممارسة المزيد من الضغط على أوكرانيا لتبقى منطقة محايدة وعدم الانزلاق نحو الدخول إلى حلف الناتو، وبالتالي فإن الاستعراض العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية سيدفع القوى الغربية إلى الدفع باتجاه دبلوماسية المفاوضات والرضوخ لسياسة المساومات التي تنتهجها روسيا، وهو ما يفسره التشديد الغربي على أهمية الحوار في التعامل مع الأزمة.
وبالتالي، فإنّ الأزمة الأوكرانية وما يحدث من حشد عسكري على الحدود الروسية الأوكرانية، يندرج ضمن إطار منهج المساومات السياسية الذي تنتهجه روسيا، وذلك من أجل الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً للحصول على أكبر قدر من التجاوب مع المطالب السياسية الروسية، وأهمها كبح جماح مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وكذلك الدفع باتجاه تنفيذ اتفاق مينسك التي تم التوقيع عليها في العاصمة البيلاروسية، في فبراير 2015 بين روسيا وأوكرانيا، بحضور فرنسا وألمانيا، وهي اتفاقية تنظر لها العقلية السياسية الروسية بأن من شأنها أن تساعد في إنشاء إدارة متحالفة مع روسيا في (لوهانسك ودونيتسك)، ومنحهاً «وضعاً خاصاً»، وهذا من شأنه أن يضمن أن تحتفظ روسيا بنفوذها على هذه المناطق وأن تفقد أوكرانيا سيادتها الحقيقية، وقطع الطريق أمام الخطط الأوكرانية التي تحاول إعادة دمج منطقني لوهانسك ودونيتسك إلى بقية الأراضي الأوكرانية.
ليفانت - خالد الزعتر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!