الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الأرضية المشتركة للتحالف العربي الكردي
كمال اللبواني

في الغرب قامت الدول الرأسمالية الحديثة على مبدأ الدولة القومية وأثبتت نجاحها وتفوقها، وفي الشرق الأوسط نشأت النزعة القومية في تركيا أولاً، في محاولة لتحديث الدولة العثمانية باعتماد النظرية العرقية الألمانية، وبعدها وكردة فعل نشأت النزعة القومية العربية، ثم وكردة فعل ثالثة نشأت النزعة القومية الكردية.

إن اعتماد الدولة على الهوية القومية اعتبر شرط الانتقال من التخلف للحداثة، وليس تغيير نظامها السياسي، وهكذا وبسبب إغفال السبب الحقيقي للتقدم، تحولت النزعات القومية لمسببات التخلف والصراع، وليس رافعة للتقدم والحضارة، فغياب المسألة الديموقراطية ودولة الحق والقانون، كان كافياً لاستمرار التخلف بل لتزايد الطبيعة المتوحشة للنظم.

القضية القومية الكردية هي ردة فعل على هذا الظلم المزدوج (العنصرية، والاستبداد)، الذي هو بسبب طبيعة نظم الحكم فعلاً وجوهراً، وليس شكله القومي إلا غطاء ، لأن القوميات التي حكمت دولها ومارست العنصرية على غير قوميات، بقيت دولها متخلفة ومتوحشة تضطهد قوميتها ذاتها، أقصد تركيا والدول العربية، حتى الدويلة الكردية التي نشأت في شمال العراق ما تزال تعاني من ذات المرض، فالدولة القومية ليست هي الحل، بل الدولة الديمقراطية، ووضع المسألة القومية قبل المسألة الديمقراطية في سلم الأولويات، يضيع البوصلة ويطيل الطريق، بينما وضعها في السياق الديمقراطي سيجعلها تحل بشكل سلس تلقائياً ومن دون صراعات،

حق تقرير المصير في الشرق الأوسط بعد انتهاء نظام الانتداب، الذي ينطبق على الشعوب المستعمرة، يجب أن يفهم اليوم كحق للشعوب في اختيار نظمها وحكامها ومحاسبتهم، وليس كحق الاستقلال وإقامة الدولة المستقلة لكل قومية، لأن ذلك الفهم يفتح الباب لصراعات بينية لا تنتهي بسبب تداخل تلك الشعوب جغرافياً، بسبب طبيعة الشرق الأوسط كجسر ومعبر بين ثلاث قارات، كان دوماً عرضة للتغير الديمغرافي، والهجرات والغزوات.

لا يمكن حل القضايا القومية الكثيرة والمتنوعة في الشرق الأوسط إلا من خلال صيغ تعايش ودول غير قومية، هويتها عقد الدولة والنظام السياسي والحقوقي وليس الهوية القومية أو الدينية الطائفية. الشرق الأوسط لا يتطابق مع أوروبا الحديثة التي تكونت دولها بفعل التطور الرأسمالي والثورة البرجوازية القومية، ثم الديمقراطية، فالشرق الأوسط يفتقر كلياً لهذه الطبقة، وهي دول راسخة بفعل النظم السلطانية والعسكرية، حدودها مرسومة بشكل مصطنع لدرجة التناقض مع الهويات القومية أحياناً، وهي دول خاضعة وتابعة وليست مستقلة مهما ادعت، وبمعظمها تعيش تناقضات وصراعات تديم حالة التخلف والتبعية، وأصبحت دولاً فاشلة أو تتجه نحو الفشل، وفي الكثير منها تندلع الحروب الأهلية.

خلاص شعوب المنطقة ودولها يحتاج لرؤية جديدة ومقاربات مختلفة تضع الأولويات الصحيحة لإعادة إنتاج الاستقرار ودوران عجلة التقدم، وهذا يبدأ بإعطاء المسألة الديمقراطية أولوية حاسمة قبل أي مسألة أخرى قومية أو دينية ومذهبية، فالنزعات القومية حتى لو كانت رداً على الظلم، تلعب دوراً هداماً في الشرق الأوسط، إن كان بممارستها للسلطة العنصرية أو بمقاومتها بعنصرية مضادة، فالمستبد هو المستبد والفاسد هو الفاسد والمظلوم هو المظلوم، بغض النظر عن قوميته ودينه.

إذا اعتبرنا أن الدولة العادلة الديمقراطية التي تحترم حقوق المواطن وحقوق الإنسان هي الدولة الوطنية والقومية، نكون في الطريق الصحيح للتقدم والحضارة وتجاوز التخلف والألم.

 

ليفانت - كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!