الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الأتراك والروس: خصومة تتحول إلى شراكة على أنقاض السوريين

الأتراك والروس: خصومة تتحول إلى شراكة على أنقاض السوريين
الأتراك والروس خصومة تتحول إلى شراكة على أنقاض السوريين

قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مشاركته في منتدى الدوحة الـ 19، أن سوريا لا يمكن أن تكون ساحة تنافس بين تركيا وروسيا، ونوّه إلى وجود قضايا تتوافق أو تتعارض فيها آراء تركيا وروسيا عليها في سوريا وليبيا، “لكن لا يمكن القول إن تركيا وروسيا تتنافسان في هذين البلدين”.


ورغم ما كانت تدعيه أنقرة على الدوام من عدم شرعية النظام السوري، يبدو أن الحال يمكن أن تتبدل وفق وجهة النظر التركية، حيث أوضح أوغلو أن بلاده “تعتقد” أن حكومة النظام السوري غير شرعية، لكن “إذا ما تم إعداد دستور ملائم لإجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة، حينها يجب أن يقرر الشعب السوري”، زاعماً أن موقف بلاده حيال الشخص الذي قتل أكثر من 500 ألف شخص، واضح.


لكنه تجاهل خطابات الرئيس التركي في بداية الحراك الشعبي السوري، عندما تعهد بمنع المجازر بحق السوريين، ومن ثم أكد على ضرورة مُحاسبة النظام، لينحرف التوجه التركي لاحقاً نحو منقلب آخر، عقب التماهي مع التعاطي الروسي في الملف السوري.


حرف الحراك..


وقد تمكنت تركيا بموجب هيمنتها على قرار المعارضة السورية وخاصة في الأعوام الأخيرة عقب إطلاق ما سمي بعملية "درع الفرات" في أغسطس\آب العام 2016، من حرف مسار الحراك الشعبي السوري من مقارعة النظام إلى تنفيذ الأجندات التركية الصرفة في سوريا وخاصة في شمالها، والمتمثلة في محاربة قوات سوريا الديمقراطية.


ومنذ إطلاق عملية درع الفرات، لوحظ توجه الاهتمام التركي وعمل المسلحين الموالين لها على مواجهة قسد وترك الساحات خالية للنظام السوري، كما حصل في حلب الشرقية، التي جرى إخلاها لصالح النظام، لدرجة أن رئيس النظام قد استشهد على أهمية ذلك بالقول إن التاريخ سيكتب ما قبل سيطرة قواته على حلب الشرقية، وما بعد سيطرة قواته على حلب الشرقية.


حلب مقابل الباب..


وعقب انسحاب المسلحين الموالين لتركيا من حلب الشرقية وترك المدينة مُدمّرةً، وأهلها في حيرة من أمرهم، توجه المسلحون عبر الأراضي التركية إلى جرابلس، ومن هناك، باتوا جزءاً من مليشيات "درع الفرات"، التي كانت قد تركت جبهات النظام وانصرفت لمواجهة قسد والتمدد تحت الراية التركية في الباب، بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، في نهاية العام 2016.


تواصل المقايضات..


ويبدو أن المقايضة التي تمت بين حلب والباب، قد راقت للجانبين التركي والروسي، فقررا مواصلتها دون أي اعتبار لما يلاقيه السوريون إثرها، فكانت المقايضة الثانية بين عفرين والغوطة الشرقية وشمال حمص، والتي جرت تحت مسمى عملية "غصن الزيتون"، التي جرى فيها إخراج قوات سوريا الديمقراطية من منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في اقصى الشمال الغربي، عقب عامين من الجهد التركي الذي تكتلل بإطباق الحصار عليها، خاصة في جنوبها، عندما نشرت تركيا جيشها في جبل الشيخ بركات جنوب عفرين، وهي منطقة كانت تحت سيطرة النصرة، إذ تمت العملية بالتنسيق ما بين النصرة والجيش التركي.


ادعاء العداء..


ورغم عدائهما الظاهري، يبدو أن تسوية بين النظام السوري وتركيا ممكنة برعاية روسية، وذلك بالارتكاز على مُحاربة قسد، ومنع حصول الأكراد السوريين على حكم ذاتي تحت مسمى "الإدارة الذاتية"، وهو ما يمكن أن يبرر حديث جاويش أوغلو عن إمكانية خوض النظام لانتخابات يجمع السوريين أنها لن تكون نزيهة في أي حال من الأحوال، في ظل هيمنة السطوة الأمنية للنظام السوري، التي كانت ولا تزال تحصي على السوريين أنفاسهم.


وفي هذا السياق، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن في العاشر من أكتوبر، أن بلاده ترغب بحصول محادثات بين تركيا والسلطات السورية حول الأكراد المستهدفين بهجوم تركي في شمال سوريا، وقال لافروف في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية الروسية "سندافع من الآن فصاعداً عن ضرورة إجراء حوار بين تركيا وسوريا".


اتفاق تاريخي..


وفي إطار جهودهما المشتركة لتسوية الصراع في سوريا طبقاً لما يناسب مصالح كل منهما، قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في الثالث والعشرين من أكتوبر، إن التاريخ سجل اتفاقيتين وقعتهما تركيا مع روسيا وأمريكا بخصوص سوريا على أنهما نجاح سياسي، وأضاف أوغلو أن "أكبر بلدين في العالم روسيا وأمريكا قبلا بشرعية نبع السلام"، مضيفاً أن عملية نبع السلام أصبحت نقطة تحول بالنسبة إلى مستقبل سوريا.


فيما صرّحَ نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أنه لا يوجد إطار زمني محدد لبقاء جيش الاحتلال التركي في منطقة عمليته بشمال شرق سوريا، وقال فيرشينين رداً على سؤال عن المدة التي ستقضيها قوات الجيش التركي في سوريا في إطار عمليتها العسكرية: «مذكرة التفاهم لا تحدد فترة زمنية معينة لهذه العملية».


أين المعارضة؟


وعقب توقبع الجانب التركي وثيقة الاتفاق مع الجانب الروسي، ووضح حد للعملية العسكرية المسماة بـ "نبع السلام" وصف معارضون الوضع بـ"الكارثي"، حيث ضمن الاتفاق لقوات النظام وروسيا سيطرة واسعة في مناطق شرق الفرات، وقضى على آمال الكثيرين من المؤيدين لمليشيات الجيش الوطني التابع لتركيا بالعودة إلى مناطق كـ منبج وتل رفعت والرقة وديرالزور والحسكة شرقي الفرات، حيث يرفض هؤلاء العودة لها في ظل حكم قوات سوريا الديمقراطية، لكن عودة النظام إليها، يعني فيما يعنيه قضاءاً شبه كامل على فرصهم بالعودة.


تبني الرواية التركية..


ويمكن الإشارة إلى حالة من الإنسجام الروسي مع الرواية التركية حول شمال سوريا، سعياً لزيادة أسهم الروس لدى الأتراك، بغية دفعهم للإبتعاد عن الناتو، وهو الوتر الذي يبدو أن الأتراك يلعبون عليه بشكل جيد، من خلال تهديد كل طرف بالآخر (الناتو وروسيا)، وفي هذا السياق، صرّحَ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الثاني عشر من نوفمبر، بأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد فصل مناطق شرق الفرات وإنشاء شبه دولة.


وقال لافروف خلال منتدى السلام في باريس: “إنهم (الأمريكيون) يفعلون كل شيئ على الشاطئ الشرقي لنهر الفرات من أجل إنشاء شبه دولة، ويطلبون من دول الخليج استثمارات كبيرة لإنشاء إدارة محلية على أساس قوات سوريا الديمقراطية، الأكراد- قوات حماية الشعب وآخرين، مع نوايا واضحة لفصل هذا الجزء من سوريا والسيطرة على حقول النفط هناك”.


النظام عاجز..


أما النظام السوري، فيبدو أنه بات غير مُجاب لدى الروس، مقارنة مع تركيا، ففي الثالث والعشرين من نوفمبر، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن جيش النظام يشهد انشقاقات بعد قرار عدد من الضباط والجنود مخالفة الأوامر بعدم الاشتباكات مع القوات التركية في شمال سوريا، وقال المرصد إن عدداً من عناصر قوات النظام شارك في معارك لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على التصدي لفصائل أنقرة، في مخالفة للموقف الرسمي لجيش النظام.


ونسب المرصد لمصدر موثوق، قوله إن "قوات النظام لديها أوامر بعدم إطلاق طلقة واحدة على القوات التركية، وعدم الدخول في أي اشتباك في مواجهة تركيا" في شمال البلاد، وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن، في تصريح صحفي أن قوات النظام انسحبت بشكل رسمي من قرى في الشمال السوري، لكن على أثر تقدم مليشيات "الجيش الوطني"، قرر آمر مجموعة بحوزتها أربع عربات شيلكا، بشكل شخصي، المشاركة في العملية العسكرية من أجل استعادة القرى، وأوضح المرصد أن انشقاقاً وقع في ريف تل تمر، حيث قرر ضابط من قوات النظام عدم الامتثال لأوامر عدم الاشتباك مع فصائل أنقرة، وتساءل مدير المرصد رامي عبد الرحمن عن سبب انسحاب قوات النظام وعدم قتالها المليشيات التابعة لتركيا في تلك المنطقة، قائلاُ: "هل هي أوامر روسية؟".


خلف الكواليس..


وبالتزامن مع الهجوم التركي على شرق الفرات، صعّدت قوات النظام هجومها الجوي المتقطّع بدعمٍ روسي على آخر معاقل المسلحين في إدلب واللاذقية، وحول ذلك قال المحلل السياسي التركي، جواد جوك، في مقابلة مع "العربية" في التاسع والعشرين من نوفمبر، إن "هناك اتفاقيّات أبرمتها الحكومية التركية خلف الكواليس بخصوص إدلب، حيث تحاول استبدالها بالمناطق السورية الأخرى والواقعة شرقي نهر الفرات".


وأضاف أن "مدينة إدلب ليست مهمة للأمن القومي التركي، ومهمّة الحكومة التركية أن لا يكون هناك نزوح جماعي وحمّام دم في هذه المدينة، ولا تولِي أنقرة اهتماماً فيها لأي شيءٍ آخر"، كاشفاً أن "أنقرة تفضّل أن تسيطر قوات النظام على إدلب". وتابع "بالنتيجة، أنقرة وصلت لأهدافها في شرقي الفرات، فالقوات التركية استقرت فيها ولو بشكلٍ رمزي في مناطق محدودة"، مشيراً إلى أن "الحكومة التركية تنازلت شيئاً فشيئاً عن مدينة إدلب وتركّز حالياً على شرق الفرات".


ويمكن التوصل إلى نتيجة واقعية من حديث المحلل التركي بأن خطوط الحل العريضة في سوريا قد حصرت ربما في أيدي اللاعبين الأساسيين على الأرض، وهو ما يبدو أن تركيا وروسيا قد أتفقت عليه بصورة أو بأخرى، بعيداً عن الرؤى السورية للحل، وهو يعني فيما يعنيه، أن معظم تضحيات السوريين في شمال البلاد وجنوبها، شرقها وغربها، قد أضحت سلعة يتقايضها اللاعبان التركي والروسي.


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!