-
اتهامات لـ قسد.. بتسلم أكثر من 600 معتقل للنظام السوري
غارت الطائرات التركية في الصباح الباكر من يوم الأربعاء، الموافق 14 آذار/ مارس 2018، رتلاً عسكرياً ينتمي لقوات الجيش الشعبي السوري، في محيط قرية زيارة شمال حلب. كان الرتل المستهدف يخطط للدخول إلى مدينة عفرين لدعم القوات الكردية في سوريا الديمقراطية، بهدف احتواء التوسع التركي والمعارضة المسلحة في إطار عملية "غصن الزيتون".
وقد أثّرت حملة القصف التركي التي أدّت إلى مقتل ما بين 8 و35 عنصراً عسكرياً، على الثقة بين القوات الكردية المتمركزة في عفرين وبين القوات السورية التي قررت دعم الكرد تحت اسم "الجيش الشعبي". وعلى الرغم من تردد المعلومات حول مرور الرتل ودخوله لقرى عفرين، فإن القوى الكردية كانت الوحيدة الذين كانوا يعلمون بذلك.
تفاقم الوضع عندما قامت القوات السورية بإغلاق الطريق أمام سيارات وأرتال القوات الكردية، التي بدأت في الانسحاب الفعلي من عفرين في ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي.
إبراهيم المحمد، أحد المعتقلين (ويُقدر عددهم بحوالي 600 شخص) المنتشرين في عدة سجون في عفرين، كان ناشطًا إعلاميًا تم اعتقاله على حاجز لقوات الكرد بقرية الغزاوية غرب حلب. وقد قدم أمام "محكمة الشعب" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
أما أحمد مدلج، فقد كان يعمل كناشط إغاثي وتم اعتقاله بنفس الطريقة التي تم اعتقال إبراهيم، حيث قضى خمس سنوات في السجن بعد حكمه بالسجن، وتم اعتقاله أثناء انتظاره داخل مدرسة صالح العلي التي تم تحويلها إلى سجن.
كلاهما طلبا من قوات الكرد ألا يسلموهما للنظام السوري، ولكن تم تسليمهما بعد وعود بعدم تسليمهما. ومع ذلك، تم تسليمهما إلى النظام السوري ووُصِفا بأنهما مقاتلان أجنبيان يتبعان لتنظيم داعش.
صفقة مع النظام السوري
عقدت قوات سوريا الديمقراطية صفقة مع قوات النظام السوري لحل الخلاف وإعادة الثقة إثر مقتل مقاتلي الرتل العسكري. نصت الصفقة على أن يُسمح لقياديي قسد في عفرين بالمرور بسياراتهم والأموال التي معهم، مقابل تسليم 600 معتقل يتبعون لداعش.
وزّعت قوات سوريا الديمقراطية المقاتلين العشرين الأجانب الذين هم فعلاً متهمون بالانضمام الى تنظيمات إسلامية، والذين اعتقلتهم قوات سوريا الديمقراطية على فترات زمنية بين عامي 2014 و2017، ووُضع عدد من المنتمين الى داعش في الكراسي الأمامية من كل باص، في حين كان الباقون مدنيين اعتُقلوا بتهم مختلفة. انطلت الحيلة على قوات النظام السورية ومرت سيارات قسد وشاحناتها بأمان.
التفاصيل السابقة عرفها كل من أحمد مدلج وإبراهيم محمد في فرع أمن الدولة التابع لقوات النظام السوري في مدينة حلب، يقول ابراهيم: “بدأت أحلف لهم بكل الأديان السماوية أنني إعلامي أتبع للجيش الحر ولست مقاتلاً أجنبياً أتبع لداعش، لست أجنبياً، أنا سوري. كانوا يعذبونني ويطلبون مني أن أعترف من أي بلد نحن”.
يضيف ابراهيم: “بعدما تأكدوا أننا سوريون عبر المعلومات التي أعطيناها لهم، قال المحقق: ضحكوا علينا الكلاب”.
انتهى المطاف بكل من إبراهيم وأحمد ومن معهما في سجن صيدنايا شمال العاصمة السورية دمشق، هناك حوكموا مرة أخرى. ابراهيم حُكم عليه بخمس سنوات وأحمد بعشر سنوات، كونهما ناشطين عملا لصالح المعارضة السورية أثناء فترة وجودها في القسم الشرقي من مدينة حلب.
مروان شيه أو هكذا يطلق على نفسه، أحد قادة المجموعات العسكرية التابعة لوحدات حماية الشعب، وموجود الآن في إحدى الدول المجاورة لسوريا، أكد لمعد التحقيق ما قاله إبراهيم وأحمد.
يقول مروان: “لم يكن في نية قسد تسليم أي سجين للنظام السوري حتى ممن هم مع الدواعش، لكن بعض المشاكل حدثت بين قادتنا والنظام، وهناك قسم منا (مقاتلو الوحدات) كان يؤيد تسليم المعتقلين للنظام السوري وقسم ضد تسليمهم ومع نقلهم إلى سجن منبج أو كوباني. حدث تبادل إطلاق رصاص حينها تحت ذريعة التهديد والصراخ المتبادل بين قادتنا”.
يضيف مروان: “انتهى السجال بتسليم المعتقلين وادعاء أن جلّهم مهاجرون غير سوريين مع داعش والنصرة، مقابل أن يُسمح لنا بزيادة عدة السيارات ونقل الأموال عبر مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب وصولاً الى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في منبج، وإلا سيتم حصارنا في مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها، وهذا ما لم يرده البعض من قادتنا”.
اعتقل النظام السوري مروان بحسب كلامه، ولكنه خرج، وهو الآن في إحدى الدول المجاورة لسوريا. يقول: “تركت سوريا لأنني لم أستطع النزوح ولم يتمكن كل مقاتلي الوحدات (وحدات حماية الشعب) من النزوح تجاه منبج. ونظراً الى شحّ العمل في تل رفعت وحظرنا من الذهاب إلى مدينة حلب متى ما نريد، اعتقلني النظام السوري لأني لم أنسق أثناء ذهابي إلى المدينة”.
معتقلو قسد “أمانة” لدى النظام السوريّ
تواصل معد التحقيق مع مكتب العلاقات التابع لقوات سوريا الديمقراطية، المسؤول عن التنسيق بين فرع أمن الدولة في حلب وقيادة قوات سوريا الديمقراطية، بحسب الشخص الذي رفض الكشف عن اسمه.
فقال عضو مكتب العلاقات العامة عبر تطبيق واتسآب: “لم نسلم أحداً، بل وضعناهم كأمانة ريثما نعود ونعيد عفرين أو تسلمنا إياهم الدولة السورية في منطقة منبج. ولكن الدولة أخذت منهم أولئك الذين كانوا منتسبين الى الجماعات الإرهابية، وسلّمتنا الآخرين”.
عند ذكرنا اسم إبراهيم وأحمد مدلج لعضو مكتب العلاقات وتأكيد عدم انتسابهما إلى أي جماعة عسكرية، ومع ذلك لم يخرجا من السجن، رفض عضو مكتب العلاقات التعليق على هذا السؤال ولم يرد على أي من الرسائل.
إيبو أبو جوان واصلان، وقرابة 60 معتقلاً من أهالي مدينة عفرين، قالوا لمعد التحقيق: “لم نخرج من عفرين طيلة عمرنا ولم ننتسب إلى أي فصيل مسلح ولم نحمل السلاح ضد أحد، تم اعتقالنا عند بدء معركة غصن الزيتون لأننا رفضنا الخروج بدوريات حرس وحمل السلاح ضد أحد، ولكن عندما وصلنا إلى سجن أمن الدولة في مدينة حلب تم اتهامنا بأننا نتبع لتنظيم الدولة وجبهة النصرة”. وهذا الكلام ينفي ما قاله عضو مكتب العلاقات التابع لقوات سورية الديمقراطية، حول تسليم المعتقلين التابعين للجماعات الإرهابية المسلّحة فقط.
محاكمة ثانية!
خرج إبراهيم من السجن في بداية عام 2019، فيما خرج أحمد مدلج بعدما دفع مبلغاً قدره 25 ألف دولار أميركي. ولاحقاً، خرج عدد لا يتجاوز الـ17 من إجمالي عدد المعتقلين الذين لا ينتسبون الى داعش، من أصل 600 معتقل، ولا يزال مصير البقية مجهولاً.
خرج بعضهم مقابل دفع أموال أو انتهاء الحكم الذي أصدرته بحقهم المحاكم التابعة للنظام السوري، وفقد بعضهم الآخر حياته تحت التعذيب وآخرين فقدوا حياتهم نتيجة المرض، إذ لا تتجاوز نسبة الذين نجوا من بين الـ 600 معتقل العشرة بالمئة بحسب تعقب معد التحقيق الأسماء التي سجّلها أثناء إجراء المقابلات على فترات زمنية متباعدة مع كل من إبراهيم وأحمد وآخرين.
يختم المدلج شهادته حول تسليمه من قوات سوريا الديمقراطية لقوات النظام السوري قائلاً: “ضحكوا علينا وباعونا، يعرفون أننا لسنا دواعش وأني مطلوب للنظام السوري ومصاب في قدمي بالطيران الحربي التابع للنظام السوري، ترجيتهم ألا يسلموني للنظام ومستعد أن أمضي ضعف مدة حكمي في سجونهم في منبج، إلا أنهم وعدوني ألا يسلموني ولكنهم سلموني”.
يضيف: “أمضيت سنتين في صيدنايا، رأيت الموت فيهما كل يوم، استدان أهلي مبلغاً قدره 25 ألف دولار أميركي حتى أخرج من صيدنايا، لا زلت أعمل وأخوتي حتى نسدّده”.
بحسب المادة الثالثة من معاهدة مناهضة التعذيب في العالم: “لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (أن ترده) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”.
يعلق المحامي خالد كردية، بأن عملية التسليم تخالف معاهدة مناهضة التعذيب في العالم، ناهيك بأنها تأخذ منحى قانونياً في ما يخص عدم وجوب ترتيب ملفات جنائية لأشخاص لم يخضعوا لمحاكمات عادلة يتوافر فيها حق الدفاع عن النفس والشفافية.
يختم كردية كلامه بأن الحكومة السورية على الرغم أنها وقّعت على معاهدة مناهضة التعذيب عام 2004 مع تحفّظها على بعض النقاط، إلا أنها لم تلتزم بها.
صفقات تبادل “معتقلين” مشبوهة
على امتداد سنتين حتى اللحظة، رصد معد التحقيق عمليتين رسمتين سُلّم خلالهما معتقلون لجهات عسكرية أخرى مقابل مكاسب مادية أو سياسية، من دون إذن المعتقلين أو إخطارهم، ومع علم مسبق من الجهة التي سلمت المعتقلين بتعرضهم للاعتقال والتعذيب وإعادة التحقيق مرة أخرى من الجهة التي سيتم تسليمهم لها.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وحتى اليوم، ومع ظهور قوة عسكرية وزوال أخرى، وغياب الشفافية في التعامل مع المعتقلين وتقاسم الجهات العسكرية الخارطة السورية، تم رصد بيع معتقلين مقابل إخراجهم من السجون وتبادل معتقلين بين هذه الجهات وشراء جثث المعتقلين، وتزوير تهمة المعتقلين وتسليمهم لجهات أخرى.
و نظراً الى عدم نشر أخبار تخصّ المعتقلين على الوسائل الإعلامية الرسمية وتغييب الحقائق، وزوال جهات واندثارها، كان من الصعب حتى اللحظة إجراء إحصاء رسمي لعدد عمليات تسليم معتقلين لجهات عسكرية أخرى مقابل مكاسب مادية وسياسة أو تزوير تهمة المعتقل.
تم توثيق اعتقال حوالى 154398 سورياً بين عامي 2011 – 2022، من الجهات العسكرية التي تتوزع السيطرة على الخريطة السورية، منهم من فقد حياته تحت التعذيب ومنهم من خرج من السجون، ومنهم من تعرض لإصابات وإعاقات جسدية دائمة بسبب التعذيب، فيما لا يزال مصير الكثير منهم مجهولاً بحسب فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
المصدر: daraj.media
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!