الوضع المظلم
الأربعاء ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • إحتفالات المولد النبوي بالجزائر ...موروث من العادات والتقاليد يصطدم بمفاهيم "البدعة" و"المحدث من الأمر"!!

إحتفالات المولد النبوي بالجزائر ...موروث من العادات والتقاليد يصطدم بمفاهيم
إحتفالات المولد النبوي بالجزائر ...موروث من العادات والتقاليد يصطدم بمفاهيم البدعة والمحدث من الأمر!!

يتجدد النقاش في الجزائر ، تزامناً مع ذكرى المولد النبوي الشريف، حول مدى شرعية الاحتفال بهذه المناسبة ، وبرز جدال في الأوساط الشعبية بين من يعتبره "عيداً" دينياً ومن يراه "مجرد ذكرى" وأنه "لا يجوز الاحتفال بها"،من خلال نشاط مشبوه لبعض أتباع التيار السلفي المتشدد الذي يشكك في عادات المجتمع الجزائري بمفاهيم "البدعة" و"المحدث من الأمر".


ويولي الجزائريون ذكرى المولد النبوي الشريف إهتماماً كبيراً وقدسية واضحة تليق بمولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال طريقة الإحتفالات الممارسة والتي تعبر عن موروث من العادات والتقاليد المرتبط بهذه المناسبة الخاصة جداً عند الجزائريين.


وإعتاد الجزائريون الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كل سنة مثل ما كان عليه منذ عقود، وتبرز مظاهر الإحتفال بمولد سيد الخلق بادية لدى كل عائلة تستعد لإحياء هذه المناسبة التي تعتبرها مناسبة دينية خالصة لا تفرط فيها، بينما تشوش عليهم بعض المجموعات السلفية التي تبادر لنشر بيانات ومنشورات تعتبر ذلك بالبدعة .


ويعتقد بعض الباحثين في الدراسات الإسلامية بالجزائر، أن هناك جزم لدى بعض السلفيين يتعلق بتحريم الاحتفاء بمثل هذا اليوم، ومنطقهم الدائم في تحريم كل فرح وكل العادات والأعراف التي اعتاد الناس أن يفرحوا فيها.


والتحريم في هذه المناسبة الذي يغلب على العقل السلفي ومنطق الخصومة مع الحياة الذي يغلب عليهم ويجعلهم يقفون هذه المواقف المصادمة لعادات الناس وأعرافهم وما تعودوا عليه من أمور جميلة يستحسن تشجيعها وتأييدها لا الوقوف ضدها.


ويقول الباحث في الإسلاميات والمستشار السابق لوزير الشؤون الدينية والأوقاف "عدة فلاحي" لصحيفة ليفانت أن الإحتفال بالمولد النبوي سنة أقرتها الأمة لتخليد سيرة و قيم الرسول عليه الصلاة والسلام لتكون قدوة و سلوكاً في حياة الناس و لا يجب أن تستغل لارتكاب المحرمات كالقيام ببعض مقامات الدروشة والاسراف في المأكولات والحلويات والمفرقعات التي يستثمر فيها التجار بجشعهم وقد تلحق الألعاب النارية الضرر بالأطفال من خلال استخدامهم المفرط والمسيئ لها.


ويضيف فلاحي أن هذا المشهد بالتأكيد هو الذي دفع بالتبار السلفي الوهابي إلى تحريم الاحتفال بالمولد النبوي أو على الأقل تبديعه من الاساس، ولكن المرجعية الدينية الوطنية والمؤسسة الدينية بالجزائر أقرت الاحتفال بالمولد النبوي و اعتبره عيداً رسمياً و عطلة مدفوعة الاجر.


و لكن في نفس الوقت يقول فلاحي أن: "المولد النبوي الشريف هو عيد للتكافل والتسامح دون غلو ومن خاله تزين المساجد و يتلى و تقام الاحتفالات و المسابقات لحفظ القرآن الكريم و تنشيط البردة الشريفة.


و يتأسف فلاحي في حديثه لليفانت أن حملة التشويش على الجزائريين للإحتفال بمولد سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام قوية عبر الأنترنيت والقصاصات ودروس في بعض المساجد على أن هذا الاحتفال باطل و لا أساس له و لا سند له و هنا مسؤولية كبرى للتصدي لهؤلاء بإقامة الحجة عليهم.


ويختم فلاحي بالقول أن أصعب حجة يمكن مواجهة التيار السلفي بها هو كيف أن التراجع الملحوظ للسلفية بالسعودية التي كانت تبدّع الاحتفال بالمولد النبوي، حيث أعادت النظر في المسألة وجعلتها من المباحات و اقر الاحتفال رسميا من الدولة و حضرت له كل المستلزمات لذلك.


ومن جهتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر ترفض دوماً هذا السجال، وتحذّر ممّا اعتبرته محاولات مجموعات متطرّفة لنقل النقاش حول مواضيع دينيّة عدة إلى الجزائر. وقال وزير الشؤون الدينية السابق محمد عيسى بخصوص ما يروج له السلفيون من تحريم للإحتفاء بالمولد النبوي الشريف : " أنّ الجزائريين ليسوا في حاجة إلى فتوى للاحتفاء بالمولد النبوي، وأفضل طريقة لمحاربة هذه الحركات المتطرفة هي الاحتفال بالمولد النبوي الذي يشكل فرصة لاستحضار قيم ومبادئ الرسول عليه الصلاة والسلام ، كما أن محبة الجزائريّين لرسولهم لا تحتاج إلى فتوى" .


وتمثل هذه المناسبة الدينية جزءاً لا يتجزأ من الكيان الروحي والثقافي والاجتماعي للجزائريين ، حيث يواظبون على إحيائها كل سنة ويحرصون على الالتقاء في بيت العائلة لاستذكار الرسالة المحمدية وتلقين سيرة خاتم الأنبياء العطرة للأطفال وتجوت بعض الفرق الفولكلورية الشوارع وهي تردد مدائح دينية احتفاءً بمولد نبينا .


وتتفنن ربات البيوت في ليلة المولد النبوي الشريف بتحضير أشهى الأطباق التقليدية تختلف من إقليم لآخر فتجد في الغرب الجزائري أن النسوة يحضرن الكسكسي بلحم الخروف وما يسمى بالعامية " الرقاق " بلحم الدجاج ناهيك عن تحضير طبق " الرفيس " او الطمينة " بينما تجد في الشرق الجزائري الشخشوخة طبق رئيس على مائدة العائلات و الكسكسي وهي العادات التي تعكس عراقة و أصالة الموروث الثقافي للشعب الجزائري .


وفي السهرة الليلية تحرص كل العائلات على تزيين المائدة بالشاي والحلويات المخلوطة مع المكسرات وإشعال الشموع ووضع الحناء على أيادي الأطفال في مظهر يوحي بخصوصية هذه المناسبة لدى الجزائريين.


وتقول السيدة " سعيدة ملاح " لـ "ليفانت نيوز" أنّ الاحتفال بمولد الرسول مناسبة مقدّسة، التي تتطلب من كل عائلة جزائرية التحضير لها لشكل جيد بشراء مستلزمات الإحتفال ليلة المولد وتحضير العشاء الخاص بتلك الليلة، وهي المناسبة التي تجمع كل أفراد العائلة حول مائدة متنوعة وعادة ما يكون حسبها الكسكسي هو العشاء الذي يجمع أفراد العائلة لتناوله معا وهذا يخص مناطق الغرب الجزائري والوسط بينما تجتهد النسوة في الشرق الجزائري كما تقول السيدة في تحضير طبق "الشخشوخة والتريدة ".


وتضيف السيدة "سعيدة ملاح "أن ليلة الاحتفال بالمولد،مختلفة تماماً على باقي ليالي السنة، تحضر فيها النسوة بعض الحلويات الخاصة وأطباق "الطمينة" أو "البسيسة"، وهي من أهمّ الأطباق التي تحضر خصيصاً في احتفالات مولد النبي. وهي نوع من الحلويات التي يشتهيها الجزائريون تحضر بالقمح والعسل والزبدة والمكسرات مثل الجوز واللوز إضافة إلى مكونات أخرى، وغالباً ما يتخذها الجزائريون كفأل يدل على سنة "الوفرة والخير".


ومن أهم طقوس الاحتفالات عن العائلات الجزائرية ، تقول السيدة "سعيدة ملاح": "نجتمع على مائدة الشاي ونشعل الشموع وحولنا الأطفال نضع على أيديهم الحناء ونبدأ في ترديد بعض الأناشيد والمدائح الدينية التي تتغنى بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام .


وحسب المتخصصين في الشؤون الينية بالجزائر فإن الناس ألفوا الإحتفال بهذه المناسبة بطريقتهم الخاصة والمتوارثة منذ عدة عقود وإتخذوها لإبداء الفرح والسرور والاحتفاء بمناسبة دينية مهمة، ويؤكدون بأنه من المفروض ألا يدقق في هذا الأمر وأن يترك الناس يفرحون كما يشاؤون ويستغلون هذه المناسبة لتبادل الزيارات العائلية ولإضفاء جو من السعادة والفرح .


كاتب وصحفي جزائري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!