-
أين تقف برلين من الأزمة الروسية الأوكرانية؟
يبذل المستشار الألماني جهوداً مكثّفة إلى جانب الرئيس الفرنسي ماكرون من أجل إيجاد حلّ لأزمة أوكرانيا ونزع فتيل الحرب المحتملة، وهذا ما يمكن اعتباره تحدّياً كبيراً للمستشار الجديد شولتس، وكذلك يضع المستشار الألماني شولتز على المحك في إدارة "الأزمة"، وربما حتى إدارة حكومته التي ممكن أن تشهد انقساماً أو تصدّعاً بسبب غياب موقف موحد للحكومة الألمانية لحدّ هذه اللحظة، وهذا ما دفع المستشار الألماني شولتس إلى تعزيز وتأكيد أهمية تعاونه مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لتخفيف حدّة التصعيد في الأزمة بين أوكرانيا وروسيا.
التقى المستشار الألماني أولاف شولتس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم 15 فبراير 2022، لإجراء محادثات حول الأزمة الأوكرانية. جاءت هذه الزيارة ضمن التحركات الديبلوماسية الحثيثة لإبعاد شبح الحرب عن أوكرانيا، وفي وقت تعيش فيه العلاقات الروسية الألمانية تدهوراً غير مسبوق. وقبل توجهه إلى موسكو، زار شولتس أوكرانيا، يوم 14 فبراير 2022. وقبل مغادرة بلاده، تحدث عن "تهديد خطير للسلام في أوربا". المستشار الألماني، صعّد جهوده لحل الأزمة الأوكرانية بعد أن انتقادات بالافتقار إلى روح القيادة في "أزمة أوكرانيا".
وسبق أن وصل المستشار الألماني أولاف شولتس، يوم 14 فبراير 2022، إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، لمواصلة الجهود الدبلوماسية الهادفة لنزع فتيل التهديد "الخطير" المتمثل بغزو روسي محتمل لأوكرانيا، والذي قد يؤدّي إلى أسوأ أزمة في أوربا منذ الحرب الباردة. وخلال زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس للبيت الأبيض، في السابع من فبراير 2022، أكد الرئيس بايدن أن أي غزو روسي لأوكرانيا سيكون توقيعاً على نهاية خط أنابيب نورد ستريم 2.
وسبق أنّ هدّد المستشار الألماني شولتس روسيا يوم 08 فبراير 2022 بـ"عواقب واسعة النطاق" في حال غزو أوكرانيا. وفي مستهل اللقاء بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والرئيس البولندي، أندريه دودا، بالقول "ستكون هناك عواقب على الصعيد، السياسي والاقتصادي وبالتأكيد الجيواستراتيجي".
سرّ أزمة أوكرانيا ـ خط "نورد ستريم 2"
تشكل المصالح الألمانية الاقتصادية مع روسيا نقطة انتقاد للحكومة في برلين، وتحديداً اعتمادها على صادرات الطاقة الروسية، إذ تستورد ألمانيا نحو 40 في المائة من إجمالي واردات النفط الخام، و56 في المائة من إجمالي واردات الغاز، من روسيا. هذه النسب قد تزداد بسبب خط "نورد ستريم 2" المثير للجدل، والذي انتهى العمل به الصيف الماضي، ولكنه لم يدخل نطاق الخدمة بعد.
نشر وزير الخارجية التشيكي السابق، كارل فورست فون شفارتسنبيرغ، والرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوربي، إلمار بروك، رسالة مطلع شهر فبراير 2022، ذكر فيها أن "هنالك انطباع بأن ألمانيا لا تشارك بشكل فعال في تطوير سياسة غربية واضحة، بل تفكر بمصالحها الاقتصادية (نورد ستريم 2، العقوبات) أكثر". وتحثّ واشنطن برلين على التخلّي عن مشروع (نورد ستريم 2) الذي ما يزال يحتاج إلى ترخيص ألماني، في حال حصول غزو لأوكرانيا، إلا أن الحكومة الألمانية تبقي على بعض الغموض بشأن هذه المسألة.
صيغة نورماندي
عمل شولتس وزيلينسكي، الرئيس الأوكراني، خلال الزيارة، على تقييم الموقف بعد المحادثات مع الرئيس الأوكراني في إطار "صيغة نورماندي" بين أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، ومناقشة كيفية الدفع باتجاه الحوار. وكانت "قضية" تجميد ترشح أوكرانيا للانضمام إلى الحلف ليس مطروحاً بالنسبة لألمانيا. وقال شولتس إن أوكرانيا يمكنها أن تعوّل على تضامن ألمانيا، لا سيما من خلال المساعدات المالية لضمان استقرار اقتصادها. ويؤكد دائماً شولتس، أنه لا توجد حالياً أي خطط لقبول أوكرانيا في أحلاف غربية، مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو). وأضاف: "ورغم ذلك فإنّ هذا هو التحدي الذي نواجهه فعلياً الآن".
وأكد المستشار الألماني، الذي يُشتبه في أن بلاده تراعي روسيا لأسباب اقتصادية خصوصاً، ستواصل "بتصميم" دعمها الاقتصادي لكييف. وأوضح: "ما من بلد في العالم دعم أوكرانيا بقدر ما دعمناها في السنوات الثماني الأخيرة. فقد حرصنا على استقلاليتها وصمودها في وجه التأثير الخارجي". ويقول شولتس، إنّ مواقف بلاده موحدة مع فرنسا وبولندا بما يخصّ التحرّك تجاه الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وهدف المحافظة على السلام في أوربا. وهدّد المستشار روسيا بـ"عواقب واسعة النطاق" في حال غزو أوكرانيا. وأضاف: "نحن موحّدون حول هدف المحافظة على السلام في أوربا عبر الدبلوماسية والرسائل الواضحة والرغبة المشتركة في التحرّك معاً"، فيما أكد دودا أنّه "علينا إيجاد حلّ لتجنّب اندلاع حرب. كما سبق أن قلت، هذه مهمتنا الرئيسة. أعتقد أنّنا سنحقّقها".
إن رفض ألمانيا إرسال أسلحة إلى أوكرانيا يناقض مواقف حلفاء آخرين، مثل إسبانيا، التي أرسلت فرقاطة إلى البحر الأسود، أو الدنمارك، التي نقلت طائرات مقاتلة إلى ليتوانيا وحرّكت فرقاطة إلى شرق بحر البلطيق، أو الولايات المتحدة، التي أعلنت عن جاهزيتها لنقل جنود. ما انعكس سلباً أيضاً على صورة ألمانيا هو منعها إستونيا من تسليم خمس قطع مدفعية قديمة من طراز "هاويتزر" من بقايا معدات ألمانيا الشرقية إلى أوكرانيا. سبب هذا المنع، بحسب برلين، هو التحفظ التقليدي على تصدير أسلحة ومعدات عسكرية إلى مناطق الصراع. لكن نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر، ألكساندر غراف لامسدورف، برر ذلك بالقول، إن القوات المسلحة الأوكرانية أضعف بمراحل من نظيرتها الروسية، وتزويدها بالسلاح لن يعادل ميزان القوة بين الطرفين على الإطلاق".
النتائج
ـ نتيجة الأزمة الأوكرانية بانت تصدّعات داخل الاتحاد الأوربي، وكذلك داخل الحكومة الألمانية، أي داخل التحالف الحاكم في ألمانيا، فحزبا الخضر والديمقراطيون الأحرار يمثلان سياسة ألمانية أكثر صرامة تجاه روسيا، بينما يشدد الحزب الاشتراكي الديمقراطي على ضرورة استكمال "التهدئة" و"الحوار" في العلاقات مع موسكو.
ـ الانقسام أيضاً امتدّ إلى داخل حزب المستشار الألماني نفسه "الحزب الاشتراكي"، هنالك مجموعة من الأصوات المختلفة، لدرجة أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي عقد في الأول من فبراير 2022، لقاءً من أجل الخروج بموقف موحد. والنتيجة كانت أنه في حال وجود غزو روسي، ستكون كافة خيارات العقوبات مطروحة على الطاولة، ويجب استخدام كافة القنوات الدبلوماسية من أجل التهدئة، خاصة في إطار ما يُعرف بـ"صيغة النورماندي"، بالشراكة مع فرنسا. كما تم الاتفاق على التمسك بعدم تصدير أسلحة إلى أوكرانيا، أيضاً من أجل عدم التأثير على دور الوساطة الألمانية.
ـ يبدو أن رحيل المستشارة الألمانية السابقة، ميركل، من منصبها، ترك فجوة في السياسة الأوربية عموماً تجاه روسيا، وهي فجوة لا يبدو أن المستشار الحالي، أولاف شولتس، قادر على ملئها.
ـ تتعرض العلاقات الألمانية الروسية، أو بالأحرى "خط التواصل" ما بين برلين وموسكو "للانهيار". كانت المستشارة السابقة ميركل تتمتع بميزة التواصل وسهولة الاتصال مع موسكو في جميع الأوقات، وكثيراً من الأزمات تم حلّها عبر الهاتف بدون زيارات متبادلة، أي يمكن القول كانت هناك لغة خاصة مشتركة ما بين ميركل وبوتين، باتت مفقودة مع المستشار الألماني الجديد شولتس، وهي حقيقة أو نتيجة متوقعة. المستشارة الألمانية ميركل أمضت 16 سنة في المستشارية، على عكس المستشار شولتس الذي لم يمضِ إلا بضعة أشهر.
ورغم الانتقادات، فإنّ ذلك لا يعتبر"نقصاً" في سياسة المستشار شولتس، ناهيك أنه من الحزب الاشتراكي، والذي كان وما زال يدعو إلى تخفيف العقوبات ضد موسكو. ومهما كانت نتائج زيارات شولتس إلى موسكو وكييف وباريس وواشنطن، فهو يعمل بالاتجاه الصحيح.
اقرأ المزيد: موسكو تعلن نهاية المناورات وسحب قوات من القرم
ـ هناك كلمة سر في خضم أزمة أوكرانيا، ومفتاح لهذه الأزمة، وتصعيد إدارة بايدن التهديدات العسكرية ضد موسكو، وهي "نورد ستريم 2"، ليس من المستبعد أن يعلن بايدن خفض تصعيد تهديداته لموسكو، بمجرد إعلان المستشار الألماني شولتس، ويبدو أن المستشار الألماني يدرك ذلك جيداً، ويدرك أن التصعيد الأمريكي لا يصب في صالح ألمانيا، وما يدور هو محاولات أمريكية من أجل إلغاء مشروع "نورد ستريم"، كون أمريكا تنظر له بأنه مشروع جيوبولتيك أكثر ما يكون اقتصادياً.
اقرأ المزيد:المفوضية الأوروبية: قادرون على الاستغناء عن الغاز الروسي
ـ العالم يشهد تحدّياً أمنياً بسبب سباق التسلّح ما بين الأقطاب الدولية، أمريكا وروسيا، والتي ممكن أن تعرض العالم إلى كوارث جديدة، وهذا يعني أن العالم يحتاج لإيجاد منظومة دولية جديدة بدل الأمم المتحدة.
بات متوقعاً أن يصعّد بايدن ضغوطاته أكثر ضد روسيا لوضع ألمانيا في موقف حرج، لكن ألمانيا سوف تعمل ما بوسعها حتى استثمار الفرصة الأخيرة لإبقاء مشروع نورد ستريم وتجنّب الحرب المحتملة.
ليفانت - جاسم محمد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!