-
أوروبا تستفيق مُتأخرة على استغلال الإسلام السياسي لقوانينها
شهد العام 2020، جملة من الأحداث الدامية في مجموعة من الدول الأوروبية، كشفت تأثير الفكر المتطرّف على بعض الأطراف المتصلة بجماعات الإسلام السياسي، إذ يبدو أنّ تلك التنظيمات استطاعت أن تستغلّ القوانين الأوروبية أيما استغلال، بغية غرس جذورها بين بعض المهاجرين، ممن تقطّعت بهم سبل الحياة وتاهوا في أورقة المدن الأوروبية، والحياة المعاكسة تماماً لما اعتاده غالبيتهم.
تحذيرات بلا فعل
ومنه، صدرت تحذيرات غير معتادة، كتلك في ألمانيا، والتي كان منها بوركهارد فراير، رئيس مكتب حماية الدستور في ولاية شمال الراين-وستفاليا (LfV)، الذي أشار إلى أنّ الإسلام السياسي أكثر خطورة من السلفيين على المدى الطويل، قائلاً إنّه “ومنذ سنوات، كانت الأجهزة الأمنية في ألمانيا تُحذّر بشكل أكثر إلحاحاً من تهديدات الإخوان المسلمين، لكن لا يبدو أنّ هذا قد وصل إلى السياسة”، وهو تنبيهٌ عقّب عليه "جاسم محمد"، مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في حديث خاص لـليفانت نيوز.
اقرأ أيضاً: طهران وأنقرة.. تحالف هشّ للشر وآيل للسقوط مع هبة الريح
حيث قال جاسم: "ما زالت الاستخبارات الألمانية تطلق التحذيرات والتنبيهات من مخاطر جماعات الإسلام السياسي، تحديداً جماعة الإخوان المسلمين، وكان آخر هذه التحذيرات، نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي، حيث ذكر العضو البرلماني، ستيفان تومي، أنّ فرض رقابة أمنية على الإخوان أصبح أمراً ضرورياً، رغم أنّه وصف مراقبة الإسلام السياسي الإخواني بأنّه أصعب من مراقبة ورصد عناصر تنظيم داعش والقاعدة، كون جماعات الإسلام السياسي تملك أغطية تتحرك خلفها، وهذا يُصعب مهمة أجهزة الاستخبارات"، مردفاً: "في تقديري، فإنّ تفعيل مشروع القرار لحظر الإخوان سيستغرق وقتاً أطول ويحتاج إلى جمع أصوات داخل البرلمان وهذا يحتاج إلى وقت أطول بلا شك".
عمليات إرهابية في فرنسا
أما في فرنسا، فقد كشف وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، نهاية أغسطس، أنّ "التهديد الذي يطرحه أنصار الإسلام الراديكالي بات تحدياً متنامياً لأجهزة الاستخبارات"، وفي الصدد، قال جاسم لليفانت: "أجد أنّ فرنسا بعد مقتل صموئيل، رفعت من التشديد في الرقابة واتخاذ إجراءات سريعة جداً، وما يميز أجهزة الاستخبارات والحكومة الفرنسية، أنّها تتخذ إجراءات سريعة، وكان رد فعلها أيضاً سريعاً، لكن كانت مدروسة ووضعت فرنسا يدها على المشكلة الحقيقية، وهي المراكز التي ينشط منها المتطرفون والفكر المتطرّف، ألا وهي جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال إغلاق عدد من الجمعيات والمساجد والمنابر وحظر بعض المنظمات"، مستدركاً: "أرى أنّ الداخلية الفرنسية في الاتجاه الصحيح".
داعش ذهبت لكن الجهادية بقيت
اما بلجيكا، فقد شدّد رئيس هيئة تقييم المخاطر في بلجيكا، بول فان تيغلت، بداية سبتمبر العام الماضي، على أنّ التهديد الإرهابي لم ينتهِ والأيديولوجية "الجهادية" لم تمت، على الرغم من تفكيك جزء كبير من الشبكات العنيفة، لافتاً إلى أنّ مواصلة التهديد الإرهابي على الدول الأوروبية بالقول: "يمكن أن نقول إنّ ما يعرف بتنظيم "داعش" بات غير قادر على إرسال جهاديين إلى أوروبا، ولكن هذا لا يعني أن عقيدته اختفت"، مستكملاً: "يشكّل المتطرفون الخطر الأكبر على أوروبا اليوم، إذ من السهل التلاعب بأفكارهم ودفعهم لشن الهجمات".
اقرأ أيضاً: انتباه.. تركيا تستدير وتتراجع إلى الخلف (الجزء1)
وهو ما يوافقه عليه جاسم محمد، الذي قال: "أعتقد أنّ الأوروبيين فعلاً انتبهوا، وبشكل متأخر، لمخاطر الإسلام السياسي، إلى جانب تنظيمات داعش والقاعدة وغيرها، وهنا يجدر الإشارة بأنّ محاربة التطرّف في أوروبا، أصعب على الحكومات من محاربة الإرهاب، كون أنّ الإرهاب ممكن أن يكون واضحاً في الغالب عند الجماعات الإسلاموية أو ممكن ضرب معاقلها من خلال جهد عسكري".
مضيفاً: "لكن أجد للأسف أنّ دول أوروبا، بشكل عام، ومن ضمنها بلجيكا، لم تكن موفقة بصراحة في محاربة التطرّف مجتمعياً، وحتى برامج الوقاية من التطرّف، نجدها ضعيفة جداً ولم تكن هنالك نتائج، وبرامج نزعة الأيدلوجية من المتطرفين العائدين من القتال أيضاً ضعيفة، ولا توجد إحصائيات جيدة ولا نتائج، وعليه فإنّ الأوروبيين بالفعل انتبهوا إلى المشكلة متأخرين، وما زالت هنالك جملة تحديات في محاربة التطرّف مجتمعياً، ربما تأخذ سنوات أطول".
التمويل والتحريض الخارجي
وبخصوص تكرر العمليات الإرهابية في دول أوروبية عدة، كان ضمنها النمسا، ومدى تأثير الأطراف الخارجية على المتطرفين ضمن الدول الأوروبية، ذكر جاسم أنّ "الأطراف الداعمة هي الآن باتت واضحة، وأبرزها قطر وتركيا، وأطراف أخرى، سواء كانت على مستوى الشخصيات أو على مستوى المنظمات، إضافة إلى الحكومات".
مردفاً: "سابقاً هذه الجماعات المتطرّفة، كانت تنشط تحت مسميات أو واجهات تمنحها الشرعية والقانونية، كـالمنظمات، الجمعيات، والمنتديات، تحصل على الدعم من الدول لديها بالأصل استثمارات في أوروبا، وعلى سبيل المثال، الاستثمارات القطرية في أوروبا كبيرة جداً، في دول كـ فرنسا وألمانيا، إذ تصل إلى 50% من أشهر البنوك وصناعات السيارات والصناعات الأخرى، ولذلك ربما تغاضت هذه الدول الأوروبية عن تدفق الأموال إلى الجماعات المتطرفة، المنتمية للإسلام السياسي، إضافة إلى ذلك، هناك احتمال بعدم وجود فصل أو فرز أو متابعة لتلك الجمعيات والمراكز، مما جعلها تستمر بعملها".
اقرأ أيضاً: أردوغان والكرسي.. كل شيء للبقاء في السلطة
أما بخصوص تركيا، فيقول جاسم: "حاولت تركيا بالفعل استغلال تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون حول الانفصالية الإسلاموية، وكان هناك تصريحات مضادة لأردوغان، عندما تحدث ماكرون عن الموت السريري وغيرها من التوصيفات"، مضيفاً: "أردوغان ينصب العداء لـفرنسا وللدول الأوروبية، والهدف من تلك التعليقات والتصريحات، محاولة استغلالها أو استهلاكها محلياً بغرض الدعاية والتعبئة في الداخل التركي، إذ يطرح أردوغان نفسه على أنّه دولة قوية، ويضع تركيا في مقام الدول الأوروبية".
تجفيف منابع التمويل
ومع تنبّه الدول الأوروبية لمخاطر تنظيمات الإسلام السياسي، وإمكانية استغلالها من قبل أطراف خارجية، تعالت الدعوات الأوروبية لسنّ تشريعات تحظر التمويل الخارجي، وهو ما أثنى عليه مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بالقول: "كانت هنالك بالفعل دعوات أوروبية لسن تشريعات تحظر التمويل الخارجي، خاصة في فرنسا، وكذلك في ألمانيا، ربما الأخيرة سبقت فرنسا، لكن باريس بعد تعرّضها إلى عدد من الهجمات، ما جعلها تعيد حساباتها في موضوع إعطاء الموافقات للجمعيات والمساجد والمراكز التي تتخذها الجماعات المتطرّفة كـواجهة".
اقرأ أيضاً: عفرين.. ثلاث سنوات من وهم الانتصار التركي-الإخواني
مستطرداً: "كانت هذه الجماعات بدون شك تحصل على التمويل الخارجي تحت مسميات دعم البرامج أو البناء، وكان هنالك غسيل للأموال، وبالتأكيد إنّ قطع التمويل الخارجي سيُسهم في تقليص أنشطة الإسلام السياسي التي تعيش على التمويل الخارجي، إلى جانب الاستثمارات المحلية داخل أوروبا".
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!